قال الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي الدكتور رمضان عبدالله إن الانتفاضة تقول للعالم إنها فلسطين والقدس وإنها القضية الأساس مؤكدا أن أي رهان على وقف الانتفاضة أو كسرها تجاوزه الزمن.
وفي كلمة خلال مؤتمر نصرة الأقصى في قطاع غزة عبر الفيديوكونفرنس، شدد الدكتور رمضان عبدالله علـى أن جيل الانتفاضة من الشباب هو جيل يسير على خطى الرسول صلـى الله عليه وسلـم.
وأكد الدكتور رمضان عبدالله أن الكيان الإسرائيلي لم يستطع بناء دولته وإلغاء الشعب الفلسطيني وإيقاع الهزائم به، موضحا أن الاحتلال قد يفتح سفارة أو قنصلية وقد يوقـع سلاما مع أنظمة إقليمية لكنه لن ينال شرعية في المنطقـة.
كما قال الدكتور رمضان عبدالله إن المطلوب من السلطة الفلسطينية وحركة فتح إعلان انحيازها الواضح إلى الانتفاضة ووقف التنسيق الامني مع الاحتلال وإعلان فشل خيار التسوية وصياغة استراتيجية جديدة مع كل القوى والفصائل تعتمد المقاومة بكل أشكالها وفي مقدمتها المقاومة المسلحة لتحرير الأرض.
ودعا الدكتور رمضان عبدالله الفصائل الفلسطينية إلى الترفع عن أي مصالح حزبية أوتجاذبات داخلية وإلى العمل بجهد لإنهاء الانقسام وإيجاد توافق ينهي حصار قطاع غزة ويفتح المعابر بالتنسيق مع السلطات المصرية بدلا من تحول القطاع إلى قبر مفتوح.
وحذر الدكتور رمضان عبدالله من الخطر المحدق بالدين الاسلامي جراء الفظائع التي الصقت به ولأن الكيان الاسرائيلي لم يعد العدو الواحد بل جرى اختراع أعداء من داخل امتنا بما أفقد البعض البوصلة.
وأكد الدكتور رمضان عبدالله أن لا عروبة من دون فلسطين، ولا فلسطين من دون القدس، ولا قدس من دون مسجدها المبارك.
أما رسالة الانتفاضة للعالمين العربي والإسلامي، يقول الدكتور رمضان عبدالله إنـها ليست طرفـا في لعبة الأمم والتحالفات الإقليمية وإن الموقف يجب أن يكون موحدا تجاه عدم زج فلسطين وقضيتها في أي محاور تجبرها على دفع فواتير هي في غنى عنها.
وفي ما يلي النص الحرفي لكلمة الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِ الخَلقِ والمُرسلينَ، سيِّدِنا مُحمّدٍ وعلى آلِه وصَحبِهِ أجمعين، ومَنْ سَارَ على هَدْيِهِ بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
الأخوةُ والأخواتُ الكرام
السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد..
اسمحُوا لي بدايةً أنْ أتوجّهَ، مِنْ خِلالِكم وعَبْرَ لقائِكُمْ هذا، بأطيبِ تَحيّةٍ إلى شبابِ الانتفاضةِ الباسلةِ، وإلى كُلِّ أَهلِنا وجَماهيرِ شَعبِنا في القدسِ وفي خليلِ الرحمنِ وكلِّ الضفّةِ المحتلةِ، وفي الوطنِ السليبِ في مناطقِ الثمانيةِ والأربعين، وفي القِطاعِ الصامدِ الصابرِ المُحاصَر، وفي المَنافي والشّتات.. وأُحيّي جماهيرَ أمتِنا العَربيّةِ والإسلاميّةِ في كُلِّ مكان.
كمَا أُحيّي اجتماعَكم وجُهودَكم المُباركةَ وأَنتُم تُطلِقونَ في مُلتقاكُم هذا "مُلتقى دُعاةِ فِلسطين" صَرخة «اُنصرُوا مَسرى رَسولِ اللهِ» صلّى اللهُ عليه وسَلّم، في ذِكرى مِيلادِه الشّريف، الذي يَحتفي بهِ المُسلمونَ في مَشارقِ الأرضِ ومَغاربِها إجلالاً لِنبيِّهم عليهِ السّلام. وهي ذِكرى تَتزامنُ هذا العَامَ معَ ذِكرى مِيلادِ السيّدِ المَسيح، نَبّيِّ اللهِ عيسى عليه السّلام، في بيتَ لحم على أَرضِ فِلسطينَ المُباركة، فبِهاتَيْنِ المناسبَتيْنِ، أتوجّهُ بالتّهنئةِ إلى جَماهيرِ شَعبِنا الفِلسطينيّ، مُسلمينَ ومَسيحيِّين، وإلى كُلِّ العَربِ والمُسلمين، وسَائرِ المُؤمنينَ في أَنحاءِ العالم.
كَمْ نحنُ بحاجةٍ اليومَ لأنْ تَحضُرَ فِينا رُوحُ رُسولِ اللهِ، صلّى اللهُ عليه وسَلّم، بِسيرتِه العَطِرَة، وبسنّتِه الشريفة، ورسالتهِ الخَالدة، رسالةِ التوحيد، رسالةِ الرحمةِ والإنسانيّةِ (ومَا أَرسلناَك إلا رحمةً للعالمين)، رسالةِ الأخلاقِ العظيمةِ (وإنَّكَ لَعلى خُلقٍ عَظيم)، و(إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مَكارمَ الأخلاق)، رسالةِ خيرِ أُمّةٍ أُخرجتْ لِلنّاسِ كُلِّ الناسِ، والشاهدةِ على العالمِ كلِّ العالم..
كمْ نَحنُ بِحَاجةٍ إلى صَبْرِك وثَباتِك يا رَسولَ الله؛ لِنقوَى به على الصُّمودِ في وَجهِ الأعاصيرِ التي تعصِفُ بأُمّةِ الإسلام، وهي تَقفُ اليومَ في ذَيلِ الأُمم، بلْ إنَّها تَكادُ تَهوِي إلى القَاعِ الذي مَا بَعدَه قاع؛ حِينَ خَرجتْ مِنْ مَعيَّةِ رَسولِ الله في قولِه تعالى: «مُحمّدٌ رسول الله، والذين معَه أشداءُعلى الكُفار رحماءُ بينَهم». لقدْ قَلَبَ مَنْ يَنتسبونَ لِنبِّي الرّحمةِ الآيةَ، وأَصبحُوا «رُحماءَ على الكُفّار، أشدّاءَ بينهم»!
لقدْ حَلَّ الدّمارُ والخرابُ، وسَالَ الدّمُ شلالاتٍ، وانتشرَ الظّلمُ والعُدوانُ، وظَهَرَ الخَوفُ والرّعبُ دَاخلَ الأمّةِ الوَاحدةِ، وأَصبحتِ الأرضُ العربيةُ والإسلاميةُ ساحةً وملعباً لِلصِّراعِ على النّفوذِ والمَصالحِ الإقليميّةِ والدَّوْليَّة.. صَارتْ أَوطانُنا مَسرحاً لِلعبةِ الأمم، وصَارَ دِينُنا في خَطرٍ مِنْ شِدّةِ مَا أَلصقَ به مِنْ فظَائع، بلْ وَصلنَا إلى حَالٍ لمْ تَعدْ فيه إسرائيلُ هي العَدوّ.. أَصبحْنا نَخترعُ لِبَعضِنا البَعضِ أعداءَ مِنْ دَاخلِ أُمّتِنا، وصارَ البَعضُ يرى أنَّ قِتالَ الطّرفِ الآخر، مَهْمَا كانَ حَجْمُه وتَوصيفُه، أَوْلى وأَوْجبَ مِنْ قِتالِ الصّهاينةِ في فِلسطين!
وهذا هو فُقدانُ البوصلةِ وفُقدانِ الاتّجاه، بلْ هو التّيهُ والضَّياعُ بِعَينِه.
مِنْ هُنا، تأتي أَهميّةُ الانتفاضةِ في فِلسطين، انتفاضةِ القُدس، التي فَاجأتِ العَالم، وأَحرجتْ كَثيرين، وأَعادتِ الاعتبارَ لِفِلسطين، بَعْدَ أنْ أَدارَ الجَميعُ ظَهرَه لها أوْ كَاد. لَعلَّها تُسهمُ في تَصويبِ الاتّجاه، وإعادةِ القَاطرةِ إلى السِّكّةِ الصّحيحةِ باتّجاهِ فِلسطينَ والقُدس. الحديثُ عَنْ هذهِ الانتفاضةِ وهُمومِها وأَبعادِها ومُتطلباتِها كَثير، ولا يَتّسعُ له المُقامُ والوَقتُ المُخصّصُ لِلحَديث، لذا أَكتفي بالحَديثِ عَنْ بَعضِ الرّسائلِ التي تَحملُها الانتفاضة، والتي نُوجزُها في التّالي:
1- أولاً، رسالةُ الانتفاضةِ لِلعالمِ كُلِّهِ أنَّها تَقولُ أنَا فِلسطين، أنا القدس، غَيرُ قَابلةٍ لِلنّسيانِ أوِ التّجاهل.. انشغلُوا بأيِّ قَضيّةٍ، وبأيِّ مُشكلةٍ، فستَدورُ العَجَلةُ لِتَعودُوا إلى نُقطةِ الصِّفر، وتَكتشفُوا أنَّكم أَمامَ مُشكلةِ العَصر، مُشكلةِ فِلسطينَ ومَأساتِها ومِحْنتِها وقَضيّتِها.
2- الرسالةُ الثانيةُ هي أنَّ جيلَ الانتفاضةِ مِنَ الشّباب، هو جِيلُ أسامةَ بنِ زَيد الذي يُعيدُ إلى الأذهانِ صِلةَ الرُّسولِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ بفِلسطين، قِبلتِنا الأُولى ومَسرى ومِعراجِ نَبيّنِا إلى السماء. لقدْ كانَ الرّسولُ عليهِ السّلام يُردّدُ وَصيّتَه وهو على فِراشِ المَوت، «أنفذُوا بَعثَ أسامة»، لِقِتالِ الرُّومِ في فِلسطين؛ فنَفّذَ أبو بَكرٍ الصّديق رَضيَ اللهُ عنه، وَصيّةَ الرّسولِ صلّى اللهُ عليه وسَلّم، وأَطلقَ حَمْلةَ أسامةَ الذي قَادَ الجيش، ولمْ يَكنْ قدْ تَجاوزَ الثامنةَ عَشَرَةَ مِنْ عُمُرِه. وقدْ حَرِصَ رَسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ أنْ يُؤمِّر أسامةَ الذي كانَ وَالدُه زيدٌ أَحدَ القادةِ الشهداءِ في مَعركةِ مُؤتة، حتّى يُؤكّدَ على تَواصلِ الأجيال؛ استُشهدَ الأبُ فتَسلّمَ الابنُ الرايةَ قائداً لِجَيشٍ فيه كِبارُ الصّحَابة. فأنتم يا شبابَ فِلسطين، أنتم جيلُ أسامةَ وبعثُ أسامة، الذي لوْ تَخلّفَ عنْه كُلُّ العَربِ والمُسلمينَ فلنْ يَتخلّفَ عنْه شَعبُ فِلسطينَ وشبابُ فِلسطين.
3- الرسالةُ الثالثةُ للعالمِ العَربيِّ والإسلاميّ، وبالذاتِ لِتلكَ الدّولِ والحُكوماتِ التي تَركضُ باتجاهِ إسرائيلَ لِتَحمِيها في ظِلِّ الوَضعِ المُضطّربِ أوِ المُلتهبِ في المِنطقة.. رسالةُ الانتفاضةِ لِهؤلاء، إنَّ إسرائيلَ التي تَظنونَ أنَّها يُمكنُ أنْ تَحمِيَكُم لا تَستطيعُ أنْ تَحميَ نفسَها مِنْ سِكّينِ وأدواتِ المطبخِ التي يُدافعُ بها شَعبُ فِلسطينَ عَنْ نَفسِه بشبابِه وشابّاتِه في انتفاضةِ القدس. تَستطيعُ إسرائيلُ أنْ تُوقِّعَ سَلاماً معَ الأنظمةِ والحُكومات.. تَستطيعُ أنْ تَفتحَ سِفارةً أوْ قُنصليّة، أوْ أنْ تَرفعَ عَلماً في هذهِ العَاصمةِ أوْ تلك، لكنَّها لنْ تَنالَ شَرعيّةَ ووَضعيّةَ الوُجودِ الطّبيعيِّ في هذهِ المِنطقة. الآن وبَعْدَ سبعٍ وثلاثينَ سنةً على تَوقيعِ كامب ديفيد، مَازالَ الشّعبُ المِصْريُّ يَرفضُ التّطبيع، وكَذلكَ الشّعبُ الأردنيُّ بَعْدَ تَوقيعِ اتّفاقيّةِ وادي عربة. ستَظلُّ إسرائيلُ في نَظرِ شُعوبِ الأمّةِ كِيَاناً غَريـباً مَنبوذاً، إلى أنْ يَأذنَ اللهُ بِتَحريرِ فِلسطين.. لقدْ رزحَتِ القُدسُ وفِلسطينُ واحداً وتسعينَ سنةً قمريّةً أوْ ثمانيَ وثمانينَ سنةً شمسيّةً تَحتَ احتلالِ الفرنجةِ أوِ الصّليبيِّين، إلى أنْ حَرّرَها البَطلُ صَلاحُ الدّينِ الأيّوبي، ومَكَثَ الاستعمارُ الصّليبيُّ لِبلادِ الشّامِ مَا يَقرُبُ مِنْ مِئتَيْ سنةٍ ثمَّ اندحرُوا ولَفَظَتْهم المِنطقة.
إنَّنا هُنا لا نَهربُ إلى التاريخ، بلْ نَحنُ مُنغمسونَ في الوَاقعِ أَكثرَ مِنْ كَثيرِينَ مِنْ دُعاةِ الوَاقعيّةِ التي تَعني الاستسلام، لكنَّنا نرى الكِيَانَ على حَقيقتِه، بِكُلِّ عَواملِ القُوّةِ والإنجازاتِ التي حَقَّقَها وأَرعبتِ الجَميع، لكنَّها لمْ تُرعبْ مُهند حلبي ومُهنّد العقبي وضياء تلاحمة ولا الشهيدَ البَطل عيسى عساف ورفيقَه الشهيد عنّان أبو حبسة أمس، ولا كُلَّ شُهداءِ وشَهيداتِ الانتفاضةِ البَاسلة، بمُبادراتِهم الذّاتيّةِ التي تَجعلُ مِنَ الصَّعْبِ على العَدوِّ أنْ يَتنبّأَ بهم..
وهُنا، إخوتي وأخواتي الأعزاء.. اسمعُوني جيداً لِتَعلمُوا أنَّ المَشروعَ الصُّهيونيّ، بِرَغمِ كُلِّ نَجاحاتِهِ، قدْ مُنِيَ بالعَديدِ مِنَ الإخفاقاتِ التي لا يُريدُ أنْ يَراها البعض. لقدْ فَشلَ في حَلِّ المَسألةِ اليَهوديّة، فلمْ يَستطعْ أنْ يَجلبَ كُلَّ يَهودِ العَالمِ إلى فِلسطين، فقط نحوُ الثلثِ جَاءُوا، وعندَ أيِّ هَزّةٍ تَبدأُ الهِجرةُ المُعاكسة. لمْ يَستطعْ بناءَ دولةٍ يهوديةٍ عُظمى كما حَلُم؛ لمْ يَستطعْ أنْ يَرسمَ حُدوداً آمنةً حتّى اليوم، لمْ يَستطعْ إلغاءَ الشّعبِ الفِلسطينيِّ عَنْ خَريطةِ فِلسطين، بلْ إنَّ المِيزانَ الدّيموغرافيَّ قدْ وَصَلَ اليومَ إلى نُقطةِ التّساوي، إنْ لمْ يكُنْ قدْ تَجاوزَها لِصالحِنا. لمْ يَتمكنْ مِنْ تَطويعِ وكَسرِ إرادةِ الشّعبِ الفِلسطينيّ، لمْ يَعدْ يَنتصرُ في الحُروبِ ويُوقعُ بِنا الهَزائمَ كمَا في السابق، وحُروبُ غزَّةَ ولبنانَ تشهدُ على ذلك؛ لمْ يَستطعْ أنْ يُحقِّقَ السّلامَ لأنَّه لا يُؤمِنُ إلاّ بِسلامِ الهَيمنةِ والسّيطرةِ وفَرضِ الأمرِ الواقع؛ لمْ يَتخلصْ مِنَ النّزعةِ العُدوانيّةِ التي تَفتحُ مستقبلَهُ على مزيدٍ منَ الحُروب.. كثيرةٌ هي الشّواهدُ والدّلائلُ التي تُثبتُ لنَا كم يُعاني هذا الكِيَانُ مِنْ عَواملِ الضَّعف، التي تُؤكِّدُ أنَّه سيُواجهُ ذاتَ المَصيرِ الذي وَاجهتْهُ كُلُّ المَوجاتِ الاستعماريّةِ السابقةِ مِنَ الصّليبيِّينَ أوِ المَغُولِ والتّتارِ وغَيرِهم، طالَ الزمانُ أمْ قَصُر.
4- الرسالةُ الأهمُّ هي التي تُوجِّهُها الانتفاضةُ لِلسُّلطةِ الفِلسطينيّةِ ولِلإخوةِ في حَركةِ فتح. وقَبلَ أنْ أتحدّثَ عَنِ الرّسالةِ أَقولُ إنَّ هُناكَ نَفسْ في بَعضِ الأوساطِ الفِلسطينيّةِ لا يَتحمّلُ أَصحابُه أيَّ نقدٍ. بلْ إنَّ هذا النَفَسْ أصبح، لِلأسف، يُذكّرُنا بالأسلوبِ الصُّهيوني، إذا انتقدتَ إسرائيلَ في العَالمِ فأنتَ مُعادٍ لِلساميّة، وعندَنا، إذا انتقدتَ السّلطةَ أوْ مُنظمةَ التّحريرِ تُصبحُ في نظرِهِم مُعادياً للشعبِ الفِلسطينيِّ ولِفِلسطين! الرسالةُ لِقِيادةِ السُّلطةِ هي في صِيغةِ سؤالٍ: ماذا تَنتظرُ هذهِ القِيادة؟! وعلى ماذا تُراهن، وهي تقفُ موقفَ المُتفرِّجِ مِنْ شَعبِها الذي يُذبَح، وأَرضِها التي تُنهب، وقُدسِها التي تُهوَّد، وأقصاها الذي يَقتحمُه المُستوطنونَ كُلَّ يومٍ بِحِمايةِ جَيشِ الاحتلال، وقدْ عَقدُوا النيَّةَ والعَزمَ على تَقسيمِه، مُقدّمةً لِهَدْمِه وبناءِ الهيكلِ المزعومِ في أيِّ فُرصةٍ تُتاحُ لهم.. فماذا تَنتظرُ السُّلطة، نُريدُ أنْ نَفهم؟ هلْ تَنتظرُ تَنفيذَ حَلِّ الدَّوْلتيْن، والحُصولَ على دَولةٍ مُستقلةٍ كَاملةَ السِّيادةِ وعَاصمتِها القدس؟ إذا كان هذا رهانُها، فالإسرائيليُّ يَقولُها لنَا بِصَريحِ العِبارة، وبَعضُهم تَلفّظَ بها وقال: في المشمش!! إسرائيليونَ كُثُرٌ نَعَوْا حَلَّ الدَّوْلتيْنِ مُنذُ زمنْ، وكَلامُ كِيري الأخيرُ وتَحذيرُه إسرائيلَ مِنْ خِيَارِ الدّولةِ الوَاحدةِ والخَطرِ على الدّولةِ اليَهوديّة، كانَ نَعْياً أميركيّاً لِحَلِّ الدَّوْلتيْن.
أنَا هُنا أُؤكدُ هذا النّعيَ وأقول، إنَّ إسرائيلَ اليوم، وبِسببِ ظُروفِ المِنطقةِ المَفتوحةِ على المَجهول، ترى أنَّها ليستْ مُضطّرةً لِتقديمِ أيِّ تَنازلٍ امتَنعتْ عَنْ تَقديمِه خِلالَ أَكثرَ مِنْ اثنتيْنِ وعِشرينَ سنةً مِنْ عُمرِ أوسلو.. ما هي أوراقُ القُوّةِ التي تُراهنُ عليها السلطةُ والتي يُمكنُ أنْ تُجبرَ الكِيَانَ على أنْ يُغيّرَ مَوقفَه ويُقدّمَ لها أيَّ تَنازلٍ على طَريقِ الدّولة؟ الوَرقةُ الحَقيقيّةُ، بلْ عَاملُ القُوّةِ الأكيدُ الذي يُرعبُ إسرائيلَ ويُربكُها ويَقضُّ مَضاجعَها، يا أخّ أبو مازن، هو شعبُك وهذا الجيلُ العِملاق، جيلُ الانتفاضةِ وليستِ الهبَّة، المُصطلحُ الذي يُرادُ منْه تَصغيرُ الانتفاضةِ والتّقليلُ مِنْ شَأنِها وإدارةُ الظّهرِ لها. انتفاضةُ القدس، لا الانتفاضةُ الثالثة، لأنَّ شَعبَنا عَرِفَ الانتفاضاتِ والثوراتِ مِنْ بدايةِ الصِّراعِ مُنذُ أكثرَ من قرنٍ من الزمان.
عندَما بَدأتْ مَسيرةُ التسويةِ رفع أهلُها شِعار "أيُّ شيءٍ أحسنُ مِنْ لا شيء". أينَ وَصَلَ هذا الشِّعار؟! لقدْ أَخَذَ العَدوُّ كُلَّ شيء، وأصبحَ حَالُ السُلطةِ اليومَ وشعارُها "لا شيءَ أفضلُ مِنْ أيِّ شيءٍ". يَعني خَلُّونا على مَا نحنُ عليه ولا نُريدُ الذّهابَ إلى أيِّ خِيَارٍ آخر!
ومَا نَحنُ عليه، هو استمرارُ التّنسيقِ الأَمنيِّ معَ العَدوِّ في ظِلِّ الانتفاضة، وكأنَّ الشعبَ الذي يُقتَلُ وتُهدمُ بُيوتُه ويُنكّلُ به على يَدِ الاحتلال، هو شعبٌ آخرُ في بلدٍ آخر!
هذا لا يَليقُ بأيِّ فِلسطينيّ، ومَا نَتوقعُهُ مِنَ الأخوةِ في حركةِ فتح، بِحُكمِ أنَّها حِزبُ السُّلطة، أنْ تَحسِمَ السلطةُ أمرَها وتُعلنَ انحيازَها الوَاضحَ لِلانتفاضةِ التي تُعبِّرُ عَنْ إرادةِ الشّعبِ وخِيَارِهِ، كمَا انحازَ الشهيدُ ياسر عرفات رحمَه الله لانتفاضةِ الأقصى.
مطلوبٌ مِنَ السُّلطةِ أنْ تُوقفَ التّنسيقَ الأمنيَّ معَ العدوِّ، وتُعلنَ فشلَ خِيَارِ التّسويةِ والمفاوضاتِ، وإنهاءَ الرِّهان عليهِ، مطلوبٌ منها أنْ تَضعَ يدَها بِيدِ شَعبِها وكُلِّ القوى مِنْ أَجلِ إعادةِ بناءِ المشروعِ الوَطنيِّ الفِلسطينيِّ باعتبارِهِ حركةَ تحّررٍ وطنيٍّ لا سُلطةَ حكمٍ ذاتيٍّ في ظلِّ الاحتلال، والعملُ معاً لِصِياغةِ استراتيجيّةٍ جَديدةٍ تَعتمدُ المُقاومةَ بِكُلِّ أَشكالِها، وعلى رَأسِها المُقاومةُ المُسلَّحة، مِنْ أَجلِ تَحريرِ الأَرضِ واستردادِ الحقوق.
5- الرسالةُ الخامسةُ تَتعلّقُ بالانقسامِ الدّاخليّ. لقدْ جرَى تَصويرُ الانقسامِ والنزاعِ في السّاحةِ الفِلسطينيّةِ على أنَّه نِزاعٌ على سُلطةٍ لا يَمتَلكُها الفِلسطينيّونَ ولا يَستطيعونَ امتلاكَها، وإسرائيلُ لهم جميعاً بالمِرصادِ وتَتحكّمُ في كُلِّ شيءٍ. بِتقديرِنا إنَّ الانقسامَ الدّاخليَّ في أَبعادِهِ وأَسبابِهِ أَعقدُ مِنْ ذلك، وهو معَ الوَقتِ يَتَجذَّرُ جُغرافيّاً وسِياسيّاً ومَعنويّاً، وهذا مُضِرٌّ بِشعبِنا وقَضيّتِه ومَصالحِه. مِنْ هُنا، فإنَّنا في ظِلِّ الانتفاضةِ التي تَخطُو نَحوَ إكمالِ شهرِها الثالثِ بثباتٍ وعنفوانٍ، وأَمامَ حَجمِ التّهديداتِ التي يُواجهُها شعبُنا، وتَتعرّضُ لها مقدّساتُنا، نَقولُ لِكُلِّ القِوى والفصائل، علينا أنْ نترفَّعَ جميعاً عَنْ أيِّ مَصالحَ حِزبيّةٍ ضيّقةٍ، وأنْ نَضعَ مَصلحةَ قضيتِنا وشعبِنا نُصْبَ أعينِنا، ونَعملَ جَاهدينَ مُخلصينَ على إنهاءِ الانقسام، وتَحقيقِ نَوعٍ مِنَ الوَحْدَةِ يَليقُ بنا وبانتفاضتِنا وشهدائِها. وأنْ نَعملَ معاً، وبِغضِّ النّظرِ عَنِ التّجاذُباتِ التي تُحيطُ بما يَجري مِنْ جهدٍ في غزّة، على إيجادِ نَوعٍ مِنَ التّوافقِ يُؤدّي إلى إنهاءِ الحِصارِ عَنْ قِطاعِ غزةَ وفتحِ المعابرِ بالتنسيقِ والحوارِ مع الشقيقةِ مِصْر. أمّا استمرارُ الوَضعِ الرّاهنِ في القطاعِ، فهو فوقَ طاقةِ البشرِ.. غزّة تَحوّلتْ إلى قبرٍ مفتوحٍ، ولا أحد يسأل ولا أحدْ يهتم، وكأنَّ حَوالَيْ مليونَيْ فِلسطينيٍّ في القِطاعِ تَحوّلُوا في نَظرِ العالمِ إلى فائضٍ بشريٍ، لا كرامةَ ولا قيمةَ لهم، ولا يستحقونَ الحدَّ الأدنى من مقوّماتِ ومُتَطلَّباتِ الحياة.
6- الرسالةُ السادسةُ التي تُرسلُها الانتفاضةُ لِلعالمِ أنَّها ليستْ طرفاً في لُعبةِ المَحاورِ والأحلافِ الإقليميّة. إنَّنا كمَا كُلُّ جَماهيرِ شعبِنا نستغربُ ونستهجنُ قرارَ الزجِّ بفِلسطينَ في تحالفاتٍ إقليميةٍ تحتَ مُسمّى "مكافحةِ الإرهاب". وكأنَّنا لسْنَا الضحّيةَ الأبرزَ لإرهابِ الدولةِ الصهيونيةِ المُنظَّم. وكأنَّ فِلسطينُ تَحرّرتْ، والقدسُ تَطهّرتْ مِنْ دَنسِ الاحتلال، وأصبحَ لدينا فائضُ قوّةٍ نُصدِّرُها في لعبةِ الفوضى غَيرِ الخَلاّقةِ في المِنطقة. إنَّ المَوقفَ الفِلسطينيَّ الصّحيحَ في ظِلِّ هذا الإعصارِ العاتي، هو عَدمُ الزجِّ بفِلسطينَ وقَضيّتِها في أيِّ مَحاورَ تُجبرُنا على دفعِ فواتيرَ نحنُ في غِنىً عنْها. كمَا أنَّ الانتفاضةَ لا تُراهنُ على مَنْ يَظنُّ أنَّ تحسينَ وضعِهِ أو تصحيحَ بَعضِ أَخطائِه في إدارةِ النّزاعاتِ الإقليميّةِ والدَّوْليَّةِ يَتِمُّ بإعادةِ تَرميمِ عَلاقتِهِ بالكِيَانِ الصُّهيونيِّ وتَحسينِها.
7- الرسالةُ الأخيرةُ للانتفاضةِ أنَّها مُستمرّةٌ بِعَونِ اللهِ عزَّ وَجَلّ، ثمَّ بِفِعلِ وإرادةِ جِيلِ الشّباب، وإنَّ أيَّ رِهانٍ على وَقفِها أوْ كَسرِها قدْ تَجَاوزَه الزّمن، فالمَطلوبُ مِنَ الجَميعِ أنْ يَستنفرَ كُلَّ قِواه استعداداً لِرَدعِ العَدوّ ووَقفِ تَمادِيه في قَمعِ وسَحْقِ أبناءِ الانتفاضة. كفى تردداً وكفى تشكيكاً وتثبيطاً. إنَّ أيَّ تَساؤلٍ عَنْ جدوى استمرارِ الانتفاضةِ وأهدافِها، هو مُرافعةٌ مَشبوهةٌ لاستمرارِ الاحتلالِ وتَكريسِه كأمرٍ واقعٍ وأبديٍّ على صَدرِ الشّعبِ الفِلسطينيّ، مَنْ أَعيتْه الفِكرةُ ولا يَعرفُ فِعلاً هَدفَ الانتفاضة، فَلْيسألْ شَعبَنا الفِلسطينيَّ ودِماءَ شُهدائِه الأبطالِ التي تَرسمُ لنا الطّريقَ إلى النّصرِ والتحرير.. إنَّني اليومَ أقولُ لِكُلِّ الذينَ يَظنّونَ أنَّهم يُحرجونَ المُقاومةَ حِينَ يَسألونَنا مَا هو بَرنامجُكم؟ أقول: بَرنامجُنا بِبَساطةٍ هو مَا قَالتْه أمُّ الشهيد خالد جوابرة في وداعِ ابنِها في الخَليلِ الثائرة، «بدنا فلسطين من المية للمية».. برنامجُنا هو مَا قالَه أَطفالُ الشهيدِ البَطل إبراهيم العكاري لِمُراسلِ التّلفزيونِ الإسرائيلي، حينَ سَأَلَ أَصغرَ الأبناءِ حسن، وعُمُرُه أحدَ عَشَرَ عاماً، هلْ بالإمكانِ التّعايشُ بَينَنا وبَينَكم، فأَجابَه بِنَبِرَةٍ حَاسمةٍ قاطعة: «لا، إمَّا نحن وإما أنتم في هذه البلاد». وحين سُئِلَ الطفلُ حمزة (اثنا عَشَرَ عاما) والدُك دَعَسَ إسرائيليِّينَ في الشارع، رَدَّ حمزة بسُؤال: «ماذا كانَ يَفعلُ هؤلاءِ اليَهودُ في فِلسطين، ألمْ يَحتلّوا أرضَنا؟!» هذا هو شعبُك، يا أخ أبو مازن.. وهذا هو الطفلُ حسن العكاري يقولُ لِلإسرائيليِّ مَا لمْ يَستطعْ أنْ يَقولَه السّاسة، "لنْ يَهدأَ لنَا بَالٌ حتّى تَخرجُوا مِنْ أَرضِنا". أمّا أنتَ يَا حسن، ويَا حمزة، ويا كُلَّ العَائلةِ المُناضلةِ والشّريفة،إنَّ مَا نَطقتُم به هو الحَق، الذي نَستمدُّ منْه العَزمَ على مُواصلةِ الكِفاح. إنَّنا لنْ نَتخلّى عَنْ ذَرةٍ مِنْ تُرابِ فِلسطين، ولا عَنْ قَطرةٍ مِنْ دَمِّ أَبِيكم ودِماءِ كُلِّ الشهداءِ الأَبرارِ وسنُواصلُ دَربَهم إلى أنْ نَنتصرَ أوْ نَلقاهم شُهداءَ بإذنِ الله.
أخيراً، وأَمامَ الزّحفِ اليَهوديِّ المُتواصلِ على المَسجدِ الأقصى والخَطرِ الذي يَتهدّدُه، إذا كانَ بن غوريون قد قال: « أنْ لا إسرائيلَ بدونِ أورشليم، ولا أورشليم بدونِ الهيكل»، فإنَّنا نقول: أنْ لا عُروبةَ بِدُونِ فِلسطين، ولا فِلسطينَ بِدُونِ القُدس، ولا قُدسَ بِدُونِ المَسجدِ الأقصى.
في الخِتام، أُحيّيكم مُجدّداً، فبَاركَ اللهُ بِكم وبِجُهودِكم، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.