يصادف اليوم لأحد، الذكرى السنوية 15 لمجزرة مخيم جنين، التي ارتكبها جيش الاحتلال بعد معارك شرسة مع المقاومة الفلسطينية على مدار 10 أيام.
وقد تعرّض خلالها المخيم لقصف متواصل، شاركت فيه الطائرات والدبابات بمشاركة الوحدات المختارة في جيش الاحتلال، الذي فرض حصاراً على مخيم ومدينة جنين وعزلهما بشكل كامل عن العالم الخارجي، وبدأت في 3 نيسان/أبريل ما أسماها الاحتلال "عملية السور الواقي".
هذا وستنظم عدة فعاليات إحياءً لذكرى المجزرة وتخليداً للشهداء الذين ارتقوا فيها وبلغ عددهم 58 شهيداً، وقد شهد مخيم جنين وحدة لا مثيل لها بين فصائل المقاومة الفلسطينية التي تصدت للاحتلال بكل قوة، وأقرّ العدو بأنها كانت من أعنف المعارك مع المقاومة في تاريخ الصراع، حيث قتل فيها ما لا يقل عن 23 جندياً في جيش الاحتلال وأصيب العشرات.
وتشتمل فعاليات إحياء ذكرى المجزرة على أنشطة وطنية وثقافية ورياضية تنطلق اليوم، وتفتتح بمسيرة تبدأ من دوار الخدمات تجاه مقبرة الشهداء، وتنتهي بمهرجان خطابي وتكريم في ملعب الخدمات، وتستمر الفعاليات حتى يوم الجمعة المقبل.
الشهيد محمود طوالبة
وفي ذكرى المجزرة الأليمة والتي سطرت في الوقت نفسه ملحمة بطولية كبيرة للمقاومة، نستذكر اليوم قائد معركة جنين الشهيد محمود طوالبة.
رحل محمود طوالبة بعد أن أودع في كل بيت فلسطيني وردة مغروسة وسط الدار لا ترويها المياه ولا تذبل أبداً.. ينظر إليها الناس فيذكرون محمود الذي أودعهم هذه الأمانة.. وسجل طوالبة وشهداء المعركة مفخرة جديدة في تاريخ الأمة اسمها (مخيم جنين).
ويكاد طوالبة أن يتحول إلى أسطورة بعد أن ارتقى سلّم المقاومة تدريجياً وأتقن مهارات تصنيع العبوات وحرب العصابات، واستشهد بعد أن أصبح من أكثر من تطالب حكومة الاحتلال باغتيالهم، وذلك خلال الصمود البطولي ضد فوات الاحتلال التي حولت مخيم جنين إلى ركام.
نشأة طوالبة
ولد الشهيد القائد محمود أحمد محمد طوالبة ابن حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري؛ في أحضان مخيم جنين للاجئين بتاريخ 1931979 لعائلة فلسطينية متدينة، وتلقى تعليمه الأساسي والإعدادي في مدرسة وكالة الغوث قبل أن يتفرغ للعمل في مجال البناء، في أحد المحلات التجارية بمدينة جنين.
وفي صغره اعتاد محمود ارتياد المساجد والصلاة فيها وعرف بتدينه وورعه، وتزوج طوالبة ورزق ببنت أسماها دعاء (3 سنوات)، وولد أسماه عبد الله (3 شهور)، وبقيت حياة هذا البطل هادئة حتى بداية أحداث انتفاضة الأقصى المبارك في العام 2000.
وفي مخيم جنين وسط المنازل الصغيرة المتلاصقة أمضى محمود حياته القصيرة التي لم تتجاوز 23 عاماً، والتي أضحى فيها بطلاً وقائداً كبيراً بالنسبة لأهالي المخيم ممن تبقى منهم بعد أن سويت منازله بالأرض ما بين 11 و13 نيسان 2002.
رحلة الجهاد
صار طوالبة بعد عدد من العمليات الناجحة المطلوب رقم 1 لدى أجهزة الاحتلال. وفي مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية بتاريخ 1722002 قال الشهيد القائد محمود طوالبة (إن ما يقوم به العدو من اعتقالات واغتيالات وجرائم ضد ناشطين ومجاهدين فلسطينيين لن يؤدي إلى وقف جهاد شعبنا)، وقال أيضاً لوسيلة إعلامية أخرى (إن عمليات الاغتيال لن تردعنا ولن تردع الجهاد الإسلامي، ولا كتائب شهداء الأقصى، ولا القسام، ولا الشعب الفلسطيني كله، بل سنواصل نضالنا واقسم بالانتقام لدماء رفاقي).
تعرض الشهيد طوالبة كذلك لعدة محاولات اغتيال من بينها محاولة الاغتيال التي ارتقى فيها الشهيدان مجدي الطيب وعكرمة ستيتي من كتائب شهداء الأقصى، حيث استطاع أن ينزل من السيارة قبل إصابتها بصاروخ طائرة الاباتشي بلحظات، واستطاع أن ينجو كذلك من تفجير المحل التجاري الذي كان يعمل فيه مع أخيه بعد اكتشاف العبوة الناسفة في الوقت المناسب، إضافة إلى مغادرته لسجن "الجنيد" حيث كان معتقلاً هناك قبل قصفه بالطائرات بوقت قصير.
معركة مخيم جنين
يقول أحد المقاومين من المخيم إن الشهيد طوالبة في أول أيام المعركة ذهب إلى أحد البيوت التي كان موجوداً فيها أهله، وبعد أن ودّع زوجته وطفليه دعاء وعبد الله ارتدى بزته العسكرية وخرج لقيادة المجموعة المرابطة في حارة بيت الطوالبة، فقام على الفور بتلغيم بيته وجميع البيوت المجاورة، وبعد أيام قلائل عندما اقتحمت قوات الاحتلال المنطقة فقام الشهيد القائد ورفاقه بتفجير عدد من العبوات الناسفة مما أربك جنود الاحتلال وأجبرهم على الانسحاب.
ويقول أحد شهود العيان: لاحظ الشهيد محمود عدداً من الجنود ما زالوا في منزله فقام بحركة سريعة تمثلت في هجوم معاكس، وضرب عدداً من العبوات التي كان يحملها على ظهره مما أدى إلى مقتل 4 جنود على الفور.
استشهاده
في يوم الاثنين 742002 تراجع الشهيد محمود مع عدد من المجاهدين منهم رفيق دربه الشهيد عبد الرحيم فرج، إلى منطقة جورة الذهب في المخيم حيث حوصر هؤلاء الشهداء في أحد المنازل فقامت طائرات الاحتلال بقصف المنزل مما أدى إلى استشهاد محمود ورفاقه.
ويروي أهالي مخيم جنين أن أهم عوامل صمود المقاومة في معركة المخيم الأخيرة؛ المواقف البطولية لطوالبه مع قادة فصائل المقاومة الأخرى، فقد شوهد في ميدان المعركة يقود الهجمات ويتصدى ببسالة لجنود الاحتلال، وقال الناجون من الموت في المخيم أن طوالبه كان يرفض النوم ويحرس مجموعات المقاتلين ويزور الأهالي في بيوتهم ويطمئن عليهم.
وينقل الأهالي عن محمود إصراره على المقاومة ورفض دعوات الاحتلال للاستسلام.وفي حي الحواشين نجح طوالبة في محاصرة دورية من الجنود داخل منزل واشتبكوا معهم لعدة ساعات، وأكد الأهالي أنهم سمعوا صرخات وعويل جنود الاحتلال الذين لم تتمكن الطائرات من إنقاذهم رغم قصفها للموقع بعشرات الصواريخ وقد قتل خلال ذلك عدد من الجنود.
أسطورة طوالبة
لم يصدّق الأهالي نبأ استشهاد القائد محمود طوالبة، بل بقيت حكاية استشهاده تُطرح حولها الأسئلة، وبقيت الناس تردد اسمه، وتخفق القلوب به، وترفض العقول كل الحكايات المتداولة التي تتحدث عن استشهاده، فالناس قد عشقت هذا الإنسان لبطولاته، وسيرته العطرة بينهم، ولتضحيته التي قرن فيها القول بالعمل، فهو لم يرسل الاستشهاديين فقط بل أرسل أخاه لتنفيذ عملية استشهادية في حيفا إلا أن الله شاء أن تعتقل سلطات العدو أخاه الشهيد الحي.