Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

في الذكرى التاسعة والعشرين لـ"إنتفاضة الحجر"..!

في الذكرى التاسعة والعشرين لـ

  راسم عبيدات لم تكن انتفاضة الحجر -الإنتفاضة الأولى- عابرة في سفر النضال الوطني الفلسطيني الممتد والمتواصل منذ بداية الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين وحتى يومنا هذا،

حيث عوامل استدامته ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، وستبقى قائمة ما دام الإحتلال جاثم على صدورنا ناهب لأرضنا ومتنكر لحقوقنا ووجودنا.

هذه الإنتفاضة كانت محطة هامة من محطات النضال الوطني الفلسطيني، وادخلت إلى قاموس نضال الشعوب مصطلح الإنتفاضة، هذه الإنتفاضة التي كان مفجرها الأساس عنجهية وغطرسة الإحتلال، حيث صدمت إحدى شاحناته العسكرية في قطاع غزة في يوم 7121987 مجموعة من العمال الفلسطينيين المتجهين إلى أعمالهم في فلسطين المحتلة عام 48، ليسقط أربعة منهم شهداء والعديد من الجرحى وفي اليوم التالي، يوم 8121987، انفجر بركان الغضب الفلسطيني من مخيم جباليا مسقط رأس العمال الشهداء، وليمتد لهيب الإنتفاضة الشعبية من القطاع إلى كل الضفة الغربية، وليتوحد الكفاح والنضال والدم الفلسطيني على طول وعرض مساحات الوطن، هذه الإنتفاضة قبل التطرق إلى ما يميزوها فعلينا القول، بأن من أهم عوامل اندلاعها، هو الرد على محاولة تهميش منظمة التحرير الفلسطينية والإلتفاف على وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني.

إندلعت الإنتفاضة ولكن رغم أن شراراتها كانت عفوية، إلا أن الفصائل استطاعت أن تلتقط اللحظة المناسبة، حيث عملت على تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة كهيئة أركان تقود الشارع الفلسطيني، تضع الخطط والبرامج وتحدد المطالب والهدف الناظم لها، وآليات التنفيذ، وتصدر توجيهاتها وتعليماتها للجماهير الفلسطينية في بيانات دورية للمهام المطلوب العمل على تنفيذها، وكيفية العمل على استدامتها وتطويرها، وتحدد شعارها الناظم بالحرية والإستقلال، وتبقي على قنوات اتصال دائمة مع القيادة الفلسطينية في الخارج وبالتحديد في تونس، حيث أن القيادة الموحدة كانت الذراع الكفاحي لمنظمة التحرير.

المشهد الانتفاضي اليومي لهذه الإنتفاضة الشعبية، التي تميزت بالزخم والحشد الشعبي الواسع المشارك في أنشطتها وفعالياتها، حيث مختلف الشرائح الإجتماعية شاركت فيها وتوحدت خلف قيادتها ومطالبها، طرق مسدودة بالحجارة والسواتر الترابية وشبان يتمترسون خلف إطارات مشتعلة جاهزون لرمي الحجارة والزجاجات الحارقة على جنود الإحتلال، سحب كثيفة من الدخان الأسود تغطي السماء، جامعات ومؤسسات تعليمية مغلقة، والحديث عن التعليم الشعبي البديل، الأعلام الفلسطينية مرفرفة تزين أعمدة الهاتف والكهرباء وتتزين بها الأسوار وجدران المنازل، والشعارات الوطنية والفصائلية تخط على الجدران من أجل استنهاض الجماهير ودعوتها لمواصلة الكفاح والنضال الشعبي، وتوجيه التحية لشبان الإنتفاضة وتمجيد الشهداء والإشادة بصمود الأسرى الأبطال وتضحياتهم، بيانات (قاوم) في كل مكان، العودة للاقتصاد البيتي، نساء وفتيات يشاركن بفعالية في الانتفاضة، والأطر النسوية واللجان الشبابية تنشط في زيارة الجرحى وبيوت الشهداء، رائحة الدم والموت تنتشر في كل مكان، احتلال فقد السيطرة، الإعلام يفضح ويعري ما يسمى بديمقراطية الإحتلال، جنود بعربات مصفحة يواجهون أطفالاً مسلحين فقط بالإرادة والحجارة ومصممين على نيل حريتهم واستقلالهم، الإحتلال يحظر على وسائل الإعلام تغطية فعاليات الإنتفاضة من أجل محاصرة لهيبها المشتعل.

سعى شعبنا الفلسطيني من خلال هذه الإنتفاضة الشعبية لتحقيق حلمه بنيل حريته واستقلاله، ونقل شعار الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية إلى الإمكانية الواقعية، وكذلك إلى إطلاق سراح كل أسرانا في سجون الإحتلال فلسطينيين وعرب، ووقف "تغول" المحتل على المواطنين والتجار الفلسطينيين عبر فرضه للضرائب الباهظة عليهم، ولعل الخلاف في الإجتهادات السياسية، أحدثت حالة من البلبلة والإرباك في القيادة الفلسطينية، فهناك من رأى بأن لا بد من الإستثمار السياسي لهذه الإنتفاضة الشعبية، استثمار سياسي متسرع، قادتنا إلى دهاليز مؤتمر مدريد، ومنذ اتفاق المبادئ، اتفاق أوسلو أيلول 1994، الذي رأى فيه البعض ممراً إجبارياً، ونحن ندفع ثمن ذلك المزيد من التفكك على المستوى الوطني والمجتمعي، ناهيك عن ما فعله هذا الإتفاق، من تقسيم للأرض الفلسطينية الى معازل و"جيتوهات" مغلقة، وليستمر النزف الفلسطيني ويتصاعد، نحو الإنقسام المدمر المتواصل، والذي يفعل فعله في الجسد الفلسطيني كالسرطان، وليضيف لحالة الضعف الفلسطيني ضعفاً آخر، وليستغل الإحتلال حالة الضعف الفلسطينية هذه، ودخول الحالة العربية في حروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية، وإنتقال العديد منها لتطبيع علاقاتها مع المحتل على أكثر من صعيد ومستوى، ولتصل حد التنسيق والتعاون العلني، والحرف لبوصلة الصراع بإعتبار أن المحتل "إسرائيل" ليست الخطر المباشر على أمننا القومي وأمتنا العربية ووجودها، بل إيران، وكذلك تعطل الإرادة الدولية بسبب اشتباك أقطابها الرئيسية روسيا وأمريكا في معارك وحروب لها أولوياتها على القضية الفلسطينية، ما يحدث في سوريا ولبنان واليمن، ويضاف لذلك صعود القوى اليمينية المتطرفة في أكثر من بلد أوروبي، ووصول "ترامب" الجمهوري المعروف بيمينيته وتطرفه إلى سدة الحكم في أمريكا، كل هذا شجّع الحكومة اليمينية المغرقة في التطرف في دولة الإحتلال، من أجل تكريس المزيد من الوقائع والحقائق بالقوة على الأرض، عبر "تسونامي" استيطاني يلتهم مدينة القدس، ويسرّع في تهويدها وأسرلتها، وكذلك تكثيف الإستطيان وتصعيده في الضفة الغربية لخلق "دولة" للمستوطنين فيها، تمهيداً لضمها لدولة الإحتلال، كما يخطط لذلك أقطاب اليمين الصهيوني المتطرف نتنياهو – نفتالي وليبرمان.

بعد تسعة وعشرون عاماً على انتفاضة الحجر التي فشلنا فيها في نقل شعار الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية إلى الإمكانية الواقعية، واضح بأن حلمنا في تحقيق ذلك يتباعد، حيث الحالة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة على ذاتها سببٌ مباشر في ذلك، وكذلك قياداتنا بكل ألوان طيفها ليست على مستوى التحديات والمسؤوليات، تغلب مصالحها ومكتسباتها وإمتيازاتها الفئوية والحزبية على المصالح العليا للشعب الفلسطيني، والحل كل قوانا وفصائلنا تدركه جيداً، ولكنها لا تعمل على ترجمته إلى فعل على أرض الواقع لا انتصار بدون إنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أساس برنامج سياسي واستراتيجية موحدتين.