عباس الجمعة في ضوء جنوح "المجتمع الإسرائيلي" بغالبيته إلى التطرف والعداء للشعب الفلسطيني، بعد توقيع بنيامين نتنياهو مع افيغدور ليبرمان على اتفاق دخوله في حكومة ائتلافية يمينية جديدة، يؤكد هذا الاتفاق على خيارات الكيان العدائية ضد الشعب الفلسطيني،
حيث اصبح واضحا ان سياسة حكومة نتنياهو العنصرية والمتطرفة وتصريحات وزرائها تشجع المتطرفين والإرهابيين على مواصلة ارتكاب جرائم تدفيع الثمن والكراهية ضد الفلسطينيين، وخاصة ان جرائم مشابهة ارتكبت سابقاً لكن مرّت دون محاسبة الجناة، خاصة ان ردود الفعل الدولية لم تكن بمستوى الجرائم التي ترتكبها حكومة العدو الصهيوني بحق الشجر والحجر والبشر، حيث لم تتعدى بيانات التنديد ولم ترقى لمستوى المحاسبة، وتتعامل مع حكومة الإحتلال بحصانة، مع العلم بأن سياسة الكيان العنصري واضحة للعالم وتوفر له الغطاء القانوني الإدارة الأمريكية.
وأمام التطورات الجارية راهناً، ومن أجل مجابهة تشكيل هذا الائتلاف المعادي والمتطرف ومفاعيله الخطيرة على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل الشعب الفلسطيني، في ظل هذه الحالة الانقسام الكارثي التي تطل فيها عوامل اليأس والقلق والخوف والانحطاط بديلاً للآمال الكبرى في التحرير والعودة والحرية والاستقلال وسيادة القانون والديمقراطية، الأمر الذي يدفعنا لنطالب جميع القوى والفعاليات بأن تقوم بدورها المطلوب في اللحظة المصيرية من أجل الضغط لانهاء الانقسام والحفاظ على مستقبل المشروع الوطني أو النظام السياسي والدولة المستقلة، لأن ما نراه اليوم من تصريحات تسيئ لنضال وقيادات وشهداء الشعب الفلسطيني من قبل بعض أصحاب الأجندات الخارجية، يؤدي حتماً إلى مظاهر التفكك والانهيار السياسي والاجتماعي، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الراهنة وصولاً إلى مأزق مسدود، إذا لم يتم تدارك هذه الحالة المأزومة وإخضاعها لشروط ومقومات الوعي لعملية الوعي الديمقراطي، لأن البعض في إطار إنشداده لأصوليته ومنطلقاته الدينية يسعى إلى الفرز، بدلاً من مواجهة المخاطر التي يتعرض لها المشروع الوطني التحرري، وهذا يستدعي الإسراع في ترتيب البيت الفلسطيني والإسهام في صياغة أسس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أرضية شراكة وطنية حقيقية انطلاقاً من أنها الإطار الجامع لكل أبناء شعبنا في الوطن والشتات، علاوة على أنها الضمانة الوحيدة على قاعدة برنامج الإجماع الوطني، لسيرورة النضال الوطني الفلسطيني باتجاه تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
وفي ظل هذه الظروف نرى أن قيام هذا الائتلاف الحكومي الصهيوني العنصري سيشكل مزيداً من النهج العدواني ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، وهذا يتطلب الصمود وتعزيز الوحدة الوطنية ولو على الحد الأدنى، وأن نعود إلى قاعدة أن هناك تناقضاَ تناحرياً أساسياً وأولياً مع العدو الإسرائيلي، ولا يجوز أن نمارس أي شكل من أشكال التناقضات بيننا، فلنمارسها عبر العلاقات السياسية والاختلاف السياسي القادر على امتصاص كل وجهات النظر، وأن يعطي كل فريق فرصة في أن يعبّر عن نفسه وبرنامجه، حتى نتمكن من مواجهة المخاطر ونعطي الشعب الفلسطيني قليلاًً من الأمل في المستقبل.
وهنا يجدر التشديد على أننا أمام تعديل جوهري يستهدف، بمعزل عن صيغته، الشعب الفلسطيني قضية ووجوداً ورواية وحقوقاً وطنية وتاريخية، حتى وإن تعلق في جانب من جوانبه بخلافات قديمة جديدة بين أجنحة الحركة الصهيونية وأحزابها المختلفة حول سؤال أيهما أولاً، أو أيهما الطاغي، "يهودية إسرائيل" أم "ديمقراطية إسرائيل"، كسؤال لا معنى له في واقع "دولة" احتلال استيطاني إقصائي إحلالي ارتكب لتأسيسها ثم لتوسُّعِها أبشع أشكال التطهير العرقي المُخطط وجرائم الحرب الموصوفة والإبادة الجماعية الممنهجة.
إن دخول ليبرمان سيشكل غطاءً قانونياً للتمييز العنصري الواقعي متعدد الأشكال الذي يُرتكب بحق فلسطينيي 48، بل ويفتح باب طردهم وتهجيرهم قسراً بأشكال وطرائق وإجراءات شتى، منها سحب "المواطنة" بذريعة المس بـ"أمن إسرائيل" كما توعد نتنياهو مؤخراً، وتحويل صيغة "تبادل الأراضي" إلى "تبادل سكاني" كما يدعو منذ سنوات الفاشي ليبرمان الذي لا يعلن سوى ما تبطنه أغلبية مكونات الائتلاف الصهيوني الحاكم بقيادة نتنياهو. هنا يتضح أن قوننة "إسرائيل دولة الشعب اليهودي" تستهدف هوية فلسطينيي 48 ووجودهم، بتعبيراتهم الفكرية والسياسية الوطنية، وامتداداً لقانون "توحيد القدس"، 1980، ارتباطاً بإجماع الأحزاب الصهيونية الأساسية على اعتبار "القدس الموحدة" "عاصمة إسرائيل الأبدية"، وصولاً إلى قانون الإعدامات بحق الأسرى، إضافة إلى التهديدات بضرب غزة ودول عربية شقيقة، لهذا يجب إعادة النظر بكل الاتفاقات التي وقعت مع الاحتلال، قالشعب الفلسطيني الذي ناضل منذ أكثر من مائة عام ما زال على استعداد للنضال ومواصلة مسيرته الكفاحية بانتفاضته ومقاومته وبسواعده على مواجهة الاحتلال مهما صعبت والارتقاء بشهدائه نحو النصر الأكيد.
ومن هنا نرى أن هناك مسافة كبيرة باتجاه الوحدة الوطنية، لكن مهما كانت المسافات فإن الوعي الوطني وبالمصالح الوطنية لشعب فلسطين وأهدافه الوطنية والانتماء لقضية هذا الشعب كفيل أن يغلق الفجوة بين المسافة وبين الواقع المطلوب باتجاه الوحدة الوطنية، والتعددية والديمقراطية الداخلية الفلسطينية والاختلاف الديمقراطي والسياسي والتعارضات السياسية، وليست التناقضات التناحرية هي أيضاً كفيلة دائماً بتقريب المسافات، المهم أن نعي كيف نتمسك ونؤكد على الوعي الوطني لحساب القضايا الوطنية وثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه ومستقبله الوطني، لهذا فإن تكريس الانقسام لن يكون إلا لحساب العدو الإسرائيلي والأمريكي الذي يسعى إلى فرض المزيد من الوقائع على الأرض، لهذا على الجميع أخذ العبرة والدروس لتجاوز كل التناقضات الداخلية على قاعدة الحد الأدنى من الاتفاق لمجابهة كل هذه المخططات العدوانية الإسرائيلية في هذه اللحظة واللحظات القادمة.
لذلك علينا باقرار الحقيقة أن النظام العربي في معظمه بات فاقداً ليس فقط لوعيه القومي، وإنما وعيه الوطني، وفقد المعطيات الضرورية للتعاطي مع أمنه القومي بصورة صحيحة تتناسب وتتفاعل مع المصالح الوطنية للشعوب العربية، لذلك واقع الحال الآن أن النظام العربي في معظمه هو نظام تابع ومحكوم ومرتهن للسياسيات الأمريكية والاستعمارية في المنطقة، وما يجرى في المنطقة من هجمة تستهدف شعوب المنطقة ودولها وجيوشها من القوى الإمبريالية والصهيونية والتي تدعم القوى الإرهابية هو بهدف تمزيق وتقسيم المنطقة إلى كانتونات طائفية ومذهبية وإثنية أي سايكس بيكو جديد، حيث زدات طبيعة بعض الأنظمة الارتهان للمشاريع والسياسات الأمريكية- الإسرائيلية بعيداً عن القضية الفلسطينية وجوهرها، وبما يخدم السياسات الأمريكية والاستعمارية، ويحقق الأهداف الصهيونية والأمريكية، حيث يبتعد بعض الحكام العرب عن متطلبات القضية الفلسطينية والدعم القومي العربي للقضية وللشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، فهذا النظام العربي الرسمي لا يمكن أن ينتج إلا مزيداً من المخاطر على القضية الفلسطينية، إلا أن إرادة المقاومة العربية وصمودها واستنهاض القوى التقدمية والقومية العربية وتعزيز وحدة الصف الفلسطيني سيشكل بكل تأكيد رداً حازماً على هذه الهجمة والمشاريع التي ستبوء بالفشل.
وها هو الشعب اللبناني الشقيق يحتفل بالذكرى السادسة عشرة لانتصار المقاومة البطلة على العدو الصهيوني وعملائه في العام 2000 وتحرير معظم الأراضي اللبنانية من دون المساس بسيادة لبنان، ومن دون الخضوع لمتطلبات العدو الأمريكي الإسرائيلي في معاهدات قهرية، وها هو الشعب الفلسطيني الذي وقف ودعم المقاومة في لبنان، يستمر بنضاله رغم آلامه ودمائه ممتشقاً إرادته، ومتمسكاً بجذور أرضه ومحتضناً دم شبابه لتحرير أرضه، وليكتب بدماء الشهداء نصراً على فاشية وعنصرية وإرهاب العدو نحو النصر الحتمي، ما يدفع إلى الحديث ليس ذكرى يوم التحرير في جنوب لبنان، بل إن هذا الانتصار اتخذ أبعاداً واتجاهات بدت أكثر تحديداً لملامح مسيرة النضال والمقاومة وهويتها، حيث تثيت اليوم بعد وصول ليبرمان الى حكومة نتيناهو الارهابية الأكثر وضوحاً هو طبيعة المعركة ومحددات المواجهة، بكل ما يترتب على ذلك كل أشكال المواجهة، وهذا يستدعي التأسيس لثقافة المقاومة بكافة أشكالها، وزرع الثقة بإمكانية تحقيق انجازات مهمة، لأن المقاومة تعيد تصويب الأمور، وترسم خطاً بيانياً متصاعداً من الدلائل والمؤشرات والقرائن على أن المعركة لا تحسمها المقولات، ولا تحددها الآليات المسبقة، بقدر ما هي نتاج إرادة تعززت، وارتسمت إحداثياته في مواجهة مصيرية لا تقبل أنصاف الحلول، ولا ترتضي أن تكون مجتزأة، في ظل المشهد الإقليمي والدولي، وأمام صراع تبدو فيه المحددات أكثر وضوحاً من سابقاتها، في وقت لا تخفي فيه عوامل التأزّم حضورها في سياقات مختلفة، تشهد على سخونة المواجهة مع الاحتلال.
لذلك نرى أن المقاومة هنا ليست خياراً فحسب، بل هي قدَر أرادت شعوب المنطقة بكامل إرادتها أن تعبّر عن ذاتها وتطلعاتها من خلاله وعبره، وهو مسألة تجاوزت فيها حدود المقارنة أو الموازنة بين الممكن والمتاح إلى سقف الحسم في مسائل الوجود والمصير، ومن خلال إرادة الشعب الفلسطيني العظيم وتمسكه بخيار المقاومة بكافة اشكالها هذا الخيار سيشكل مقدمة لتحرير الأرض والإنسان مع ما تقتضيه متغيّرات طبيعة المعركة على كافة المستويات للخلاص من الاحتلال وهزيمة مشروعة، وهذه هي البوصلة الفعلية للقادم من الأيام، حتى لو اعترضتها بعض العقبات هنا، أو واجهتها بعض التحديات الآنية هناك.
لهذا يجب أن تسعى جميع الفصائل والقوى الفلسطينية إلى تعزيز وحماية الانتفاضة الباسلة على أرض فلسطين وتحصين المقاومة الشعبية بكافة أشكالها وتعزيز الصمود الفلسطيني التي يعبر عن الإرادة السياسية الفلسطينية والإرادة المناضلة للشعب الفلسطيني بمواجهة العدو الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه وبرنامج التحالف الصهيوني، وعدم الحديث عن التفاوض من أجل "السلام" وفق الشروط الإسرائيلية الأمريكية، وإعادة ربط القضية الفلسطينية بالمشروع القومي العربي، من أجل استعادة روح النضال الفلسطيني من أجل استرداد الحقوق الوطنية المشروعة على أرض فلسطين.
ختاماً: لا بد من استنهاض كافة القوى والفصائل وخروجها من أزماتها صوب استعادة دورها في النضال السياسي والكفاحي من أجل توفير كل أسس الصمود والمقاومة في فلسطين بمواجهة الاحتلال الصهيوني وإعادة ملف القضية الفلسطينية إلى هيئة الأمم المتحدة ودعوتها لعقد مؤتمر دولي لتنفيذ قراراتها ذات الصلة بالصراع لا التفاوض عليها، وأولها قرار 194 القاضي بحق اللاجئين في التعويض والعودة إلى ديارهم، كمهمة إستراتيجية على طريق النضال من أجل تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة.