لاول مرة منذ نكبة فلسطين يزور أمين عام للأمم المتحدة أحد مخيمات النزوح الفلسطيني، وبادرة ملفتة للنظر توقفت عندها كل الأوساط اللبنانية والفلسطينية هي أن يتجرأ الأمين العام الحالي بان كي مون في زيارة مخيم نهر البارد.
برأي مصدر سياسي شمالي أن وصف زيارة بان كي مون إلى نهر البارد بالجريئة تعود لسببين:
- السبب الأول، أن الزيارة تحصل في ظروف سياسية وأمنية حرجة وذات حساسية مرتفعة سواء على الساحة اللبنانية أو في محيط لبنان المشتعل، لا سيما في ظل ما يتداول في المحافل الدولية من أفكار ومشاريع ترسم للمنطقة وتتعلق بقضية اللجوء الفلسطيني وما يجري من تقليص في خدمات الأونروا لفرض إلغاء حق العودة وصولاً إلى فرض التوطين.
- السبب الثاني، جرأة بان كي مون في مواجهة النازحين الفلسطينيين والاستماع لمعاناتهم ومآسيهم المتواصلة منذ نكبة 1948 مروراً بالنكبة الثانية عام 2007 التي دمرت مخيم نهر البارد وشردت آلاف العائلات التي لا تزال تنتظر تنفيذ الوعود التي ظهرت أنها وهمية أو باباً من أبواب الفساد والسرقة والنهب...
فوسط إجراءات أمنية مشددة يصل صباح اليوم إلى مخيم نهر البارد الأمين العام للأمم المتحدة في زيارة وصفت قبل حصولها بأنها زيارة خاطفة حيث حددت بعشرين دقيقة فقط يمضيها بان كي مون داخل المخيم حيث يجتاز موكبه الشارع الرئيسي وصولاً إلى مدرسة عمقا التي سيصعد إلى سطحها ليلقي منها نظرة على جناحي المخيم القديم والحديث وليطلع على ورش الإعمار التي لم تتجاوز نسبة الإنجاز فيها الأربعين بالمئة ومن ثم يلتقي عند مدخل المدرسة بعائلتين هما عائلة رامز الخطيب نموذجاً للعائلات التي استلمت منازلها وعائلة عاطف أبو أسعد نموذجاً للعائلات المشردة والتي لم تستلم منازلها حتى اليوم، ولدى هذه العائلات الكثير من المعاناة والشكاوى التي تتجاهلها الأونروا، بل وتمعن في المزيد من تقليص الخدمات التي تتسبب في رفع منسوب المآسي والكوارث الاجتماعية والإنسانية في مخيم نهر البارد الذي بات عنواناً للنكبتين...
واللافت أنه جرى تحديد مدة المقابلة للعائلتين مع بان كي مون بدقيقة ونصف لكل عائلة أي ثلاث دقائق لهما... فماذا تستطيع العائلتان قوله في الدقائق الثلاث التي يجب عليهما تلخيص معاناة تسع سنوات من القهر بثلاث دقائق بل إيجاز مأسي 68 سنة من القهر والمعاناة بهذه الدقائق الثلاث... حتى أن امرأة فلسطينية شاءت أن تلتقي بان كي مون فقط لتوجه رسالة عبره إلى الرئيس فؤاد السنيورة الذي أطلق شعاراً ذهب مع الرياح حيث قال حينها: «خروج مؤقت، رجوع مؤكد، إعمار حتمي». فإذا بالمؤقت تجاوز التسع سنوات والرجوع مشكوك به والإعمار باب للهدر والفساد.
فالذين عادوا إلى المخيم بلغ عددهم 5400 عائلة توزعوا على «براكسات» سيئة البيئة صيفاً شتاءً وعلى منازل رممت، بينما لا تزال 1880 عائلة مشردة.
ويوضح مسؤول جبهة النضال الشعبي في الشمال أبو جورج أن في المخيم 2000 عائلة لم تتلق أية تعويضات أو مساعدات منذ 2007 وإلى اليوم بالرغم من رصد مبلغ 122 مليون دولار في مؤتمر فيينا خصّص لإعمار نهر البارد ولم يصل منها شيئ.
ويلفت أبو جورج النظر إلى خطورة تقليص خدمات الأونروا الطبية والإنسانية والاجتماعية حتى أجور السكن تقلصت إلى مئة دولار فهل هناك منزل يؤجر بمئة دولار؟
وحسب البيان الذي أصدرته قيادة الفصائل الفلسطينية واللجان والحراكات الشعبية وهيئات المجتمع الأهلي إثر الاجتماع الاستثنائي في مخيم نهر البارد بحضور قيادة الأزمة المركزية أن المجتمعين رحبوا بالزيارة لما تحمله من أهمية لخصوصية معاناة أهالي نهر البارد وضرورة إيصال صوت اللاجئين الفلسطينيين بالمطالبة بحق العودة وتقديم الخدمات من الأونروا والعودة إلى خطة الطوارئ ودعم مشروع إعمار البارد. وجرى التأكيد على تمسك جميع الفلسطينيين بحق العودة وإنهاء الاحتلال وإلى حين تحقيق العودة يجب أن يعيش الفلسطيني بكرامة بتوفير كافة الخدمات من المنظمة العالمية التي تأسست عقب نكبة 48 لإغاثة اللاجئين ومع التأكيد أيضاً على الصمود في وجه ما يحاك لهم من تهجير وتوطين.