محمد شحادة المفكر الإسلامي الرسالي واسع النظر والرؤية، له فهم مختلف عن السابقين والموجودين حوله، فهو يستخدم أدوات الفهم وتصورات الواقع، قبل الإيلاج في الموضوع المناقش والمطروح، كما أنه يجمع بين الفقه والواقع، لذا دائماً أحكامه تكون رسالية راقية، ذات منهج واضح المعالم.
وهكذا كان الشقاقي من منظور الفكر الإسلامي فهو مفكر فذ وصاحب هم كبير، في الأمة، وله إجتهادات عظيمة وقيمة، فهو سابق لغيره في فهم سنن التاريخ والواقع.. وهو صاحب رؤية تجديدية في فكر وممارسة الحركات الإسلامية، وهو أيضاً صاحب فقه أولويات وفقه موازنات، وضعت بوصلة نحو الأهم فالأهم في رؤية الصراع مع العدو... كما أنه أحيا الفريضة الغائبة في فلسطين.. وبهذا وبغيره من نظرته لضرورة الوحدة بين الأهل في الوطن الواحد والأمة الواحدة.. يكون الشقاقي عالماً رسالياً من الطراز الأول.
فرؤيته واضحة حول العديد من القضايا والمسائل المعاصرة وطرح حلولاً لإشكاليات عدة ظلت لسنين طويلة مجالاً للجدل والنقاش اللامنتهي.
يُكتب للشقاقي في هذا الاطار أنه جلب الإسلام للمقاومة وجلب المقاومة للحركات الإسلامية، بمعنى أنه كان هناك إسلام بلا وطنية ووطنية بلا إسلام والشقاقي كان أول من جمع بين الطرفين.
ومما يحسب للدكتور فتحي الشقاقي دعوته لتسييس الحركة الإسلامية العالمية. وكذا في فلسطين حتى تستطيع الحركة الإسلامية أن تعيد بناء كيانها السياسي الغائب بعد سقوط الخلافة الإسلامية، وتجزئة المسلمين وضياع فلسطين. فلقد كانت الحركة الإسلامية تعيش في واقع بعيد عن الواقع الحقيقي، وصورت لنفسها واقعاً تعيش فيه نوعاً من التفسيرات والأفهام الضيقة والعمومية والسطحية للواقع السياسي فلا تكاد تسمع عن موقف محدد أو دور محدد للمسلمين تجاه فلسطين. ولذا نرى الدكتور فتحي الشقاقي يحض على الوعي السياسي، والتاريخ، والمجلات، ومتابعة الأخبار، وقراءة التحليلات السياسية، ومحاولة إيجاد فهم سياسي إسلامي متكامل لما يدور في المنطقة وفي العالم. وأخذ موقف محدد لما يجري على الساحة. ولقد جرّ ذلك عليه الكثير من المشاكل حتى أصبح يُتحدث عنه بأنه شخص فكري أو سياسي، في محاولة لإيجاد صورة سلبية مقابلة للورع والتقوى. وهذا كان يعكس فهماً لأزمة لا شعورية كانت خافية على أصحابها وهي عملية الفصل بين الدين والسياسة في العقل المسلم مشابهة لعملية الفصل بين الدين والسياسة التي تحدث في الواقع المعاش (عبر ممارسة الأنظمة العلمانية الحاكمة). فبينما كان هو يحاول الجمع ليحقق جوهر الإسلام كان الآخرون يحققون أهداف الفصل لكن بدون وعي وفهم للواقع. وتجسيداً لتلك المفاهيم ساهم الدكتور فتحي الشقاقي وهو طالب في كلية الطب بكتابة التحليلات السياسية في مجلات الحائط أو في إصدار مجلة المختار الإسلامي التي تألقت في تلك الفترة (من يناير 1979 حتى سبتمبر 1981م) بأطروحاتها السياسية التي غطت معظم قضايا الوطن الإسلامي من القرن الإفريقي وحتى الفلبين. وأيضاً بعد عودته إلى الأرض المحتلة (فلسطين) ساهم في إصدار مجلة النور (القدس) والطليعة الإسلامية (لندن).
ولقد جسّد تسييس الحركة الإسلامية أيضاً عبر تشكيل حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وبروزها فيما بعد كرقم حقيقي في معادلة الصراع الدائر على أرض فلسطين بين الأمة الإسلامية والحضارة الإسلامية من جانب والحضارة الغربية ورأس حربتها "إسرائيل" المنغرسة في قلب الوطن الإسلامي _ أرض الإسراء والمعراج _ على الجانب الآخر.
لقد كان للدكتور فتحي الشقاقي دور كبير في إحضار القضية إلى قلب المشروع الإسلامي وكذا الجهاد الإسلامي فكراً وممارسة. حيث تعتبر هذه النقطة من أهم النقاط التي تحسب له بجانب تسييس الحركة الإسلامية في فلسطين فقد وضع فلسطين على الطاولة أمام الجميع وأنها يجب أن تحرر بأيدي المسلمين، ليس شعاراً يرفع بل لابد من العمل على تحقيق هذا الشعار على أرض الواقع. وهذا نتيجة الوعي العميق ومحاولة ربط الواقع والتاريخ والقرآن مع بعضها البعض لتتكامل الصورة في إظهار العلو والإفساد الإسرائيلي. وأن الخلاص يكون عن طريق عباد لنا كما أوضحت سورة الإسراء أنه لا يكون إلا بعباد مؤمنين أطهار، ففلسطين مركزيتها ليست بالنسبة لأهل فلسطين بل لكل المسلمين. فهي قضية القلب للعالم الإسلامي وجوهر الصراع بين "إسرائيل" وبين المسلمين وطليعتهم أهل فلسطين.
وانطلاقاً من ذلك قام الدكتور فتحي الشقاقي بالتأكيد على الدور التاريخي للمسلمين في فلسطين مثل دور مشايخ وعلماء فلسطين وعلى رأسهم الشهيد الشيخ عز الدين القسام. وكذلك تقييمه لدور فدائيي الإخوان المسلمين في فلسطين أثناء حرب عام 1948م. وهكذا نجده يحاول ربط الحاضر بالماضي ويستنهض طاقات الأمة المغيبة، وخاصة بعد حرب 1967م وضياع القدس، ويحض المسلمين على القيام بدورهم الذي ينتظرهم، وأن يعاودوا مسك الأمور بأيديهم، ولا يدعوا الآخرين يتحكمون بمصيرهم ومصير قضيتهم).
ولقد كان في النهاية، وبعثه شهيداً، هو بمثابة إعلان صدق في القول والعمل، وإنهاء لرحلة الدم الذي هزم السيف.. فرحم الله المعلم الفذ الدكتور فتحي الشقاقي!