يعاني صنّاع القرار في فلسطين من غياب الإرادة والرؤية في معالجة العديد من القضايا، فهو لا يختلفُ كثيرًا بطريقة تفكيره عن المواطن العادي الذي يهتم بالوصول إلى بيته وعمله، حيث يبحث عن بديل للشارع أو المدخل المغلق عادة بقرار إحتلالي دون محاولة العمل على فتحه وتغيير الواقع المفروض.
حصل هذا عندما نقضت "إسرائيل" اتفاقها مع الفلسطينيين المتعلق بمعبر الكرامة، وطردت الموظفين الفلسطينيين في انتفاضة الأقصى عام 2000 عن المعبر، ولم تسمح لهم بالعودة حتى تاريخه، وصادرت اختصاصات ومهام السلطة الفلسطينية كافة التي يخولها الاتفاق، والسلطة من جانبها كيّفت أوضاعها مع الإجراءات الاحتلالية التعسفية وقبلت بالوضع القائم ولم تعمل بصورة جدية على تطبيق اتفاق المعابر وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
اتخذت السلطة إجراءات للسيطرة والتحكم بحركة المغادرين والقادمين من وإلى فلسطين عبر استراحة أريحا، وحولت الاستراحة من محطة للركاب إلى نقطة عبور، بنقل المسئولية عنها من بلدية أريحا إلى جهاز الشرطة وإدارة المعابر، وطبقت إجراءات تبدأ من الاستراحة وتنتهي بنقطة العلمي شبيهة بالإجراءات الأردنية على الجانب الشرقي من المعبر- باستثناء ختم جواز السفر- وتفتيش جمركي بحجة مكافحة التهريب كأن الاستراحة نقطة حدودية تمنح الفلسطينيين سيطرة شبه كاملة على حدود الأراضي الفلسطينية، وهذا غير دقيق فللمسافرين والمهربين الكبار إمكانية لسلوك طرق التفافية أخرى بعيدًا عن العيون الفلسطينية. كما تقوم السلطة الفلسطينية في الاستراحة بجباية رسوم المغادرة المفروضة على المسافرين الفلسطينيين التي قررها الاحتلال خلافًاً للاتفاق وتحويلها كاملة لـ"إسرائيل" دون حسم الحصة الفلسطينية منها.
وعند الحديث عن أزمة المسافرين التي تسببها الإجراءات الاحتلالية الإسرائيلية المعقدة على معبر الكرامة تسرع السلطة الفلسطينية إلى عمل تحسينات على الاستراحة (المعبر الفلسطيني) كأنها المسبب للأزمة، وتنشر الإدارة المختصة بالمعابر في السلطة الوطنية أحياناً إعلانات صحفية تتحدث عن تسهيلات أو تغييرات على ساعات العمل في المعبر دون إشارة إلى الاحتلال الاسرائيلي في محاولة للإيحاء بأن الفلسطينيين هم أصحاب سيادة حقيقة وقرار.
ينبغي على القيادة الفلسطينية التوقف عن بيع الأوهام والإصرار على عودة رجال الأمن الفلسطينيين للعمل على المعبر وفتحه على مدار اليوم. وفي حال عدم موافقة "إسرائيل" ينبغي التفكير بإغلاق الاستراحة والسماح للفلسطينيين بالتوجه مباشرة إلى معبر الكرامة وعلى "إسرائيل" حلّ كافة الإشكالات المترتبة على ذلك فلا يعقل أن تبقى السلطة مسئولة عن تنظيم دخول الفلسطينيين إلى المعبر دون صلاحيات وفقط جابي للرسوم التي تقررها "إسرائيل"، ولا يمكن اعتبار ذلك دعوة إلى تخلي السلطة عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها، بل دعوة للتوقف عن العمل كبواب للاحتلال ينظم الدخول إلى المعبر. وفي النهاية لا بد من وقفة تقدير واحترام للقائمين على الحملة الوطنية لحرية الحركة "كرامة" التي تسلط الضوء على معاناة المواطن الفلسطيني على معبر الكرامة وتعمل على تخفيفها.