أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة مؤخراً نية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تطبيق إجراءات عقابية بحق السلطة الفلسطينية رداً على طلبها الانضمام إلى 15 منظمة في إطار الأمم المتحدة،
وفي مقدمة تلك الإجراءات حجز عوائد الضرائب التي تجنيها إسرائيل لصالح الفلسطينيين والتي تقدر بنحو خمسين مليون دولار شهرياً، فضلاً عن زيادة وتيرة الإغلاق والنشاط الاستيطاني، والحصار على مدن وقرى الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس.
وتبعاً للعقوبات الاقتصادية الإسرائيلية المحتملة وعدم جدوى المفاوضات مع إسرائيل، تبرز أسئلة حول إمكان انطلاقة انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية، لكن في مقابل ذلك يشكك متابعون في وجود حواضن ومرتكزات أساسية للانتفاضة واستمرارها بغية تحقيق أهداف معينة.
في الجانب الاقتصادي، يؤكد محللون اقتصاديون أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية خلال العقود الماضية من الاحتلال، أدت إلى سيطرة إسرائيلية شبه كاملة على عناصر الإنتاج في الاقتصاد الفلسطيني.
وتبعاً لذلك سيطرت إسرائيل على أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني ومقدراته والمتمثلة أساساً في حركة العمال والتجارة الخارجية، فضلاً عن المصادر المائية المتاحة، وأبقت اتفاقات أوسلو وما تلاها من اتفاقات اقتصادية السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الاقتصاد الفلسطيني، الأمر الذي أوقع السلطة الفلسطينية التي أنشئت في ربيع عام 1994 في شرك المساعدات الدولية المشروطة، ما جعل أداءها واستمرارها مرهونين بتلك المساعدات التي لم يتحسسها المواطن الفلسطيني في الضفة والقطاع بشكل مباشر.
وفي جانب الأرض كعنصر أساسي للاقتصاد الفلسطيني، استطاعت السلطات الإسرائيلية السيطرة على أهم الأراضي الزراعية لصالح الأنشطة الاستيطانية التي لم تتوقف منذ عام 1967 وحتى العام الحالي 2014، كما صادرت 81 % من إجمالي الموارد المائية الفلسطينية المتاحة والمقدرة بنحو 750 مليون متر مكعب، الأمر الذي أدى إلى تهميش قطاع الزراعة الفلسطيني، ودفع آلاف العمال العرب في الضفة والقطاع إلى العمل في الاقتصاد الإسرائيلي ووفق شروطه المجحفة، على رغم رفع شعار مقاطعة العمل العبري في بداية الاحتلال.
وقد عزز هذا التوجه استصدار السلطات الإسرائيلية قانوناً في عام 1968 يسمح للعمال الفلسطينيين بالعمل في قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي المختلفة. وفي الاتجاه نفسه، استصدرت أيضاً أوامر بإلحاق البيوتات المالية الفلسطينية بالبنوك الإسرائيلية، وتمت عملية تفكيك مبرمجة للاقتصاد الفلسطيني وربطه بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي ولصالحه.
وتراجع أداء الاقتصاد الفلسطيني في كافة قطاعاته، وخاصة الزراعي، الذي كان يساهم قبل الاحتلال بأكثر من 50%، سواء في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني أو في استيعاب قوة العمل. وبعد توقيع اتفاقات أوسلو في أيلول (سبتمبر) 1993 بقيت أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، فبات السوق الفلسطيني ثاني سوق للاقتصاد الإسرائيلي بعد السوق الأميركي. وإسرائيل تتحكم بنحو 96% من إجمالي التجارة الخارجية الفلسطينية بشقيها الصادرات والواردات، والعجز في الميزان التجاري الفلسطيني عنوان لعلاقة قسرية مع الاقتصاد الإسرائيلي.
وفي نفس الوقت، ورغم الإغلاقات الإسرائيلية المتكررة في وجه قوة العمل الفلسطينية، ثمة 20 ألف عامل يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي حالياً، في مقابل 120 ألفاً قبل الانتفاضة، الأمر الذي يؤكد تحكم إسرائيل بنسبة تصل إلى نحو 20 % من إجمالي الدخل القومي الفلسطيني، وبذلك فإن المجتمع الفلسطيني عرضة لابتزازات سياسية دائمة من قبل إسرائيل عبر البوابة الاقتصادية.
لقد أدت السياسات الإسرائيلية المذكورة إلى تراجع أداء كافة قطاعات الاقتصاد الفلسطيني، وظهور أزمات اقتصادية واكبت تطوره بعد إنشاء السلطة الفلسطينية في ربيع عام 1994، واشتدت وطأتها مع ارتفاع وتيرة الحصار الإسرائيلي والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والبنى التحتية للاقتصاد الفلسطيني بعد انطلاقة انتفاضة الأقصى في نهاية شهر أيلول عام 2000.
وتشير معطيات إلى تفاقم أزمة البطالة في الأراضي الفلسطينية، لتصل معدلاتها في عام 2013 إلى نحو 60% في قطاع غزة، ونحو 30% في الضفة الغربية، وعليه فقد انتشر الفقر المدقع بين ثلثي الأسر الفلسطينية في الضفة والقطاع، الأمر الذي يرى بعض المتابعين أنه يمهد الطريق أمام انطلاقة انتفاضة ثالثة، رفضاً لسياسات الاحتلال التي تنال من الشعب الفلسطيني وأرضه بشكل يومي.
وقد تتفاقم أزمات الاقتصاد الفلسطيني إذا طبقت إسرائيل إجراءات عقابية إضافية على الفلسطينيين، حيث سترتفع معدلات البطالة عن المعدلات المشار إليها، وستتراجع مؤشرات التنمية البشرية، وقد يزيد من صعوبة الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية وقوع الاقتصاد الفلسطيني منذ نشأة السلطة الفلسطينية في عام 1994 في شرك المساعدات الدولية، حيث بات يعتمد بشكل كبير على المساعدات والمعونات الدولية، الأمر الذي أوقعه تحت وطأة الاشتراطات الأميركية والأوروبية في غالب الأحيان.
وفي هذا السياق، يذكر أن حجم المساعدات الدولية يصل إلى 800 مليون دولار سنوياً، وثمة 10% هي نسبة المساعدات الأميركية التي مولت في الغالب مشاريع تحت مسمّيات تنشيط الديموقراطية ومشاركة المرأة. ومن جهتها حددت الدول الأوروبية المانحة بشكل مسبق قنوات التمويل وبمسميات غربية، من دون أن يتحسسها المواطن الفلسطيني بشكل مباشر.
من جانبها لم تدفع السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين بشكل منتظم عائدات الضرائب على قوة العمل الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي وعلى البضائع المستوردة للفلسطينيين عبر المعابر التي تتحكم بها إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرة السلطة الفلسطينية على دفع رواتب الموظفين التي تصل قيمتها الشهرية إلى 125 مليون دولار بشكل منتظم، ما دفع آلافاً منهم للتظاهر أكثر من مرة في مدن فلسطينية عديدة، وبخاصة رام الله.
ويبقى القول أنه في حال طبقت إسرائيل إجراءات عقابية اقتصادية على الفلسطينيين، فإن هناك إمكاناً لانطلاقة انتفاضة ثالثة، كرد على الحصاد المر لمفاوضات مديدة مع إسرائيل من جهة، ومحاولة للانفكاك من الأسر الإسرائيلي الاقتصادي الذي فرضته السياسات الإسرائيلية الجائرة خلال فترة الاحتلال (1967-2014). لكن لا بد من حواضن للانتفاضة من أجل استمرارها وتحقيق أهدافها، وتلك الحواضن هي حبيسة الانقسام الفلسطيني، وكذلك ضبابية المشهد السياسي العربي بتفاعلاته المختلفة.