Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

"بيت ليد".. ملحمة الاستشهاديين

  يوم أشرقت فيه شمس الانتصار وفجّرت فيه بحور الذل والعار وانجلت فيه سحب الظلم والآلام وفاح نهاره بمسك أنور وصلاح وصدحت مآذن المساجد بصيحات المجد والفخار ورددت الجهاد الإسلامي بصوت واحد هتافاً (نعم لخيار المقاومة ولا خيار سواه).

ففي تاريخ 221 في مثل هذا اليوم المبارك، يكون قد مضى على عملية بيت ليد الاستشهادية البطولية، 22 عاماً تلك العملية التي هزت أركان كيان الاحتلال، سواء من حيث طريقة التنفيذ أو من عدد القتلى من جنود الاحتلال.

فكانت أول عملية استشهادية فلسطينية مزدوجة تقوم بها حركة الجهاد الإسلامي عام 1995، أو من حيث النتائج الكبيرة التي حققتها حيث بلغ عدد القتلى في صفوف جنود الاحتلال 24 جندياً ونحو 80 جريحا.

الثنائي المزدوج أنور سكر وصلاح شاكر، ترجلا بملابس جيش الاحتلال أمام مفترق بيت ليد قرب مدينة أم خالد المحتلة والتي تعرف للاحتلال باسم "نتانيا"، ليتقدم أنور سكر ويفجّر نفسه وسط تجمع الجنود (المتواجدين أمام المقصف)، وما تكاد تمرّ دقائق حتي يفاجئوا بانفجار ثان لاستشهادي آخر وهو صلاح شاكر، لتتوالي بعد ذلك أرقام القتلى والجرح ، فيسقط 20 قتيلاً وما يقارب 80 جريحاً.

بعد ذلك قتل 4 متأثرين بجروحهم آخرهم مات بعد عام من العملية البطولية.. ليصبح العدد النهائي 26 قتيلاً من ضباط وجنود جيش الاحتلال.

صلاح، أنور، هكذا ارتبط اسماهما، فارسان وحلم واحد، فصلاح شاكر، ابن مخيم رفح، الحامل لشهادة الدبلوم في العلاج الطبيعي، والذي كان شاهداً على مجزرة الأقصى سنة 1990، فعمل في طواقم الإسعاف، وقد أصيب 7 مرات في مواجهات الانتفاضة واعتقل لمدة 18 يوماً.

وأنور سكر ابن 23 عاماً، من حي الشجاعية بمدينة غزة، كان يعمل نجاراً للموبيليا، امتاز بنشاطه الدؤوب خلال انتفاضة العام 1987، وانضم للجان حركة الجهاد الإسلامي قبل اندلاع الانتفاضة، واعتقلته قوات الاحتلال مرتين بحجة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، فكانت بيت ليد العملية هزت الأرض من تحتهم.. وكان يتمنى أن يكون هو الاستشهادي الأول رداً على جرائم الاحتلال؛ وارتقاء العديد من الشهداء وعلى رأسهم قائده هاني عابد لكن سبقه في ذلك الاستشهادي هشام حمد في عملية "نتساريم" (مفرق الشهداء).

فقد شكلت عملية بيت ليد البطولية فارقاً خطيراً لدى كيان الاحتلال، باعتبارها تطور نوعي كان بمثابة الكارثة على "أمن" الاحتلال، حيث أنها كانت أول عملية ازدواجية تمكنت من اختراق التحصينات والاحتياطات الأمنية للاحتلال، لتستهدف موقعاً عسكرياً محطة لنقل جنود الاحتلال، وتسقط عدداً كبيراً من القتلى والجرحى الجنود، والذين كان من ضمنهم ضباط أيضاً.

لقد جعل أنور وصديقه صلاح كيان الاحتلال كله يبكي… وجميعكم شاهد: جنود الاحتلال يبكون كما النساء.. حتى أنه ظهرت على معظم الجنود (أعراض بيت ليد)!!!

فكانت وما زالت (بيت ليد) الكابوس الذي يقض مضاجع قادة كيان الاحتلال وجنودهم الجبناء.. حتى أن الكثير من الجنود لم يعودوا يستقلون الباصات من مفترق "بيت ليد" ولم يعودوا يقفون فيه مطلقاً.

وقد جاءت ردود الفعل قادة الاحتلال مرتبكة، تدلّ على عمق المأزق وعجزهم عن مواجهة هذا النوع من العمليات الاستشهادية، فعلي الأثر خرج المقبور إسحاق رابين _ رئيس حكومة الكيان في حينه_ ليعلن هزيمته أمام شعبه بقوله: "ماذا تريدونني أن افعل؟ أأعاقبهم بالموت؟ إنهم يريدونه!". ويأتون هنا من أجله.

 

"بيت ليد".. الرد الكبير

"بيت ليد" هي الحلم الذي كان عز الدين الفارس يصنعه أمام ناظره ويرنو إليه من بعيد يرقبه مع كل فجر. محمود الخواجا لم يعرف طعم الراحة منذ اغتيال صديقه هاني عابد، وبدأ التخطيط لعملية الرد الكبير.. تم رصد مكان العملية بدقة لعدة أسابيع.. الهدف مقصف يرتاده جنود الاحتلال في مفرق "بيت ليد".. تم الإعداد للعملية جيداً وتم نقل صلاح شاكر من رفح وأنور سكر من الشجاعية إلى مكان العملية وتم إحضار الزيّ العسكري الذي يشبه ملابس جنود الاحتلال مع حقائب المتفجرات t.n.t، كل حقيبة 15 كيلو جرام تم استخراجها من ألغام قديمة.

في صباح يوم الأحد 22-1-1995م الساعة 9، تقدّم الاستشهادي الأول أنور سكر وفجّر نفسه في مقصف الجنود موقعاً عدد من القتلى والجرحى وصلاح يراقب صديقه وهو يصعد إلى جنة عدن ودار الشهداء وانتظر صلاح بضع دقائق برباطة جأش لحظة عمره التي طالما تمناها وعشقها وحلم بها وتاق واشتاق لها وهو ينادي: انتظرني يا صديقي.. انتظر بثبات الجبال الرواسي.. يا لها من لحظة.. صلاح يغادر الدنيا الفانية إلى عالم الطهر والنقاء في الملأ الأعلى.

ومضى صلاح بيقين الجيل القرآني المحمدي الأول وتسلل وسط جنود الاحتلال بعد تجمعهم للمرة الثانية وفجّر نفسه موقعاً عدداً كبيراً من القتلى في صفوفهم، ليصل عدد القتلى في العملية إلى 24 قتيلاً و126 جريحاً ليتحقق توازن الرعب مع العدو.. واستشهد القمران أنور وصلاح في العملية، وليأتي الدكتور فتحي رحمه الله في مساء يوم الأحد ليعلن عن العملية بشكل رسمي وهو يبتسم تارة ويضحك تارة أخرى ضحكات فرح ورضا.. وبعد طول عذاب وتعب وألم وسجن ومنافي وجد واجتهاد ودموع وأحزان ليفرح الفارس ويقول: نعم نعم لقد قامت "قسم" بتنفيذ العملية.. انتقمنا لدم الشرطة الفلسطينية.. الشهداء يعشقون خيار الحياة الأفضل.. (قبل العملية بأقل من أسبوع قتل 6 من الشرطة الفلسطينية)، وليعلم رابين وجنرالاته أنه كلما قتل منّا قائد فليجهز توابيت لجنوده".

"بيت ليد" بدر الجهاد الإسلامي العظيم وعذاب الله الذي ساقهُ للمحتلين فبكى في هذا اليوم الرباني المجرم رابين وجنرالاته وكيانه، بكوا على جنودهم الصرعى وأخذ رابين في هذا اليوم قراره الحاقد القاضي باغتيال الدكتور الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أستاذ الاستشهاديين رداً على العملية وعندما علم الشقاقي قال في ثقة ويقين "من يأخذ على عاتقه قرار اغتيالي سيفقد مستقبله" سألوه ألا تقوم بعمل استشهادي؟ فقال: الشهادة حلمي منذ الصغر أحسست بالاقتراب منها في فترة التحقيق معي وتمنيتها ولكن وضعي السياسي والتنظيمي كان يدفعني بعيداً عنها، على كل لا زلت أنتظر.. وكان رحمه الله يُهدد بالاغتيال ولقد اعتبرت "بيت ليد" الأقوى على مدار مسيرة الصراع مع كيان الاحتلال ولقد شكلت تجسيداً لحلم الفارس ونوراً سماوياً ربانياً لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ولكل المجاهدين الصادقين والشرفاء والأحرار.

 

اغتيال الشقاقي وقادة من الجهاد

لم تتوقف ردود الفعل من كيان الاحتلال عند هذا الحد، ففضلاً عن موجة الاستياء والخوف التي ضربت الكيان، خرجت أصوات عدة داخل الكيان تطالب قادة الاحتلال التعامل بشكل جدي إزاء العمليات الاستشهادية ومن يقف وراءها، والحيلولة دون وقوع بيت ليد (جديدة) باتخاذ "إجراءات أمنية صارمة". وهو ما دفع رابين بالتفكير في وضع خطة لفصل الكيان عن الضفة الغربية وقطاع غزة، وإتباع سياسة الاغتيالات لتصفية كل من يقف وراء مثل هذا النوع من العمليات، فقد تم استهداف العقول المدبرة لبيت ليد، فطالت أيدي "الموساد" الشهيد القائد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي، ومن قبله مؤسس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي محمود الخواجا، ومن بعدهما الشهيد المهندس محمود الزطمة (مهندس الأحزمة الناسفة لعملية بيت ليد).. والذي قامت قوات الاحتلال باغتياله خلال الانتفاضة، هذا بالإضافة إلى اعتقال عدد من كوادر الجناح العسكري لحركة الجهاد بدعوى المشاركة في التخطيط لتلك العملية.

 

احتجاز الجثامين

هذا وبالرغم من مرور 22 عاماً على وقوع العملية، إلا أن سلطات الاحتلال لا زالت تحتفظ بجثماني الشهيدين ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية في هذا السياق، وبحسب بعض التقارير فإن جثماني الشهيدين أنور سكر وصلاح شاكر ضمن 24 جثماناً تواصل سلطات الاحتلال احتجازها وترفض إعادتها.

https://www.youtube.com/watch?v=FL31rVlyKq4