بعد 56 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام ضد اعتقاله الإداري التعسفي، خضعت إدارة سجون الاحتلال والأجهزة الأمنية في "إسرائيل" لمطلب الأسير خضر عدنان، بإلغاء اعتقاله الإداري والإفراج عنه بتاريخ 1272015.
الذي فاجأ النيابة العسكرية الإسرائيلية وجهاز المخابرات بعد موافقتهم على عدم تجديد اعتقاله الإداري، هو إصرار الأسير خضر عدنان على الأفراج عنه قبل عيد الفطر المبارك، وفي ليلة القدر التي تحلّ في العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل.
المفاوضات جرت حول ليلة القدر التي أراد فيها خضر عدنان أن ينزل عن سماء جوعه المفتوح إلى الأرض، في صحبة الملائكة والآيات والروح فيها، محرراً من قيوده وآلامه، متكئاً على عكازة الإرادة والأمل.
هي ملحمة أخرى من ملاحم التصدي لسياسة الاعتقال الإداري التي طالت الآلاف من الأسرى، وأصبحت سياسة منهجية تعسفية وانتقامية تمارسها سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وما بين إضرابات فردية وجماعية وصل الموت إلى ذروته، ولكنه لم يحرك في الأحياء وفي العالمين ضميراً أو موقفاً، ويضع حداً لهذا القانون الجائر والمخالف للقوانين الدولية والإنسانية.
العشرات من الأسرى الإداريين قضوا أكثر من عشر سنوات من أعمارهم في الاعتقال الإداري، لا يعرفون أسباب اعتقالهم، ولا يدرون متى سيفرج عنهم، هم في المدى المفتوح على كل الاحتمالات التي تتحكم بها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وما يسمى الملفات السرية، في ظل غياب المحاكمات العادلة.
الأسرى أطلقوا على الاعتقال الإداري (المؤبد الإداري)، انتظروا طويلاً في السجن، وانتظرت عائلاتهم وأطفالهم، وفي اللحظة المأمولة وعلى بوابة الحرية المجزوءة يجدد الاعتقال بقرار عابر وسريع، لأن هذا الأسير يشكل خطراً كبيراً على دولة "إسرائيل" النووية، المتضخمة عسكرياً، والفائضة حرباً وعدواناً.
هي ليلة القدر موعدي مع حريتي، قال الأسير خضر عدنان وهو يتقيأ الدم ويصارع الموت في اللحظات الصعبة، مربوطاً على سرير مستشفى (أساف هروفيه) الإسرائيلي، ينتظر السجانون والأطباء موته في اي لحظة، تحيط به طواقم الصليب الأحمر الدولي، جسد يذوب، وخفقات قلب تدق ببطء في فضاء السجون الباردة.
هي ليلة القدر، الليلة المباركة، خير الليالي، الليلة التي اختصها الله عزّ وجلّ من بين كل الليالي، ليلة العبادة وانتصار المؤمنين بالحق، والمناضلين من أجل الحرية والكرامة، انتصار رسالة المعذبين في الأرض وفي سجون الاحتلال على الحديد والفولاذ وسياسة الموت البطيء، ليلة لا قضبان فيها ولا سياج، لا حواجز ولا اعتقالات، ليلة ساكنة وهادئة لا يسمع فيها سوى صوت الصلاة جماعية في باحة الأقصى بالقدس.
هي ليلة القدر، الإضاءة والنور في تلك الليلة، زهر الجوع وخصوبة الدم، عودة الشهداء والأسرى في ليلة الشرف، النار والماء في كأس واحدة، نزول الجبل إلى البحر وفي يده قرص شمس آخر.
تفاجات دولة الاحتلال من هذا التوقيت القدسي الذي حدده أسير أصبح معلقاً بين الموت والحياة، حائرون في القرار بين تركه حتى الموت، أو إجباره على التغذية القسرية كما حدد قانونهم الدموي الأخير، وبدأوا يسألون عن ليلة القدر، ليلة الأسير الخاصة، الأحلام المنتفضة، الملح الذي يذوب على سجادة الصلاة، وغالباً تسيل الأجوبة دماً يبدو كأنه يتدفق من عنق الشمس.
خلال 56 يوماً جرت أحداث كثيرة: الصليب الأحمر الدولي حذر من خطورة وضع الأسير خضر عدنان، المقرر الخاص للأمم المتحدة منع من دخول الأراضي المحتلة، المتطرفون في الكنيست الإسرائيلي طالبوا بإعدام الأسرى، مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة طالب بمسائلة وملاحقة "إسرائيل"، الأسرى قرروا مقاطعة محاكم الاعتقال الإداري الصورية، "النيابة العامة" أنزلت لائحة اتهام سياسية ضد النائبة خالدة جرار، النائب أحمد سعدات هدد بإعلان الإضراب بسبب استمرار منعه من الزيارة، وهناك ساعة تتدلى على عقرب الوقت، ترتل البطولات.
الأسير خضر عدنان.. حتى ليلة القدر، وفي تلك الليلة الشمس لا شعاع لها، الشمس لها أيادي كثيرة، تمتد من الزنازين ومن بين قضبان السجون، وجوه تصرخ وتهتف، غيوم نقية، الكنائس تدق أجراسها شجراً من الضوء الأحمر، الأفق يحركه يقين متموج، رأس مروان البرغوثي يمتلئ بالأكاليل، طفلة تستقر في فراشة في إحدى حدائق رام الله، شعب يحمل ماء الحياة من البحر المتوسط حتى ضفاف دجلة والفرات، يحرك بقية أنهار العالم.
الأسير خضر عدنان.. حتى ليلة القدر، لكل شعب ليلة، ولكل شعب سلامه وحريته حتى مطلع الفجر، ولكل أسير زمنه الخاص، كأن الجوع يحفظ حرارة الجسد، وكأن الدم يفجر البراكين في شهوة الحقائق وحكمة الضوء.
في السجون يسخن الهواء...
لكي تصعد الأرض المقعدة
يحملها الحلم في ليلة مباركة
إلى رؤوس الجبال...