شكلت العملية البطولية التي نفذها المقاومون الفلسطينيون في الخليل من نقطة الصفر، والتي ذبحوا فيها صهيونياً مستوطناً وابنه الشاب البالغ العاقل، رداً عاجلاً وموجعاً لعملية المستعربين الذين تسللوا خلسة عن عين الشعب الفلسطيني، وداهموا بعشرات البنادق والمسدسات كاتمة الصوت المستشفى الأهلي في الخليل.
وإذا كان هدف الجيش الصهيوني هو تعزيز ثقة مستوطنيه بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وإرسال رسائل طمأنة عن قدرة الوحدات الخاصة للوصول إلى أي نقطة في الضفة الغربية، فإن الهدف الآخر من عملية المستعربين هو إثارة الرعب في نفوس الفلسطينيين، وخلق حالة من الشك بين قادة الانتفاضة الميدانيين، ليعيش المجتمع الفلسطيني حالة من الإحباط، والتساؤل عن دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ومدى التزامها بالنص الأمني لاتفاقية أوسلو، والذي يسمح للصهاينة بالمطاردة الساخنة، وتصفية أو اعتقال كل فلسطيني تتشكك المخابرات الإسرائيلية في أمره؟
بمعنى آخر؛ هل كان لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية معرفة مسبقة بموعد تحرك قوة المستعربين، وبالمكان المستهدف؟ وهل اقتصر دور قوات الأمن الفلسطينية على الإخلاء، والابتعاد بقصد عن مكان عمل الجيش الصهيوني؟ لو كان الجواب على الأسئلة السابقة بالنفي، فأين هي المساءلة؟ وأين هي مرجعية الشعب الفلسطيني من هذه الإهانة والاستخفاف بكرامة المجتمع؟ وأين التحقيق الفلسطيني في هذا الأمر الخطير الذي تسقط معه حكومات، ويقلب نظام حكم؟ أين اختفى مائة وخمسون ألف مجند فلسطيني، يتمتعون بثلث الميزانية، أين هم من مداهمة المستعربين لمستشفى الخليل الأهلي، وسيطرتهم التامة على المكان، وتصفية الأسير المحرر عبد الله الشلالدة، واعتقال جريح فلسطيني آخر، ونقله من المستشفى وسط مدينة الخليل إلى السجون الإسرائيلية؟
وسط هذا الجو القاتم بالمهانة والشك؛ جاءت عملية الخليل البطولية للمقاومة، جاءت في اليوم التالي لتصب الأمل صباً حنوناً في مفاصل الشعب الفلسطيني، الذي تدثر بعباءة الكبرياء واعتمر بكوفية الإباء، وانطلق يزهو بانتفاضته الشبابية في الشوارع، بعد أن رد بعنف الثورة على غدر المستعربين، مع الفارق الكبير بين مقاوم يحمل رشاشه، ويعترض طريق المستوطنين في وضح النهار، بل ويعطي لرصاصاته الفرصة كي تنتقي ما يناسبها من مغتصبين، وبين عشرات الجنود الصهاينة الذين تخفوا بلباس مزيف، وداهموا مكاناً محرماً وفق كل المواثيق الدولية.
المتناقضات التي شهدتها مدينة الخليل في الأيام الأخيرة تضع الفلسطينيين على مفرق طرق، فإما أن يصطفوا جميعهم في طريق الخنوع والتسليم وقبول المهانة وضياع الأرض، وعدم التجرؤ على مواجهة قوات المستعربين، والاكتفاء بالدموع والبكاء والزجر الكلامي، وإما التلاحم في طريق المقاومة، والمواجهة التي تصيب الاستقرار والأمن الصهيوني في مقتل، وهذه هي طريق الندية والكرامة والحرية، طريق استعادة الأرض من أيدي المستوطنين القتلة.