تربى الشهيدان محمود محمد المجذوب (أبو حمزة) وشقيقه نضال في عائلة لبنانية مجاهدة، وكبرا معاً في بيت متواضع، حيث عانيا ظروفاً حياتية صعبة، نتيجة العدوان الصهيوني المستمر على الجنوب اللبناني، وصل ذروته أيام الاحتلال للجنوب اللبناني وسنواته العجاف.
كانت فلسطين الحاضر الدائم في بيت والد ووالدة الشهيدين، الحاج محمد المجذوب، والحاجة خالدية الأتب. على حب فلسطين نشآ، وفي كنف عشق الجهاد عاشا، وغايتهما أن يكونا مجاهدين على درب الشهادة في فلسطين.
عندما أصبح «أبو حمزة» مسؤولاً قيادياً في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بقي بيت محمد المجذوب بيتاً بسيطاً وعادياً جداً، ولا يزال كذلك حتى هذه اللحظة.
اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني الشهيد أبو حمزة، وسجنته في معتقل أنصار، وكان عمره آنذاك 17 عاماً. وسرعان ما وضعت قوات العدو الشهيد القائد في زنزانة منفردة لأنه كان يحرّض المعتقلين ضد العدو وضد إدارة المعتقل. وبسبب نشاطه وجرأته، لم تجد قوات العدو بدّاً من نقله الى سجن عتليت داخل فلسطين المحتلة، حيث بقي الى أن أُخرج بعملية تبادل للأسرى.
صقلت تجربة الاعتقال الشخصية الجهادية للشهيد أبو حمزة رحمه الله تعالى، فخرج منه وقد امتلأ قلبه عزيمة وشوقاً إلى جهاد أعداء الله، بعد ما رأى من ظلمهم وطغيانهم، وصار همّه الوحيد هو الجهاد في سبيل الله ونيل الشهادة.
قام الشهيد أبو حمزة بتنفيذ العديد من العمليات الجهادية ضد قوات الاحتلال الصهيوني في منطقة صيدا أثناء الاحتلال الصهيوني. وانخرط في صفوف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ بدايتها، وتولى مناصب عدة، إلى أن أصبح المسؤول العسكري للحركة في لبنان.
تعرّض الشهيد أبو حمزة لأربع محاولات اغتيال، تم كشف اثنتين منها. وفي إحداها انفجرت به قنبلة بعد ثوان من قفزه من السيارة التي كان يستقلها، إثر اكتشافه لها. أما عملية الاغتيال الرابعة، فهي التي أدت إلى استشهاده ومعه أخوه ومرافقه نضال.
نضال المجذوب (أبو هادي) لم يكن الشهيد مجرد مرافق للشهيد القائد أبي حمزة، بل كان أخاه من أبيه وأمّه، ورفيق دربه وجهاده أيضاً.
انضم الشهيد نضال إلى صفوف المقاومة الفلسطينية قبل انتمائه إلى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، حيث عمل في صفوف "فتح"، وقد خبر الجهاد والمقاومة ضد العدو في الجنوب اللبناني. وبعد انتمائه إلى الجهاد الإسلامي، عمل الشهيد نضال جنباً إلى جنب مع أخيه.
يشهد أصدقاء نضال أنه كان شابّاً معطاء، يتمتع بذاكرة قوية جداً، وكان مخلصاً في أداء عمله، وفياً لأصدقائه، صديقاً لجميع من عاشرهم. وكان دائم التضرّع الى الله سبحانه أن ينال الشهادة، كما يؤكد أهله وأصدقاؤه.
سيارة مفخخة أنهت المشوار الجهادي
بعد رحلة من الجهاد الشاق والمضني، ترجّل الفارس الجهادي المسؤول العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في لبنان، القائد محمود محمد المجذوب (أبو حمزة) ليسلم الراية لفارس جديد.
فبعد ثلاث محاولات صهيونية فاشلة لاغتياله، ارتفع أبو حمزة إلى العلى شهيداً برفقة أخيه في الدم والخيار الجهادي إثر محاولة اغتيال رابعة جبانة.
وفي تفاصيل عملية الاغتيال الصهيونية التي حصلت يوم الجمعة (2652006)، انفجرت، عند الساعة الحادية عشرة، سيارة مفخخة، تم تفجيرها عن بعد، استهدفت القائد المجاهد محمود المجذوب «أبو حمزة»، الذي تعرّض لإصابات بالغة وأدت إلى استشهاد شقيقه نضال على الفور، فيما التحق القائد أبو حمزة إلى علياء المجد بعد ثلاثة ساعات.
وقد حصل الانفجار القوي وسط مدينة صيدا جنوب لبنان، في محلة البستان الكبير، ونجم عن انفجار سيارة مفخخة من نوع مرسيدس (- SC180) رصاصية اللون تحمل الرقم 146350 ج، كانت متوقفة أمام بناية البربير في المحلة المذكورة.
وتوقّفت مصادر أمنيّة عند بعض المعطيات الميدانية بعد الكشف على السيارة المفخخة ونوعها وطريقة تفخيخها، مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها سيارة حديثة الطراز. إذ كان العدو قبل ذلك يعمد إلى زرع العبوات الناسفة المموهة كالصخور على جانب الطرق، كما حصل مع الشهيد أبو حسن سلامة، أو الاعتماد على سيارات قديمة أو تفخيخ سيارات المستهدفين ذاتها.
ولفتت المصادر إلى أنّ منفذي العملية اختاروا السيارة المستخدمة كونها تشبه سيارة أحد جيران الشهيد المجذوب، الأمر الذي وفّر لهم التمويه والحرية في ركن السيارة مباشرة أمام المدخل من دون لفت الإنتباه أو إثارة الريبة. وكانت السيارة المفخخة قد ركنت ليلاً بعدما أعدّ تفخيخها بعناية ودقة متناهيتين.
وقد وضعت العبوة الموجهة في الباب الخلفي لجهة اليمين، وقدرت زنتها بحوالى 400 غرام، وهي محشوة بالكرات والمسامير. وجرت عملية التفجير لاسلكياً من مكان يشرف على المدخل لحظة خروج المجذوب وشقيقه من المبنى الذي يقطنه.
وقد أدّى الإنفجار إلى تدمير السيارة كلياً وتطاير سقفها وأجزائها مسافة عشرات الأمتار من موقع الإنفجار. كما تسبب بتضرر عدد من السيارات التي كانت متوقفة في المكان، وتحطم زجاج عدد من الأبنية المحيطة.
وفور وقوع الانفجار، هرعت إلى المكان سيارات الإسعاف والإطفاء بالإضافة إلى عشرات المواطنين، فيما ضربت القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي طوقاً أمنياً حول المكان. وحضر عدد من الخبراء العسكريين الذين قاموا بمعاينة السيارة ورفعوا عينات منها.
الرد على الاغتيال... لم يتأخر
ردت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، على جريمة اغتيال أبو حمزة وشقيقه نضال بسلسلة عمليات، فقد أعلنت السرايا (2652006)، مسؤوليتها عن قصف مغتصبة «مفتاحيم» بصاروخين من طراز "قدس2". وجاء في بيان صادر عن السرايا أنّه «في تمام الساعة 9:10 من مساء (26ط5)، تمكنت إحدى مجموعات سرايا القدس المجاهدة من إطلاق صاروخين من طراز «قدس2»، على مغتصبة «مفتاحيم» شرق خان يونس».
وأضاف البيان: «إننا في سرايا القدس إذ نعلن مسؤوليتنا عن هذه العملية البطولية، لنؤكّد أن هذه العملية تأتي في إطار الرد الأوّلي على جرائم الإحتلال المتواصلة بحق مجاهدي وأبناء شعبنا، والتي كان آخرها اغتيال القائد محمود المجذوب في صيدا بلبنان، واستشهاد خمسة مواطنين فلسطينيين في شمال القطاع، وتأكيداً منا على مواصلة خيار المقاومة والجهاد حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني".
قصف النقب الغربي بصاروخ:
كما أعلنت سرايا القدس مسؤوليتها عن قصف منطقة النقب الغربي بصاروخ من طراز «قدس3» المطور، وجاء في بيان صادر عنها أنه: «في تمام الساعة 7:35 من مساء (285) تمكّنت إحدى مجموعات سرايا القدس المجاهدة من إطلاق صاروخ من طراز «قدس3» المطورة على منطقة النقب الغربي، وقد اعترف العدو بسقوط الصاروخ في منطقة غير مأهولة بالسكان، زاعماً عدم وقوع إصابات أو أضرار مادية».
وأضاف: «إننا في سرايا القدس إذ نعلن مسؤوليتنا عن هذه العملية البطولية، لنؤكد على أنها تأتي في إطار الرد الأولى على جرائم الاحتلال والتي كان آخرها اغتيال القائد محمود المجذوب وشقيقه نضال..».
إعطاب جيب في قباطية:
أيضاً، اشتبكت مجموعة من ألوية الناصر صلاح الدين مع العدو الصهيوني لأكثر من ساعة ونصف وأعطبت جيباً عسكرياً صهيونياً في بلدة قباطية قضاء جنين.
وقالت الألوية في بيان لها إنّ مجموعة من مجاهديها تمكنت من الاشتباك مع العدو الصهيوني في بلدة قباطية المحتلة قضاء جنين من الساعة الرابعة لمدة ساعة ونصف أسفر خلاها على تحقيق إصابات مباشرة في صفوف العدو وإعطاب جيب عسكري صهيوني وذلك في (27/5) وأكدت أن ذلك رد على المجازر التي ترتكب بحق أبناء شعبنا الفلسطيني المجاهد في غزة والضفة الفلسطينية المحتلة ورد على اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في لبنان محمود المجذوب «أبو حمزة» وشقيقه نضال.
قصف "سديروت" وتفجير عبوة شرق غزة:
وتبنت سرايا القدس (36)، قصف مغتصبة «سديروت» بصاروخين من طراز «قدس 3» واستهداف دورية للاحتلال بالقرب من حاجز «ناحل عوز» بعبوة ناسفة، ففي تمام الساعة 3:10 فجراً تمكنت إحدى مجموعات الوحدة الصاروخية التابعة لسرايا القدس من قصف مغتصبة "سديروت" بصاروخين من طراز «قدس 3»، حيث سمع دوي انفجارها في المنطقة المستهدفة ودوت صفارات الإنذار في المكان واعترف العدو بسقوطهما في المكان المذكور.
وفي تمام الساعة 3:40 أيضاً تمكنت مجموعة أخرى من مجاهدي السرايا من تفجير عبوة ناسفة جانبية تزن 60 كغم بناقلة جند للعدو كانت تسير بمحاذاة السياج الفاصل جنوب موقع ناحل عوز العسكري شرق مدينة غزة، حيث جرى بعدها اشتباك مسلح بين المجموعة المجاهدة وقوات الإحتلال استمر 20 دقيقة إنسحب بعده المجاهدون بسلام بعدما أوقعوا إصابات مؤكدة في صفوف العدو.
وجاء في بيان تبني العمليات: «إننا في سرايا القدس إذ نعلن مسؤوليتنا عن هذه العملية البطولية والتي تأتي في إطار مسلسل الرد على جريمة اغتيال الشهيد القائد: محمود المجذوب وشقيقه نضال في مدينة صيدا اللبنانية على أيدي الموساد الصهيوني وجريمة اغتيال ثلاثة من مجاهدي الوحدة الصاروخية في بيت لاهيا قبل أيام، لنؤكد استمرار خيار الجهاد والمقاومة الخيار الأمثل والوحيد في مواجهة الإعتداءات الصهيونية بحق أبناء شعبنا على امتداد ساحات الوطن المحتل، فالقصف بالقصف والقتل بالقتل والحرب سجال».
جريمة الاغتيال سرّعت اكتشاف خلايا التجسس
سرّعت جريمة اغتيال الشيهدين محمود ونضال المجذوب في الكشف عن إحدى أهم شبكات التجسس "الإسرائيلية" في لبنان، لتكرّ بعدها سبحة اكتشاف وتفكيك خلايا العملاء. فبعد أيام قليلة من اغتيال الشهيدين، وتحديداً في 7 حزيران / يونيو من العام 2006، ألقت أجهزة أمن المقاومة الإسلامية في لبنان، بالتعاون مع أجهزة الأمن اللبنانية، القبض على العميل محمود قاسم رافع، أحد أبرز رموز الشبكة التي نفذت عملية الاغتيال هذه، إضافة إلى جرائم اغتيال أخرى غيرها، أبرزها: اغتيال القيادي في حزب الله، الشهيد علي حسن ديب «أبو حسن سلامة»، في طلعة المحافظ - صيدا بتاريخ 17 آب/ أغسطس 1999، واغتيال الشهيد جهاد جبريل (نجل الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية - القيادة العامة» أحمد جبريل، في بيروت بتاريخ 20 أيار / مايو 2002.
أيضاً كانت تلك الخلية مسؤولة عن اغتيال المسؤول في حزب الله الشهيد علي حسين صالح في الكفاءات في الضاحية الجنوبية بتاريخ 2 آب / أغسطس 2003، فضلاً عن زرع عبوة ناسفة على طريق الناعمة كانت تستهدف إغتيال أحد الكوادر الفلسطينية بتاريخ 22 آب / أغسطس 1999، وزرع عبوة ناسفة على جسر الزهراني (قضاء صيدا) تم اكتشافها وتعطيلها من الجيش اللبناني قبل انفجارها بتاريخ 18 كانون الثاني / يناير 2005.
وجاء في اعترافات العميل محمود رافع، كما نشرت صحيفة اللواء بتاريخ 28 نيسان / أبريل أنه في آواخر شهر آذار / مارس من العام 2006، أنه تلقى اتصالاً من ضابط يدعى ناتان، كلفه بإحضار سيارة مرسيدس فضية 280 حديثة الصنع من مرآب «مطار رفيق الحريري الدولي» في بيروت، وركنها أمام «مستشفى الحياة»، ووضع مفتاحها في الصندوق، ففعل ذلك ليلاً.
وبعد 20 يوماً تقريباً، كلّفه ناتان بموجب اتصال، بركن السيارة في مرآب «مجمع غالاكسي» في كاليري سمعان في بيروت، ولكنه لم يركنها هناك، بعدما وجد أن الكلفة المطلوبة لركنها في المرآب لعدة أيام تبلغ حوالى 40 دولاراً أميركياً، فاستعملها ليوم واحد هناك، ثم انتقل بها وركنها في كراجه في منطقة حاصبيا، وقام بتغطيتها بشادر، وعندما سأله المشغل الصهيوني عما إذا ما كان قد ركن السيارة في موقف في بيروت، تهرّب العميل رافع من قول الحقيقة، وأبلغه بأنه نفذ التعليمات وركن السيارة في بيروت.
وبتاريخ 23 أيار / مايو 2006، كلّفه ناتان بنقل السيارة إلى «موقف سبينس» في صيدا وتسليمها إلى العميل الفار حسين خطاب، الذي أبلغه أن هذه السيارة ستكون شبيهة «بسيارة جيمس بوند»، وأخبره بأن ناتان اتصل به وطلب منه استئجار غرفة في إحدى فنادق بيروت وترك هاتفه الشخصي مفتوحاً داخل الغرفة، على أن يستعمل بدلاً عنه الهاتف المُسلم له من الصهاينة.
وبناءً لتعليمات ناتان، اصطحب العميل خطاب العميل رافع لدلالاته على المصطلحات لبعض الأمكنة في عدة أماكن في صيدا قريبة من محيط منزل آل المجذوب.
وورد إلى العميل رافع اتصال من المشغل الصهيوني، الذي طلب منه استئجار «فان» مقفل، فقام بذلك، حيث توجّه الى عديسة وأبقى محرك «الفان» مشغلاً، حيث لاقاه عميلان آخران يعرفهما بلسم فؤاد وجورج، وكان معهما باب سيارة مغلف بنايلون وحقيبة وضعاهما في «الفان»، وعاد فؤاد أدراجه وبقي معه جورج، الذي أبلغه أنه ينقل كمبيوتر إلى خطاب.
وأوضح رافع أنه عندما سأل جورج عن الأغراض، أجابه الأخير: «إنه باب سيارة مرسيدس يحوي كاميرا لخطاب مربوطة بكومبيوتر».. زاعماً أنه «لم يُعلمه أن بداخله عبوة».
وصباح الجمعة 26 أيار / أغسطس 2006، جرى استبدال الباب الذي أحضره جورج بباب سيارة المرسيدس التي كانت مع العميل رافع، وذلك قرابة الثانية فجراً، فنزل رافع إلى «موقف سبينس» في صيدا بالسيارة و«الفان» التي قادها خطاب ومعه جورج، وغادر بعدها حيث التقى بجورج وخطاب على المستديرة يمشيان، فصعدا معه، وقالا له إنهما يريدان إجراء تجربة، ثم تلقى جورج اتصالاً، ورد على المتصل بالقول: «أوكي مئة بالمئة».
وحوالى الساعة 6.00، وبناءً لطلب ناتان، انطلق العميل خطاب بسيارة الفان، ولحق به العميل رافع بسيارة المرسيدس وبرفقته جورج إلى المستديرة القريبة من منزل آل المجذوب في صيدا، وتوقّف العميل رافع أمام المفرق المؤدي إلى منزل آل المجذوب، أما العميل خطاب فتوقف بالقرب منهما بشكل مرئي منهما.
ونحو الساعة 6.40، وبناءً لطلب ناتان، دخل العميل رافع بالطريق الفرعية المؤدية لمنزل آل المجذوب، وبقي على تواصل مع ناتان الذي طلب منه رصف السيارة، على أن تكون جهتها اليمنى مقابلة لمدخل بناية المجذوب، وقام جورج بتعليق جاكيت سوداء على نافذة الباب الخلفي الأيسر، وترجلا من السيارة وتوجها إلى «الفان»، وانطلقا مع خطاب إلى تلة البرامية المشرفة على المكان.
هناك ترجّل العميل رافع للمراقبة، وباشر جورج والعميل خطاب ببرمجة آلة إلكترونية مجهّزة بشاشة للتأكد من التقاط صورة مدخل مبنى المجذوب، وبعد التأكد من ذلك غادروا المكان بواسطة «الفان» لتناول الطعام في محل البساط.
بعدها وبناءً لتعليمات من ناتان، عادوا حوالى الساعة 8.30 إلى البرامية، وسمع العميل رافع المدعو جورج يقول للعميل خطاب أنه لدى مشاهدته الشخص المطلوب أن يصرخ (بوم.. بوم).
وحوالي الساعة 10.00، ورد اتصال من ناتان على هاتف جورج، فردّ رافع، وسأله المتصل إذا كان الشباب جاهزون، فأعلم خطاب وجورج بذلك.. وبعد عدة دقائق انفجرت السيارة، واستشهد الشقيقان محمود ونضال المجذوب.
وعلى أثر الإنفجار، انطلق العملاء جورج وخطاب ورافع بـ«الفان»، وترجّل العميل خطاب قرب «مستشفى الجبيلي» في الهلالية، وتابع العميل رافع طريقه برفقة جورج باتجاه جزين - أنان - دير المخلص - اقليم الخروب، ولدى الوصول الى محلة وادي مزبود، قام العميل رافع بحرق أوراق السيارة (صُوّرت الأوراق المحروقة) واحتفظ بالمفتاح، وقام جورج بتخبئة بعض الصواعق هناك.
وبوصولهما الى الشويفات، ركن العميل رافع «الفان» واستقل سيارته «الرانج روفر» وبرفقته جورج، وتناولا طعام الغداء في جونية، ثم تابعا الى الشاليه في «السانت بو».
وليلاً، في الساعة 22.30، وبناءً لاتصال من ناتان توجّها الى جبيل، وانتظرا قرب صخرة على شاطئ البحر مقابل المطعم الأزرق، وكانت بانتظارهما فرقة من الكوماندوس الصهيوني، حيث جرى تسليم العميل رافع مبلغ 10 آلاف دولار أميركي، وحقيبة كتف كبيرة بداخلها جزئيات كمبيوتر وظرف من النايلون لتسليمهم إلى العميل خطاب، ثم غادروا برفقة جورج بحراً، والذي نقل معه جهازي الكومبيوتر والإرسال، وعاد العميل رافع إلى الشاليه وأرسل برقية بإنجاز المهمة.
وبتاريخ 27 أيار/ مايو 2006، سلّم العميل رافع الفان لصاحبه.. وبتاريخ 29 أيار / مايو 2006، نقل العميل رافع الحقيبة إلى حاصبيا. وبتاريخ 5 حزيران / يونيو 2006، سلّمها إلى العميل حسين خطاب داخل «مستوصف النجدة الشعبية» في النبطية، وخبّأ مفتاح السيارة داخل المخبأ السرّي في إحدى الطاولات المسلّمة إليه من الصهاينة، والمجهّزة بجهاز شيفرة إرسال واستقبال. وقام بتحطيم الهاتف مع الخط المسلّم له من جورج ببداية العملية (تم ضبط الجهاز الخليوي والمفتاح) وتقاضى نتيجة لذلك 10 آلاف دولار أميركي (ضبط منهم 5 آلاف دولار).
وقد تم توقيف العميل رافع من قبل مخابرات الجيش اللبناني فجر 7 حزيران 2006، أثناء عودته إلى منزله في منطقة حاصبيا، حيث أطلق على العملية اسم «عملية الفجر».
وقد ضبط بحوزة العميل الموقوف محمود رافع وثائق مشفّرة وخرائط جوية وأجهزة اتصال موضوعة بطاولات مموّهة، وجهاز تلفزيون وأجهزة خليوية وخطوط صهيونية ودولية ووسائل تصوير ومراقبة واعتدة متنوّعة ومبلغ 5 آلاف دولار أميركي مما تقاضاه عن عمالته في جريمة اغتيال الأخوين المجذوب.
كما ضبط بحوزته عدة إخراجات قيد مزوّرة تحمل رسمه الشمسي، ورخص سوق مزوّرة بأسماء مختلفة، وإخراجات قيد لنساء صهيونيات بأسماء لبنانيات، استلمها جميعها من «إسرائيل»، موضوعة في مخابئ سرية داخل حقائب يدوية.
أما العميل الفار حسين خطاب فقد توارى عن الأنظار، بعدما علم بتوقيف العميل رافع، ودون التمكن من تهريب أي من المعدات التي كانت بحوزته في منزله الكائن قرب «مستشفى الهمشري» على طريق المية ومية - صيدا، من وثائق وأقراص مدمجة، بداخلها خرائط جوية لمناطق في لبنان وسوريا، وأجهزة تشفير، فضلاً عن معدات عديدة بينها جهاز الإرسال داخل جارور المكتب، والذي كان يتلقى عبره رسائل الصهاينة مباشرة على شاشة الكومبيوتر، حيث تمت مصادرتهم من قبل مخابرات الجيش اللبناني، حيث ذكر خبراء تقنيون أنه لم يعثر على مثيل له في لبنان، إضافة الى مبلغ 13 ألف دولار أميركي، كان مخبّأً في مخبأ سرّي مع الجهاز.
وبعد نجاح شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من توقيف العميل أديب العلم بتاريخ 11 نيسان / أبريل 2009، اعترف أنه كان له دور بتسهيل مغادرة الضابط الصهيوني الذي أشرف شخصياً على تفجير العبوة في السيارة التي استهدفت الأخوين المجذوب في صيدا.
وبالفعل تمت مطابقة هذه المعلومة مع ما أدلى به العميل رافع من اعترافات حول وجود من سهّل عملية إجلاء الضابط الصهيوني جورج، وتم التأكد من ذلك عبر تحليل الاتصالات التي أجراها العلم فور حصول جريمة اغتيال الأخوين المجذوب، فتبين أنه تم الاتصال به من قبل «الموساد» الصهيوني بهدف القيام باستكشاف ومسح الطريق الساحلية المؤدية إلى ساحل جبيل والأخرى المؤدية إلى الشاطئ، حيث قام بذلك ترافقه زوجته، حياة الصالومي، وأبلغ مشغليه عن خلو شاطئ جبيل من الرواد، وأن حركة السير على الطرقات خفيفة، وقد تناول طعام العشاء مع زوجته في مطعم «الشاطئ الأزرق» في انتظار التعليمات، قبل أن يُغادر بعد منتصف الليل إلى منزله، بعد إبلاغه من «الموساد» بإنجاز المهمة.
«القدس للأنباء»