رام الله - وكالات دعا مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية اليوم الإثنين، إلى تبني إستراتيجية وطنية بديلة لتحقيق الحرية تتكون من خمسة عناصر، يكون الهدف المركزي فيها تغيير ميزان القوى بين الفلسطينيين وبين الحركة الصهيونية، دون الدخول في جدل حول الهدف الوطني، سواء كان حل الدولة الواحدة أم حل الدولتين، وخوض كفاح ذكي وجديد يركز على نقاط ضعف إسرائيل، من خلال الاعتماد على النفس وتنظيمها، وتحدي الاحتلال ونظام التمييز العنصري الإسرائيلي والتمرد على إجراءاته.
جاء ذلك خلال حلقة النقاش الثامنة ضمن سلسلة الحلقات التي ينظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) تحت عنوان "ما العمل؟"، في مقريه في البيرة وغزة، عبر "الفيديو كونفرنس"، بحضور حشد من الشخصيات السياسية والأكاديمية والنشطاء. وقد أدار الحوار في البيرة هاني المصري، مدير عام مركز مسارت، فيما أداره في غزة صلاح عبد العاطي، مدير المكتب هناك.
وعرض البرغوثي رؤيته للإستراتيجية البديلة التي تتضمن العناصر الآتية:
أولًا: المقاومة الشعبية على الأرض، التي لا تتنافى ولا تتعارض مع أشكال المقاومة المشروعة الأخرى التي يقرها القانون الدولي والإنساني ما دامت تحترم وتلتزم بالقانون الدولي، والاعتماد على التجارب الناجحة في المقاومة الفلسطينية، كالانتفاضة الأولى، وبمشاركة فئات شعبية واسعة فيها، يرافقها حراك سياسي قوي.
ثانيًا: تعزيز حركة التضامن الدولي والمقاطعة وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات من إسرائيل. فتوازن القوى في أي صراع يمثل نتيجة لتداخل العوامل المحلية والدولية. وتكمن أهمية حركة المقاطعة في أنها تكبد إسرائيل خسائر اقتصادية ملموسة، وخسائر أخلاقية كبيرة جدًا لإسرائيل لأنها تصنفها على أنها دولة "أبرتهايد".
كما أن حركة المقاطعة تقدم لمن هم متضامنون معنا وسيلة فعالة وملموسة ومحددة لتفعل تضامنهم بشكل مادي وملموس، وهي حركة تقدم للفلسطينيين في الخارج وسيلة محددة وملموسة للمشاركة في النضال الوطني.
ثالثًا: دعم الصمود الوطني للشعب الفلسطيني على أرضه، وحماية عنصر النجاح الرئيسي الذي حققه الشعب الفلسطيني، والبقاء في وطنه لتعزيز التوازن الديمغرافي، بما يشمل ذلك من موازنات حكومية للمناطق المهمشة. فالبقاء مهم في ظل مخاطر نعيشها اليوم، مثل البطالة، وهذا لن يتغير إلا إذا تغيرت سياسة توزيع الموازنة التي لا تنسجم مع هدف دعم الصمود الوطني على الأرض، ودعم الصمود يعني حل مشاكل الصحة، وإقرار الصندوق الوطني للتعليم العالي، ودعم الزراعة، وإقرار قانون عادل للضمان الاجتماعي.
رابعًا: تعزيز الوحدة الوطنية وتشكيل قيادة وطنية موحدة، يتشارك فيها الجميع بالرأي والقرار، وهي السبيل لتفعيل وتطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية. فبقاء الصراع بين "حماس" و"فتح" يعني إضعاف مجمل الحركة الوطنية وتكريس فصل القطاع عن الضفة، وضرب عنصر النجاح الرئيسي المتمثل بالوجود الديموغرافي الفلسطيني لصالح إسرائيل. كما أنه في الحالة السياسية الفلسطينية لا يمكن لأي طرف أن ينفي الآخر، ولا يمكن كذلك قمع طموح الشباب والأجيال الصاعدة للتغيير والتجديد والتطوير.
ومن الممكن تنظيم الخلافات والاختلافات بأسلوب سلمي وبناء بالاعتماد على مبادئ الديمقراطية والشراكة والعمل الجبهوي، وهذه الثلاثية تضمن تحصين البيت الداخلي الفلسطيني من التدخلات الخارجية ومن الانصياع لرغبات الآخرين أو التورط في صراعات طائفية أو إقليمية لا صلة لها بمصالح الشعب الفلسطيني وأهدافه.
خامسًا: تفعيل ودمج طاقات كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل (أراضي 48) والأراضي المحتلة والخارج نحو أهداف مشتركة بأسلوب متكامل، بما تشمل الحرية والعودة والعدالة والمساواة، وإسقاط منظومة التمييز والفصل العنصري.
وقال البرغوثي إن أيًا من هذه العناصر الخمسة حتى يتحقق بحاجة إلى كفاح وخلق وعي وطني جامع وحشد الطاقات للوصول إليه، ولا يجوز التذرع بالانقسام البائس الذي تعيشه السياسة في فلسطين لتبرير الشعور بالإحباط واليأس الذي تغذيه اسرائيل والحركة الصهيونية والمتخاذلون دون انقطاع.، بل يجب ان توفّر هذه العوامل حوافز لخلق نهوض فلسطيني جديد يركز على تعبئة الشباب والأجيال الشابة بروح الانتماء والعطاء والتفاؤل والإيمان بالمستقبل الأفضل.
وأضاف: إن إنتاج الإستراتيجية الوطنية الجديدة بحاجة إلى حركة تؤمن بها وتقنع القوى الأخرى بجدواها، وتقدم نموذجًا لعناصرها بالممارسة الفعلية.
وأوضخ البرغوثي أنه بالرغم من نجاح الإسرائيليين والحركة الصهيونية خلال العقود الماضية في احتلال كل أرض فلسطين بالقوة العسكرية والإرهاب وإلحاق الهزيمة بالجيوش العربية الرسمية أكثر من مرة، وفي بناء قوة عسكرية نووية واقتصادية وعلمية وبناء اللوبي الأكثر فاعلية في الولايات المتحدة وأكثر من بلد أوروبي؛ إلا أنهم فشلوا في تصفية القضية الفلسطيني وكسر إرادة الشعب وترحيل من صمد من الفلسطينيين على أرض وطنه، إضافة إلى أنهم فشلوا في وقف تصاعد التفهم والتضامن الدولي، خاصة على الصعيد الشعبي، مع الفلسطينيين.
وبيّن أن إسرائيل تسعى لكسب الوقت لفرض الحقائق على الأرض، المتمثلة في التوسع الاستيطاني، والتهويد، ومواجهة العامل الديمغرافي، من خلال المفاوضات الثنائية، وتكريس الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأشاد بعض الحضور بما قدمه البرغوثي من رؤية للخروج من المأزق الشامل الذي تعيشه القضية الفلسطينية، بينما طالب البعض الآخر بتحديد آليات عملية لتطبيق ما جاء في هذه الإستراتيجية وغيرها من الرؤى والإستراتيجيات في ظل الوضع القائم حاليًا، المتمثل باستمرار الانقسام والتشرذم والتيه الفلسطيني على مختلف المستويات والأصعدة، وفي ظل الاختلال الفادح في ميزان القوى لصالح الاحتلال الإسرائيلي.