على مدى أيام، تنشغل وسائل الإعلام الفلسطينية بمسألة تعديل الحكومة التي سميت على استعجال حكومة الوفاق، وتكثر التكهنات حول هذا التعديل. والملاحظ أن مختلف المصادر الفلسطينية تقول إنه سيكون طفيفاً.
ومن المتوقع أن تكون هناك أسباب ومسوغات لتعديل الحكومة، مثل ظهور أزمة طارئة، أو حدوث إخفاق بارز معيّن، أو الدخول في حرب، إلخ. لكن الناظر إلى أوضاع الضفة الغربية وقطاع غزة لا يرى جديداً طرأ على الساحة الفلسطينية، ولا يلمس مبرراً لإجراء هذا التعديل. ولذلك، يبدو أن التعديل يتعلق بالعلاقات الداخلية للذين يسيطرون على الساحة السياسية الفلسطينية. ربما يكون أداء وزير معين ضعيفاً، أو شخصية أحدهم منهارة، أو غير مطيعة، وهكذا.
نجاح حكومة معينة أو فشلها محكوم بالإجابة عن السؤال: هل غيّرت الحكومة شيئاً من واقع المواطن الفلسطيني تحت الاحتلال؟ إذا كان المواطن العادي لا يلمس واقعاً جديداً، أو لا يشعر أن الحكومة قدّمت له شيئاً، يؤثر إيجاباً في حياته اليومية، فإنه لا يكترث بتغيير الحكومة أو تعديلها أو إلغائها. وفي الشارع الفلسطيني، يلمس المتجول أن وسائل الإعلام منشغلة بتعديل وزاري، بينما ينشغل المواطن بتدبير أمور المعيشة، من دون الالتفات إلى ما يجري في أروقة رام الله.
تشكلت منذ قيام السلطة الفلسطينية وزارات كثيرة، ربما يصل عددها إلى تسع عشرة حكومة، ولا يوجد حكومة واحدة قدمت للشعب الفلسطيني برنامجاً أو خطة عمل أو رؤية أو فلسفة أو استراتيجية عمل، بما فيها الحكومة الحالية التي يرأسها رامي الحمد الله. تتشكل الحكومات وتذهب، ولا أحد يدري كيف ستعمل، وماذا ستعمل.
أتت الحكومة الحالية بنوع من الوعود للشعب الفلسطيني بأنها ستنهي الانقسام، وتفاءل الناس بذلك، لكن الانقسام مستمر وربما تعمّق بالمزيد. وجرى الحديث عن إعمار قطاع غزة، ودفع رواتب الموظفين في غزة، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الضفة وغزة. لم يتم إنجاز أي شيء من الوعود، أو الاتفاق بين فتح وحماس. غزة ما زالت تعاني، والموظفون غير موظفي السلطة لا يتقاضون رواتباً، وموعد للانتخابات لم يحدد. والوفاق لم يكن سوى سراب.
وكان رئيس السلطة قد أعلن، منذ البداية وقبل تشكيل الحكومة، أنها حكومته هو ووفق برنامجه. ولهذا، أعلن أنها ستعمل ضمن شرطين، هما الاستمرار في التنسيق الأمني مع الصهاينة، وقبول الاتفاقيات مع الصهاينة. وبهذين الشرطين، قضى على أعمال الحكومة بالفشل. انقسمت الساحة الفلسطينية، واقتتلت، بسبب التنسيق الأمني والاتفاقيات مع الصهاينة، وكل محاولة للاستمرار في الأمرين إنما تعبّر عن الإصرار على الانقسام والاقتتال.
وثمة السؤال: من الذي يحكم في الأرض المحتلة 67؟ الفلسطينيون أم الصهاينة؟ واضح أن أي حكومة تتشكل تبعاً للاتفاقيات مع الصهاينة لا يمكن أن تنجح، لأن مصالح "إسرائيل" تبقى هي العليا، وذلك تبعاً لقدرة الاحتلال على التحكم بالسياسات الفلسطينية في مختلف المجالات. الاحتلال لا يقبل سياسات فلسطينية تخرج عن نطاق الاتفاقيات.
وبالتالي، هو يحول دون الشعب وإرادته الحرة. لا توجد إرادة سياسية حرة في الأرض المحتلة، والقرار، في النهاية، بيد الاحتلال والولايات المتحدة. وما دام الأمر كذلك، لا تستطيع الحكومة تقديم برنامج عمل للشعب الفلسطيني، ولا تبلوره رؤية اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، بمعزل عن بنود الاتفاقيات. والمأساة الأكبر أن على السلطة الفلسطينية أن تقف في مواجهة ما سمي "الإرهاب الفلسطيني"، وأن تدافع عن "أمن اليهود"، بمن فيهم المستوطنون.
إلى ذلك، يتكلف الشعب الفلسطيني نفقات كثيرة نتيجة تعاقب الحكومات، فكل وزير يتطلب مرافقاً وامتيازات ونثريات تكلف الخزانة الفلسطينية الكثير، في وقت تنتظر فيه الخزانة منح الغير. ويتم تخصيص راتب للوزير، بعدما ينهي عمله في الوزارة. هناك الآن مئات الأشخاص الذين شغلوا منصب وزير، أو تم تعيينهم بوظائف برتبة وزير، وهم يكلفون الشعب الفلسطيني من دون أن يقدموا أي خدمة لقاء الرواتب التي يتقاضونها.
والسؤال: هل يحتاج الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة حكومات ووزراء؟ إذا كانت الحكومة لا تصنع واقعاً جديداً للمواطن الفلسطيني، وإذا كان الصهاينة يتدخلون بكل صغيرة وكبيرة، ويحولون دون صياغة برامج عمل قابلة للتنفيذ، فما الفائدة من وجود حكومة فلسطينية لا تحكم بالمعنى الصحيح؟ الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية يحتاج فقط إلى هيئة وطنية لإدارة شؤون السكان اليومية والمدنية، حتى لا تحصل الفوضى. أما هذه الألقاب الكبيرة، مثل سيادة ومعالي ودولة، لا ضرورة لها بتاتاً، ولا تعبّر عن حقيقة الأمر.
لكن، إذا تشكلت هيئة وطنية لإدارة شؤون السكان، فإنه لا يتوقع لها النجاح، إلا إذا كانت مجرد هيئة إدارية لا علاقة لها بالأبعاد السياسية، خصوصاً بالاتفاقيات مع الصهاينة. الشعب الفلسطيني بحاجة للخروج من تحت مظلة "أوسلو"، ولن تستقيم الأوضاع ما دام العدو على رأس عمله في توجيه الدفة الفلسطينية.