أصدر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية ورئيس مجلس الإفتاء الأعلى الشيخ محمد حسين ، فتوى حول حكم مقاومة الأسرى للتغذية القسرية في معتقلات الاحتلال، وذلك في أعقاب تهديد سلطات الاحتلال بتنفيذ التغذية القسرية ضد الأسرى الفلسطينيين المضربين وعلى رأسهم الأسير محمد علان.
وأوضح الشيخ حسين أن إضراب الأسرى عن الطعام ومقاومتهم للتغذية القسرية يعد جهادا مشروعا.
وقال المفتي حسين: "إن من يقضي نحبه من الأسرى وهو يقاوم بالإضراب عن الطعام لنيل حريته، فإنه يُعد من الشهداء، والله تعالى أعلم".
وجاء نص الفتوى الشرعية على النحو التالي:
"الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
فإن حفظ الإنسان لحياته وبقائه أصل واجب، وابتعاده عن كل ما يؤذي نفسه ويضر بها مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، التي جاءت لحفظ الضرورات الخمس وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال.
لكن الإنسان قد يتعرض لضرورات وموجبات تتطلب منه القيام بأعمال تتعارض في ظاهرها مع هذا الأصل لكنها تستند إلى أدلة شرعية، يمارسها المرء لغايات عظمى وأهداف كبيرة، ومن ذلك امتناع الأسرى عن تناول الطعام، كوسيلة لمقاومة السجان الظالم الغاشم، وأسلوب ضغط على المحتل لتحصيل حقوقهم المشروعة، مما كفلته لهم الأديان السماوية، والمواثيق الدولية، فمنظمة الصحة العالمية، انتقدت بشدة اللجوء إلى التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، معتبرة أن اللجوء إلى هذا الأسلوب حق شخصي للأسير يمارسه في إطار المقاومة المشروعة لاعتقاله وظروف سجنه.
ومن ناحية شرعية؛ فإن إضراب الأسرى في سجون الاحتلال شكل باباً من أبواب الصبر والمصابرة لنيل مطالبهم العادلة، وأسلوباً من أساليب مقاومة المحتل ومقارعته في رفع الظلم والضيم عنهم، وهو جهاد مشروع، دلت على ذلك العديد من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: { يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [ الفتح: 29]، والإضراب سلاح يغيظ الاحتلال ويحرجه، وقوله تعالى: { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]، فالآية شملت كل موطئ يغيظ الكفار؛ ومن ذلك الإضراب الذي يفضح جرائم المحتل، ويكشف ظلمه، ويحرجه على الملأ، وقد أشار مجلس الإفتاء الأعلى في قراره رقم 1/98 إلى ذلك.
فإضراب الأسرى ومقاومتهم للتغذية القسرية إذا تعين كوسيلة لا بد منها للحصول على الحقوق المشروعة، بعد استنفاذ الوسائل الممكنة، وغدا أمراً لا بد منه، كوسيلة لرفع الظلم والاضطهاد، وكان يرجى تأثيره على العدو وفضح ممارساته، أصبح مشروعاً إلى أن يحقق الأسرى مطالبهم المشروعة في رفع الظلم عنهم.
والأسرى أدرى بظروفهم وأكثر فقهاً لأحوالهم، فشيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، يقول: " إذا اختلف دعاة الإسلام في الأمر، فالأحوط أن يكون رأي المجاهدين"، وقال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل، رضي الله عنهما: " إذا اختلف الناس في شيء، فانظروا ماذا عليه أهل الثغر، فإن الحق معهم، لأن الله عز وجل يقول: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [ العنكبوت: 69]".
وعليه؛ فإن قيام الأسرى في سجون الاحتلال بمقاومة التغذية القسرية، كأسلوب ضغط على السجان يجوز إذا لم يجدوا وسيلة غيرها، لتحصيل حقوقهم الإنسانية المشروعة، وبناء عليه، فإن من يقضي نحبه من الأسرى وهو يقاوم بالإضراب عن الطعام لنيل حريته، فإنه يُعد من الشهداء، والله تعالى أعلم".
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل