Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الناقد العربي الشجاع... شرف الدين ماجدولين

الناقد العربي الشجاع...  شرف الدين ماجدولين

  النقد الذاتي كتاب للمرحوم “علال الفاسي”، المفكر والمناضل المغربي المعروف، كتاب يرسم خارطة طريق لما بعد استقلال المغرب من الاستعمار الفرنسي، وبات من أهم المرجعيات في فهم المجتمع المغربي، لا محيد لأي مؤرخ للفكر السياسي المغربي عن قراءته،

ولا لسياسي يزعم لنفسه النضج والقدرة على فهم المجتمع المغربي بالغ التعقيد، عن العودة لمباحثه وأسئلته، لكن العنوان ذاته بات مضموناً لسلوك يساري أساسي في الانضباط لمبادئ النضال السليم.

والشيء الأكيد أن المعنى الأخير، فيه من التخييل والقدرة على تصور ذات الـ“آخر”؛ كان مطروحاً في الطريق قدر كبير منه، كانت تلك الجملة مشهورة في اجتماعات المسؤولية الحالمة، حين يجترئ مناضل سلوكاً تحريفياً، أن يطلب منه تقديم “نقد ذاتي”… كنت دوما أتصوّر أن الشخص المعني يجب أن يقف ويشتم نفسه بصوت جهوري وبكلمات لا تخدش الحياء، بما مفاده أنه أساء ليس إلى نفسه فحسب، وإنما للمجتمع وللتاريخ وللمستقبل… لم يكن يخطر حتى لأكثرنا إدماناً على أفلام الخيال العلمي، من المناضلين والكتاب الواعدين، أن ثمة شيئاً مستقبلياً مدهشاً، من بدع الألفية الجديدة التي أبّنت جدار برلين، ستنطبق عليه تسمية النقد الذاتي.

ومفاد ذلك عزيزي القارئ، أنه بيننا اليوم، كتاب مبتلون بشيء اسمه نقد لنصوص حضراتهم الشخصية، لست متأكداً إن كانوا قد اطلعوا على كتاب “علال الفاسي” أو كانوا شيوعيين سابقين، الشيء الأكيد لديّ أنهم كتبوا نصوصاً نقدية عن متاعهم الشخصي جداً.. لم أصدق عينيّ وأنا أطالع مقالة أحدهم، وهو يضع عنواناً عريضاً عن ظاهرة أدبية ويتخذ عمله الخاص مثالاً، ويتحدث عنه بصيغة الغائب، تصورت حينها، وأنا المولع بمقولات البلاغة العربية، أن المقال إياه هو صيغة مثالية لتدريس مقولة “الالتفات”، وهي الصيغة البيانية المهملة وغير الحداثية اليوم، فأن أتحدث عن نفسي ثم أتحول إلى الكلام مع مخاطب ثم مع غائب وفي الحالات جميعاً الكلام متعلق بذات واحدة، هو أسلوب بلاغي،… ذات واحدة تؤثث نصاً فسيحاً بكل الضمائر، هو مما يجعل “العربية” لغة ليست كاللغات، من هنا أفهم لماذا أطلق “ابن جني” على صيغة “الالتفات” مصطلح “شجاعة العربية”.

الناقد العربي شجاع، لا يوجد ناقد في العالم يستطيع الكتابة عن نفسه دون وجل من الفضيحة إلا العربي، بطبيعة الحال من المبتذل هنا أن أدلي بأمثلة عن “النقد الذاتي”، لكني أحتفظ لنفسي بحق الكشف عن شيء اسمه ظاهرة القصة القصيرة جداً، أو ما يحلو لمبدعيها اختصاره بشكل مبتذل في “ق.ق.ج”، قد يكون مقبولاً أن نهضم بعسر كلاماً مختصراً دون معنى من هذا النوع، إنما من الصعب ومن المورث للعاهات الروحية قبول نقود ذاتية عن النوع عينه، بحجة أن النقد الأدبي لم يقبل الظاهرة.