Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

لا خطوط حمراء ولا ثوابت فلسطينية وعربية..!

لا خطوط حمراء ولا ثوابت فلسطينية وعربية..!

   راسم عبيدات كل القيادات الإسرائيلية من مختلف المكونات والمركبات الحزبية والمجتمعية الإسرائيلية من يسارها إلى أقصى يمينها متفقة تماماً بغض النظر عن الخلافات في الجوانب التكتيكية بأن الإستيطان هو مرتكز أساسي ومكوّن ثابت من ثوابت أي حكومة إسرائيلية

ويصل حد القدسية ولا يجب المساس به، ومن يريد الإنتحار سياسياً من القيادات الحكومية أو البرلمانية الإسرائيلية فليدعو إلى وقف الإستيطان أو حتى تجميده، ليجد نفسه على أبعد تقدير بعد أسبوع أو شهر خارج الحكومة والبرلمان، فعدا أن الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين جاءت على أساس الإستيطان وطرد شعبنا الفلسطيني وإحلال المستوطنين مكانهم، فإن "إسرائيل" في الوقت الذي تمارس عليها أية ضغوط لكي تخوض مفاوضات مع أطراف عربية أو فلسطينية تبقى ممسكة بثوابتها ولا تقدم أي تنازل قيد أنمله يمس بثوابتها واستراتيجياتها، بعكسنا تماماً نحن العرب والفلسطينيون لا نمسك بأي ثابت ولا يوجد لدينا لا تكتيك ولا استراتيجيات، فقط  نتعاطى مع الأمور وفق ردات الفعل ورؤية واستراتيجية القائد والزعيم، لأن معظم إن لم يكن جميع مؤسسات التشريعية والقيادية ديكورية أو هي مؤسسات لحين الطلب، وتقول بما يقوله الزعيم الملهم القائد الذي لا ينطق عن الهوى، فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما عقد مؤتمر مدريد في تشرين ثاني 1991، وطرح رئيس حكومة دولة الإحتلال آنذاك شامير موقفاً وخياراً واضحاً بأن "إسرائيل" مستعدة لمفاوضة العرب والفلسطينيين عشرين عاما أو حتى مئة عام دون أن تعطيهم شيئاً، وعلى هذا النهج والخيار صارت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من يسارها ليمينها، ولم تطرح أي حكومة اسرائيلية أي موافقة على قرارات الشرعية الدولية تصل حد الإعتراف بالحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار الأممي 194، حتى اتفاق "أوسلو" الانتقالي الذي قسّم الأرض والشعب الفلسطيني، وشكّل النصر الثاني لدولة الإحتلال بعد النكبة بلغة ثعلب السياسية الإسرائيلية "بيرس"، لم تلتزم به "إسرائيل" وعندما جاء نتنياهو للحكم، فاوض الفلسطينيين على المفاوض عليه اتفاق الخليل وفتحه مجدداً.

ومن بعد ذلك كان الإعتراف المتبادل بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني في جلسة "فزعة" دعي لها المجلس الوطني بعد تعطيل دام سنوات، و"إسرائيل" لم تنفذ من هذا الإتفاق شيئاً، وأمام هذا "التغول" والتوحش" والعنجهية الإسرائيلية في ظل ميزان قوى مختلة لصالح دولة الإحتلال، وحالة عجز وانهيار عربي، أصبحت عاجزة تطبل للهزيمة على أنها نصر "مبجل"، جرى استدخال مفاهيم وقيم الهزائم والتنظير لها، لكي يغدو حال العرب الإستجداء على أبواب المؤسسات الدولية والبيت الأبيض، وحتى يستر العرب عوراتهم ويحفظوا ماء وجوههم امام شعوبهم المقهورة والتي يتعاملون معها كقطعان أغنام، كانت مبادرة السلام العربية التي طرحت في قمة بيروت عام 2002، تلك المبادرة التي رفضتها "إسرائيل" وردت عليها بإجتياح الضفة الغربية ومحاصرة الرئيس الشهيد أبا عمار في المقاطعة برام الله، ومنذ ذلك التاريخ لا يملك العرب سوى الإستجداء والإبتهال إلى الله أن تستر "إسرائيل" وجوههم وتقبل تلك المبادرة، ولكن "إسرائيل" لمعرفتها بهم، بخستهم ونذالتهم، كانت ترفض مبادرتهم وتركلها ركلاً، وهم يقومون بترحيلها من قمة إلى أخرى ويهبطون بسقفها حتى تقبل بها "إسرائيل" ولكن دون جدوى، فهم أسقطوا كل الخيارات وفي المقدمة منها خيار المقاومة وحتى استخدام القوة الإقتصادية والمالية ونقاط القوة العربية في الضغط على "إسرائيل" وداعيميها من الأمريكان والغرب الإستعماري، أسقطوها من خياراتهم وحساباتهم.

هذا الضعف عكس حاله ضعفاً على الساحة الفلسطينية، فعدا عن ضعفها إنقسمت على نفسها، واستمرت بتجريب المجرب،خيار المفاوضات مع "إسرائيل" عشرين عاماً بكل أشكالها والنتيجة المزيد من ضياع الأرض والحقوق، وتكريس للمشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية عبر "تسونامي" إستيطاني غير مسبوق.

السلطة الفلسطينية والعرب لم تعد لديهم أية خيارات أو رؤى واستراتيجيات يعملون وفقها أو على تطبيقها وترجمتها إلى فعل على أرض الواقع، بل يتخذون القرار وسرعان ما يتخلون عنه أدخلهم كيري بعد كل الفشل للخيار التفاوضي في مفاوضات ماراثونية لمدة تسعة شهور، وكان الفشل مدوي والبديل مواصلة التفاوض، والتهديد بعدم الإلزام بالإتفاقيات ومراجعة العلاقة الأمنية والإقتصادية والسياسية مع دولة الإحتلال، ولكن بقيت تلك التهديدات حبر على ورق، ومجرد قنبلة دخانية.

أما العرب وبعد ما يسمى بـ"الثورات العربية" ودخولهم في حروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية، فلم تعد لا القضية الفلسطينية ولا القدس بوصلتهم او قضيتهم المركزية، بل في ظل خوف على عروشهم وكراسيهم وانشغالهم في همومهم القطرية والذاتية، وصلت بهم الأمور الى حد حرف الصراع عن قواعده وأسسه من صراع عربي – إسرائيلي إلى صراع عربي- إيراني، وذهبوا أبعد من ذلك حيث العديد من الدول العربية أخرجت علاقاتها السرية مع "إسرائيل" من السر إلى العلن، وأخذت تتعاون وتنسق مع دولة الإحتلال عسكرياًً وأمنياً وسياسياً، ولتصل الأمور إلى حد موافقتها على تعديل مبادرة السلام العربية، بحيث لا تشترط عودة الجولان السوري المحتل ولا حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولكن رغم كل ذلك يعلن نتنياهو رفضه لها، ويقول بأن المبادرة العربية للسلام يجب أن تقوم على التطبيع مقابل السلام.

لم يقف الإستجداء والإنهيار العربي والفلسطيني عند هذا الحد، حيث صوتت أربع دول عربية وتركيا الإسلامية حامية حمى "غزة والقدس" في الأمم المتحدة إلى جانب المتطرف الإسرائيلي "داني دنون" لترأس اللجنة القانونية في الأمم المتحدة المعنية بالتشريع للقانون الدولي ومكافحة الإرهاب وطرق وسبل التصدي له.

وبالمقابل فلسطينياً وجدنا بأن عضو لجنة تنفيذية وأمين عام فصيل فلسطيني وإن كان حجمه ميكروسكوبي يتوجه بدون علم أو موافقة اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى مؤتمر "هرتسيليا" الذي يرسم إستراتيجيات لدولة الإحتلال حول سبل حمايتها والدفاع عنها في ظل شرق أوسط مضطرب، حالة غير مسبوقة ضحية تذهب إلى عقر دار محتلها الذي يشن حرباً شاملة على شعبها، ويصدر المزيد من القوانين العنصرية التي تصف نضال شعبنا بالإرهاب، ولكي يقول لنا بأن هذا المؤتمر ساحة إشتباك سياسي..؟ ومن يرى غير ذلك فهو مصاب بـ"الحول" السياسي، أي هراء وإنهيار هذا، لكي نصل حد الإنبطاح والإستجداء؟!

حتى يكون لنا خطوط حمراء فلسطينياً وعربياً يجب أن نعيد الإعتبار لذاتنا، وأن نغادر عقدة "الإرتعاش" السياسي المستديمة في التعامل مع أعداءنا، ويجب علينا أن نعمل على تعديل ميزان القوى مع عدونا ومروحة داعيميه إقليمياً ودولياً، وان نستخدم كل مقومات وعوامل قوتنا في معركتنا والدفاع عن حقوقنا ومصالحنا، وأن نعيد الإعتبار إلى مؤسساتنا التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأن لا نبقى أسرى لخيار التفاوض والتنازلات المجانية، وأن نعيد الإعتبار للخيارات الأخرى من مقاومة وعقوبات اقتصادية وغيرها، وأن نشيع الديمقراطية والتعددية والفكرية والسياسية، ونطلق الحريات العامة والشخصية، وأن نفسح المجال للمشاركة في السلطة والقرار لأوسع طيف ومركبات وبالذات الشباب.

إن استمرار "اندلاقنا" واستجداءنا لأعداءنا لن يقودنا سوى الى المزيد من الضياع "والتوهان" وفقدان البوصلة وضياع الحقوق والأوطان، هي لحظة فارقة علينا ان نلتقط ما يجري عندنا وحولنا، لكي نوظف ذلك لخدمة قضيتنا ومشروعنا الوطني ولمصلحة أمتنا وشعوبنا العربية، وإلا سنجد أنفسنا أمام دويلات وكيانات اجتماعية هشة تقودها وتديرها "إسرائيل".