انقسمت آراء المعلقين والمحليين (الإسرائيليين) بشان مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على المشروع الفلسطيني بمنح السلطة الفلسطينية مكانة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة بأغلبية مطلقة من 138 دولة مقابل 41 دولة ممتنعة ومعارضة 9 دول.
المستوى الرسمي ممثلا بالحكومة التي فشلت رغم كل جهودها بإفشال المسعى، عملت على تقزيم الخطوة والتقليل من أهميتها " القرار في الأمم المتحدة لن يغير شيئا على الأرض" كما صرح رئيس دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وقد ردت حكومة الاحتلال بخطوات عقابية بالمصادقة على 3 آلاف وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة، وعزمها تسريع إجراءات التخطيط لآلاف الوحدات السكنية في القدس والكتل الاستيطانية، بما في ذلك المنطقة الواقعة بين القدس ومستوطنة "معاليه أدوميم". وزير الأمن الداخلي وهو يعلن عن تلك الخطوات قال "من يخرق الاتفاقيات يجب أن يعلم أنه يوجد وجهان للعملة". وبحسب مصادر (إسرائيلية) فإن الاحتلال قد يوقف تحويل أموال الضرائب إلى الضفة. ويعمد المس بقدرات السلطة الفلسطينية التجارية بوقف تغيير الأوراق النقدية البالية والتالفة.
الكلام والفعل
صحيفة "معاريف" قالت انه رغم غضب نتنياهو الشديد على الخطوة التي أدت إلى الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة مراقب في الأمم المتحدة، فإن نتنياهو يفصل بين الكلام وبين المصالح (الإسرائيلية). فإلى جانب الكلام الشديد الذي قاله ردا على القرار في الأمم المتحدة، فإن نتنياهو على الأرض سيعمل على ثلاثة مستويات:
الأول: سيحاول على ما يبدو الامتناع قدر الإمكان عن المس بقدرة السلطة الفلسطينية على الحكم، ومن غير المتوقع فرض عقوبات حادة.
ثانيا: سيعمل على وقف محاولات مختلفة من الفلسطينيين لقبولهم في وكالات الأمم المتحدة المختلفة، بما فيها محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
وثالثا: وهذا الأمر الأهم، سيفحص نتنياهو إذا كان هناك أفق سياسي بين "(إسرائيل)" والسلطة الفلسطينية، وإذا كان الفلسطينيون مستعدين للعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة.
ورغم غضب (الإسرائيليين) من خطاب أبو مازن الذي وصفوه بأنه يقطر سما فقد رأوا انه أبقى نافذة مفتوحة لاستمرار المفاوضات مع "(إسرائيل)" وأشاروا إلى قوله انه لا يسعى إلى نزع الشرعية عن "(إسرائيل)" أو وقف المساعي لإحلال السلام من خلال المفاوضات.
وحول مخاوف "(إسرائيل)"، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من طلب العضوية في المحكمة الدولية في لاهاي فإن أبو مازن أشار ضمنا انه لا ينوي اللجوء إلى هذه الخطوة حيث أكد أن الفلسطينيين يعتزمون التصرف "بمسؤولية وبشكل ايجابي" في خطواتهم التالية.
تصريحات منددة
سفير الاحتلال في الأمم المتحدة، رون بروشاور، قال في خطابه ردا على أبو مازن "قبل 65 سنة صوتت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على تقسيم البلاد إلى دولتين. وقبلت "(إسرائيل)" المشروع، فيما رفضه الفلسطينيون وشنوا حربا كي يلقوا باليهود في البحر، "(إسرائيل)" تبقى ملتزمة بالسلام ولكننا لن نقيم قاعدة إرهاب إيرانية أخرى في قلب دولتنا".
وزير خارجية الاحتلال ليبرمان، وصف خطاب عباس في الأمم المتحدة، بأنه يمثل "رجل عدو لا رغبة له في السلام"، مضيفاً: نحن لا نهدد بأي عقوبات، وسنلتزم كل حرف وفاصلة ونقطة في كافة الاتفاقات، كنا حتى الآن أكثر كرماً مما تلزمنا إياه كافة وثائقنا والبروتوكولات.
أما نائب رئيس الوزراء، وزير الشؤون الإستراتيجية، موشيه يعلون، فرأى في إعلان الدولة الفلسطينية، بصفة مراقب، انتهاكاً سافراً للاتفاقات مع "(إسرائيل)" يقتضي الردّ عليه في الوقت المناسب.
بدوره، هدد نائب رئيس الوزراء الصهيوني سيلفان شالوم، الذي احتل المركز الثالث في قائمة حزب "الليكود" إلى الانتخابات، باستخدام العقوبات ضدّ السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أنه رغم أنّ أبو مازن معتدل، لكنه ليس مخلصاً للالتزامات التي قام بها سلفه ياسر عرفات في اتفاقات أوسلو التي تحظر المبادرات الأحادية الجانب.
ولفت إلى أنّ "انتهاك هذه الاتفاقيات يعني أن "(إسرائيل)" تستطيع أيضاً القيام بمبادرات أُحادية الجانب مثل تطبيق السيادة (الإسرائيلية) في الأراضي.
مواقف المعارضة
المعارضة (الإسرائيلية) استغلت الحدث الفلسطيني في معركتها الانتخابية في توجيه اللوم والانتقاد لنتنياهو وحكومته، رئيسة قائمة الحركة ووزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، قالت في بيان صادر عنها إن (إسرائيل) «خسرت اليوم مع اعتراف الأمم المتحدة جميع الإنجازات التي حصلنا عليها عبر المفاوضات». ورأت أن ما جرى " نتيجة سياسة خاطئة وأربع سنوات من الجمود السياسي والخطب والاتهامات من حكومة نتنياهو التي قوَّضت المصالح الأمنية لـ(إسرائيل) في مواجهة الفلسطينيين والعالم".
أما رئيسة "ميرتس"، زهافا غلاؤون، فقد اعتبرت إعلان دولة فلسطينية في مصلحة "(إسرائيل)" وكان على الحكومة (الإسرائيلية) دعم المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة.صحيفة "هآرتس" رأت أن الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، الليلة، هو بمثابة رسالة تحذير عالمية لـ"(إسرائيل)"، تفيد بأن العالم قد مل الاستيطان ورفض السلام، مقابل تأييد وتضامن دوليين مع الشعب الفلسطيني وطموحاته.
فالدول الأوروبية الصديقة مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ودول صديقة أخرى مررت عبر تصويتها الليلة رسالة واضحة لـ"(إسرائيل)" مفادها أنه لا تسامح بعد الآن تجاه احتلال الضفة الغربية، وأنه لا ثقة بعد الآن بالتصريحات (الإسرائيلية) حول اليد الممدودة للسلام والرغبة (الإسرائيلية) بالتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية.
وسائل الإعلام
الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة "يديعوت" سيفر بلوتسكر قال إن الطلب الفلسطيني الذي قدم للجمعية العامة للأمم المتحدة صيغ بلغة دبلوماسية، فالشعب الفلسطيني يطلب أن ينشئ لنفسه دولة في الضفة الغربية وفي قطاع غزة "على أساس حدود 1967"، تعيش "في سلام إلى جانب (إسرائيل)".
ولم يُذكر موضوع القدس الحساس في الفقرة التنفيذية من الطلب وبقي مفتوحا للتفاوض بين الطرفين ومثله أيضا قضية الحدود النهائية والمستوطنات"، ورفض اعتبار القرار الذي تم اتخاذه في الأمم المتحدة بأنه معادٍ لـ"(إسرائيل).
وقال انه كذلك في أوهام (الإسرائيليين) الذين يعارضون فكرة الدولتين". وأضاف "ليس العالم كله ضدنا فأكثره معنا. أن دولا صديقة لـ"(إسرائيل)" تريد بواسطة التصويت المكثف في الجمعية العامة أن تنقذ "(إسرائيل)" من نفسها أو من حكومتها التي تحث على "حل" دولة ثنائية القومية. وهو حل هاذي وخطير ومضاد للصهيونية بصورة سافرة... كان العرب قبل 65 سنة هم الذين رفضوا في خطأ مصيري فكرة تقسيم البلاد إلى دولتين للشعبين. وبدا أمس ليلاً أن حكومة نتنياهو لبست حذاء الرافضين العرب".
الكاتب (الإسرائيلي) "نوح كليغر" من صحيفة "يديعوت" قال ساخرا من قرار الأمم المتحدة "إن الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي ذلك الجسم العاجز الذي ليست له أية سلطة أجازت أمس قرارا سخيفا بلا أي منطق وهو ان تمنح دولة غير موجودة ألبته ولن تكون موجودة أبدا إذا لم تتوصل إلى اتفاق مع "(إسرائيل)"، مكانة دولة (مراقبة).
لا يهم كم دولة صوتت في الاجتماع العام تؤيد تلك المكانة – فلا توجد دولة فلسطينية من غير موافقة "(إسرائيل)". لن تحل الجمعية العامة شيئا كما لم تحل شيئا إلى اليوم. ولنأخذ سوريا مثالا واقعيا. ما الذي أحرزه الأمين العام بأن كي مون ومبعوثوه في سوريا؟ لا شيء. فقد تجاهلهم الأسد ببساطة كما تجاهلهم في الماضي كل حكام الدول التي حاول أسلاف بأن كي مون التدخل فيها مثل روندة والسودان.
ويواصل الكاتب سخريته " قال مساعدو ستالين له ذات مرة أن البابا من المؤكد انه لن يحب الخطوات التي كان يوشك أن يخطوها. وعندها سأل "الديكتاتور الأحمر" ببساطة: "كم فرقة عسكرية يملك البابا؟"، اجل كم فرقة عسكرية تملك الأمم المتحدة؟ أن الأمريكيين هم وحدهم الذين يستطيعون التدخل "المادي" في صراع ما وان ينجحوا في هذا التدخل، هذه هي الحقائق كما ثبت أكثر من مرة".
متحدون بفضل ليبرمان
في صحيفة هآرتس كتب آفي يسسخروف "إن أبا مازن ملزم بتقديم شكر كبير لحكومة "(إسرائيل)" ولاسيما لوزير الخارجية افيغدور ليبرمان. فقبل بضعة أيام فقط كان يخيل أن عباس قد يتبخر من الوعي الفلسطيني والدولي في ضوء انجازات حماس في حملة "عمود السحاب".
وأضاف " في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، نال عباس من جديد مكانة بطل وزعيم لا تلين له عريكة: "يجرؤ على الانتصار". كل ذلك جرى بفضل الجهد الدعائي (الإسرائيلي) الذي قدم خطوة رئيس السلطة على انه "إرهاب سياسي"... حتى كبار رجالات حماس ممن عارضوا في البداية التوجه إلى الأمم المتحدة، وقفوا هذه المرة إلى جانبه للإعراب عن تأييدهم لتصميم الرئيس وجرأته على السير ليس فقط ضد إرادة "(إسرائيل)" بل وأيضا ضد إرادة الإدارة الأمريكية.
وحول التهديدات التي أطلقها وزير خارجية الاحتلال ليبرمان قال الكاتب: "لكن لا ينبغي الاستخفاف بليبرمان. فالتهديدات الفظة التي أطلقها هو ورجاله بانهيار السلطة تساعده من ناحية سياسية داخلية.
ومع ذلك، إذا تركنا للحظة جانبا الاعتبارات السياسية الضيقة، من الصعب التصديق بأن أحدا ما في وزارة الخارجية يفكر بالفعل بجدية بانهيار السلطة. فهذه ذات السلطة التي جعلت أجهزتها الأمنية سفر ليبرمان إلى بيته في مستوطنة نوكديم آمنة نسبيا وحقق هدوء استثنائيا مقارنة بالوضع في الضفة في العقدين السابقين.
وتشارك في ذلك قوات الأمن (الإسرائيلية) أيضا، ولكن من الصعب اليوم أن نجد ضابطا كبيرا في الجيش (الإسرائيلي) أو في المخابرات (الإسرائيلية) يدعي بأن الهدوء هو نتيجة أعمال الجانب (الإسرائيلي) فقط، دون مساهمة الفلسطينيين".
أما المحلل السياسي في صحيفة "(إسرائيل) اليوم"، المقرّبة من نتنياهو، دان مرغليت، فرأى أن ما تسميه (إسرائيل) "الأقلية الأخلاقية" في الأمم المتحدة المتمثلة بالدول الغربية "هربت إلى المعسكر الخصم الذي يؤيد الفلسطينيين.
ولفت إلى أن (إسرائيل) ترفض هذه الخطوة، لكنها تبدي تفهماً لمصلحته بالحصول على قرار كهذا، يتعدى كونه حركة بهلوانية غايته الحفاظ على بقائه زعيماً لشعبه". ورأى أن على (إسرائيل) ألا تعارض الخطوة الفلسطينية، بل الوقوف جانبا.
من جهته، رأى المحلل السياسي في صحيفة "معاريف"، أوري افنيري، أن المجتمع الدولي أكد رسمياً الآن أن هدفه هو إقامة دولة فلسطين، وأن حل الدولتين بات الآن الحل الوحيد الموجود على الطاولة.
مركز أطلس للدراسات العبرية