عمر حلمي الغول توقف نبض جريدة "السفير" اللبنانية العربية في الرابع من يناير 2017. كان العدد الوداعي، الذي جال فيه صاحب القامة الإعلامية العالية طلال سلمان على أبرز محطات ومقابلات ورجالات ونساء الجريدة الشجاعة.
في العام 1974 أطلت جريدة "صوت من لا صوت لهم" على المشهد اللبناني والعربي بزخم وقوة غير عادية. حمل رايتها فرسان عرب، نهلوا من نبع القومية والديمقراطية. وكان الفضل للربان الشاب طلال سلمان. الذي فتح أبواب الصحيفة للكل العربي. فكانت منبراً متقدماً في الدفاع عن قضايا الأمة كلها وخاصة فلسطين. ولمن لا يعرف الكاتب الصحفي طلال، يمكنني الإشارة لبعض مواقفه الشجاعة تجاه قضية العرب المركزية، التي كان مسكنوناً بها. فأصدر كتاباً عن "العاصفة"، أهداني نسخة منه في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي. وهو كاتب المقال الرائع في رده على الإنعزاليين وناكري الجميل من اللبنانيين وغيرهم من العرب، "الفلسطينيون جوهرة الشرق" عدّد فيه الأدوار العظيمة، التي لعبها الفلسطينيون في لبنان بشكل خاص وفي دنيا العرب، وأبرز تضحياتهم ومساهماتهم الشجاعة في رفع مكانة الإقتصاد ورأس المال والثقافة والفن والإعلام والعمارة وفي ميادين الحياة المختلفة.
كان الأستاذ طلال سلمان وجريدة "السفير" ملاذاً وحضناً دافئاً لكل القوميين والديمقراطيين، للمثقفين بتلاوينهم ومشاربهم واتجاهاتهم المختلفة: شيوعيون وقوميون وليبراليون. وبذات القدر كانت "السفير" منبراً مفتوحاً على مصراعيه لكل كاتب لبناني وفلسطيني ومصري وسوري وعراقي ومغربي وتونسي وخليجي يرغب بالتعبير عن هموم وقضايا الأمة وشعوبها.
أتيحت لي الفرصة الشخصية للتعرف على الأستاذ طلال سلمان، رئيس التحرير، ومحمد مشموشي، مدير التحرير، وجهاد الزين، ومحمد شقير، ووليد شقير، وباسم السبع، وفيصل سلمان، وساطع نورد الدين، وعبيدو باشا، وإسكندر حبش، ومحمد بنجك، ومنى سكرية ونبيه برجي وياسر نعمة وحازم صاغية وفنان الكاريكاتير المبدع الشهيد ناجي العلي وغيرهم الكثير من الأسماء، التي تلألأت في سماء صحيفة "السفير". كانت مكاتبهم مفتوحة لي ولغيري. وفتحت لي الجريدة صفحاتها، وكتبت العشرات من المقالات خلال النصف الثاني من الثمانينات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي، وكنت أكتب يومها بإسم "عمر حلمي". ورغم أني توليت مهمة مدير تحرير مجلة "الهدف"، لسان حال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مطلع التسعينيات وعشية العودة لأرض الوطن، وعلى أهمية ذلك، غير أن للكتابة في جريدة العرب في لبنان، وجريدة لبنان في الكل العربي، كان لها مذاق خاص.
ورغم إنقطاع التواصل مع الجريدة اللبنانية العربية بعد العودة للوطن في تموز 1994، إلآ أن العلاقة مع "السفير" وأعمدتها من رواد الكتابة والعمل الصحفي بقيت تسكن الذاكرة الحميمة. ولم تغب الصحيفة أبداً، وكان الحنين إليها يراودني، كلما حاولت عمل مقاربة بين صحافتنا الوطنية وبين الصحافة اللبنانية والعربية. وكنت دائماً أتطلع للنهوض بمنابرنا الإعلامية لمستوى "السفير"، لأنها كانت رائدة.
نعم لم يتمكن الأستاذ طلال سلمان من مواصلة إصدار الصحيفة المميزة. وجفّ الحبر على صفحاتها، وتوقف نبض قلبها عن الضخ، مما حتّم غياب وصولها لقرائها مع كل فجر جديد مع مطلع العام 2017. لكن أعمدتها من رواد الصحافة اللبنانية والعربية، لم يصمتوا، ومازالت أقلامهم تواصل العطاء، والكتابة في مختلف شؤون الحياة اللبنانية والعربية والعالمية في منابر إعلامية لبنانية وعربية.
صحيفة "السفير" كانت مدرسة رائدة في ميدان الصحافة الوطنية والقومية والإنسانية. وستبقى تجربتها ومكانتها الإعلامية ما بقي تاريخ الإعلام ساطعاً ومنيراً في فضاء الدنيا. وسيبقى إسم طلال سلمان ورفاقه منارة لكل الإعلاميين العرب. وكلي أمل أن تعود الصحيفة ذات يوم قريب، لتعود تشع من جديد تحاكي قضايا الإنسان العربي. لا أقول وداعاً لـ"لسفير"، ولكن سأبقى أتمنى أن تنهض من جديد.