Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

رحل جعفر..

رحل جعفر..

  رحل جعفر وبات يرقد في سلام، بعد رحلة صراع مريرة مع الموت الذي رافقه في كل لحظة بُعيد اعتقاله في سجون الاحتلال، جراء الإهمال الطبي المتعمد بحقه، ليلحق بركب شهداء الحركة الأسيرة الذين اغتالتهم سلطات الاحتلال.

الأسير المحرر جعفر عوض (22 عامًا)، من مدينة الخليل المحتلة، استشهد صباح اليوم الجمعة، وعلى جسده رفسات المحتل ومطبوع على قبسات وجهه معاني الموت الذي خطه الاحتلال بـ"إبرة" قاتلة نهشت جسده حتى النهاية، وسط صمت مطبق وغياب تام للجهات الرسمية في الضفة، كما يقول والده.

وكان الشهيد بانتظار أن تحوله السلطة الفلسطينية إلى المستشفى، لتلقي العلاج، إلا أنها ماطلت بذريعة، رفض الاحتلال، دون البحث عن بديل.

رحلة المرض للطالب الجامعي جعفر، بدأت منذ إصابته بـ"الإنفلونزا" داخل سجن "إيشل" قبل ستة أشهر، وأعطته مصلحة السجون الدواء السحري "الأكامول"، لكنّه لم يشفَ من مرضه، وازداد تعبًا، وطلب بعدها علاجًا يشفيه من مرضه.

حينها حضرت إدارة مصلحة السجون في "إيشل" إلى داخل غرفته، واقتادوه إلى العيادة، وحقنوه بإبرة أسماها والده "إبرة الموت البطيء"، وبعدها بأسبوعين تدهورت صحة الأسير جعفر.

ولم تتوقف حالة جعفر على الورم الذي وجد بجوار عينه، حيث اكتشف الأطباء أنه يعاني من مشاكل أخرى في العين اليسرى وهي المياه الزرقاء -الجلوكوما-، وهو مرض ينشأ نتيجة ارتفاع الضغط بالعين فيحصل تلف في أنسجة العصب البصري، وإذا لم تعالج وقتها، تفقد العين قدرتها على الإبصار.

 ومن ثم تتابعت الأمراض في جسد جعفر، بدءًا من السكري ونهاية بالتهابات حادة بالجهاز الرئوي، حتى لقي ربه في جسد ملأه الأمراض من كل طرف.

وأوضح والد الشهيد لـ"رسالة نت"، أن الشهيد كان يعاني من مرضٍ نادر أصيب منه 262 شخصاً بالعالم، وأعراض المرض ظاهرة عليه، ومنها التهابات الرئة، والغدة، ونقص حاد بالوزن، وتهتك بأجهزة الجسم، ومشاكل بالجهاز العصبي والعضلي، ولا يستطيع الحركة أو الحديث.

آهات الوجع طوّقت الحديث بعد هذه الجملة، ثم أكمل رب الأسرة أن ابنهم عندما اعتقله الاحتلال بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، كان وزنه 76 كيلو جرام، وبعد مرضه أصبح 45 كيلو جرام. ومع كل ساعة يخبر الأطباء والد جعفر بأن حالة ابنهم غير مستقرة.

ومع هذا التطوّر في حالة الشاب الأسير، تدخّل محاميه للمطالبة بالإفراج عنه. وبعد طول انتظار، قررت محكمة الاحتلال الإفراج عن جعفر بغرامة مالية مقدارها (40 ألف شيكل).

وبحسب والده، فإن ابنه بات جثة هامدة غير قادرة على الحديث أو الحركة، خرجت من سجون الاحتلال، تبحث عن مستشفى يعالجها، حتى استقبلهم مستشفى المطلع ببيت لحم، لذا هو بانتظار معجزة تشفيه من مرضه.

كان الجميع يرقب أنفاسه الأخيرة على وقع أنين ينزع في كل لحظة ما تبقى من إنسانية العالم، نهش المرض جسده وهكذا نهش إنسانية الكون التي وقفت صامتة إزاء مرضه، كما يصف والده.

اللحظات الأخيرة في حياة جعفر قبل أن يغادر الدنيا بأقل من ساعتين كانت فوق الوصف والاحتمال، كما يقول والده الذي حمّل مسؤولية حياة نجله لدول العالم ممن لاحت عينها على معاناته ولم تتحرك الا لتتحدث عن أسرى الاحتلال فقط.

وأكدّ أن ابنه من ضحايا التعذيب والإهمال الطبي معًا في سجون الاحتلال "فقد اعتقله جسدًا متحركًا وأطلق سراحه وهو يلتقط أنفاسه".

ورفض الاحتلال استصدار تصريح له بهدف العلاج بالخارج، بينما تذكرته السلطة مؤخرًا لاستصدار قرارًا بعلاجه في ألمانيا، لكنه رحل شاكيًا إلى الله ما ألمّ به وعائلته.

وأما عن أم جعفر، التي لم تتوقف عن الدعاء لابنها، تقول "ابني دخل سجون الاحتلال زي الوردة بتهم باطلة، وطلع منها هيكل عظمي".

تتوقف لحظة عن التنهيدات، ثم تكمل "إن ما أصاب جعفر هو ابتلاء من الله، وكفاني فخرًا أن تهمته الانتماء لفصائل فلسطينية، وإن أمرنا كله لله، وإلي كاتبه ربنا بيصير".

بدورها، استنكرت الفصائل الفلسطينية، إقدام الاحتلال على اغتيال الشهيد عوض، محذرةً إياه من مواصلة سياسة الإعدام بحق الأسرى كافة، لاسيما المرضى منهم.

 

الرسالة نت ـ محمود هنية