Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الميديا الإسرائيلية.. وبذور التناقض

الميديا الإسرائيلية.. وبذور التناقض

مصطفى قاعود باحث فلسطيني تمتلك القضية الفلسطينية من الرصيد الأخلاقي، ما يجعل الرواية الفلسطينية في حالة تفوق دائم على الرواية الصهيونية، وهذا ما يعرفه منظرو وقادة الصهيونية كما يعرفون أبنائهم، لذلك نجدهم - وقد حرصوا- منذ بدايات المشروع الصهيوني على إضفاء "مسحة أخلاقية" على روايتهم، عن طريق التزوير والتحريف وتشويه الوعي، خاصة، في الدول الغربية المؤيدة لهم لأسباب شتى، ليس أقلها نشأة الصهيونية في كنف المشروع الاستعماري الغربي،

الذي لم يكن يقدم نفسه كمشروع استعماري، بقدر ما حرص على أن يقدم نفسه "كحامل رسالة حضارية"، فنما وترعرع -المشروع الصهيوني- على هذا الزيف، فراح يجري محاكماته السياسية والإعلامية في إطار مقاربة انتمائه للعالم الغربي، فالحرية هي حريتي أنا، والديمقراطية هي ديمقراطيتي أنا... أما عندما يتعلق الأمر بشعب أو شعوب ترزخ تحت الاحتلال، فتصبح القضية مختلفة، وهي – حسب رؤيتهم-  "شعوب بربرية"، لا يمكن تطبيق معايير الحرية والديمقراطية الغربية بشأنهم، فتأتي المقاربات سطحية، كأن يقول شارون بشأن إخلاء البؤر الاستيطانية "هل تريدون لمستوطنة أن تجهض جنينها"[1]؟ هكذا يستعطف الغرب، بينما لا يأتي أحد على ذكر الفلسطينيين الذين تمَّ تشريدهم من أجل إقامة المستوطنات، ولا ذكر للنساء الفلسطينيات الحوامل اللاتي ولدنَ على الحواجز وفي المعتقلات، وهنا يأتي دور الانفتاح الذي وفرته ثورة الاتصالات والمعلومات، فوضعَ الرصيد الأخلاقي الزائف للصهيونية على مسار تراجعي، بينما ظل الرصيد الأخلاقي للرواية الفلسطينية في حالة تصاعد، وهنا، لجأ الإعلام الصهيوني لإعادة صياغة اللعبة الإعلامية والدعائية على أسس جديدة، لا تجعل من ظهور الضحية الفلسطينية في الإعلام هي المشكلة، ولكن السياق هو المشكلة، وهو الملعب في آن، كأن يساوي في سيناريو مخادع بين "حالة الهلع التي يُصاب بها النساء والأطفال في المستوطنات"، وبين مجزرة اُرتكبت في غزة وسقط ضحيتها أطفال ونساء وشيوخ، وطبعاً في هذا السيناريو، يُحمّل الفلسطيني المسؤولية، فهو الذي تسبب "بالهلع"، وليس سلاح الجو الإسرائيلي الذي تسبب بالمجزرة!!

 والسؤال: ما الذي يعنينا نحن في هذا السيناريو؟ صور المجزرة التي عرضها الإعلام الصهيوني. على أنها حدث أقل أهمية من "هلع المستوطنين"، لكنه في النهاية استخدم الصورة التي يجب أن نضعها نحن في إطار يجعلها حجة عليه، وليس له.

  استخدم الإعلام الصهيوني صورة الضحية، وأسبغ عليها مسحة "أخلاقية" زائفة مبنية على فهمه الخاص لحرية الإعلام، ولا يضيرنا ما يسبغون على إعلامهم من أوصاف، فنحن نوثق الصورة، وننزعها من سياق كان هدفه إضفاء جانب من المصداقية على روايتهم، ليتحول ذلك إلى رصيد لمصداقية روايتنا، فتقرير "غولدستون"[2] على سبيل المثال، استمد معطياته من مؤسسات إسرائيلية، وصحيح أن التقرير تمَّ سحبه ولم تُخض معركته لأسباب عديدة، إلا أن معطياته ستظل على قيد الحياة كوصمة عار على الرواية الصهيونية الزائفة.

الإعلام الصهيوني بين النمطية والحقيقة:  

ولا بد من بعض الإيضاحات بشأن الإعلام الإسرائيلي، صحيح أن الإعلام الإسرائيلي مسخّر لخدمة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، وفي خدمة الأحزاب والإئتلاف الحكومي وأهداف الدولة، والمؤسسات الإعلامية والربحية القائمة عليه، ولكنه بالوقت نفسه، ليس مغلقاً بالكلية على تلك المهمة، فهو في إطار ممارسته لتلك المهمة، مع إدعاء الديمقراطية، يحاول أن يبدو مهنياً، ولو من الناحية الشكلية، أو يجمع بين المهنية وأهداف الدولة، وفي سياق ذلك لا يستطيع تجاهل العديد من الحقائق، لكنه يعرضها في سياق معيّن وتوظيف محدد، وهنا يأتي دور الباحث والمحلل ليفرز تلك المعطيات، ويستكشف أنوع وأهداف التوظيف السياسي والإيديولوجي الذي وضعت في سياقه، وهذا لا يعني أن الإعلام الصهيوني لا يحجب الكثير من الحقائق، أو لا يعمل على تزويرها إذا اقتضت الضرورة، فهو إعلام منحاز كليةً للمشروع الصهيوني، فعندما يكون هناك ضرورة حيوية للدولة بأن يقوم الإعلام بحجب الحقائق في قضية ما، وتوجيه الأنظار نحو أخرى خدمة للسياسة العامة للدولة، فهو يقوم بذلك بمنتهى الإتقان والحرفية، وبين المصلحة الكامنة في حجب حقائق معيّنة، وتسليط الضوء على أخرى، تجري عملية الإفراج عن معلومات كانت محجوبة لأسباب سياسية وإيديولوجية واستراتيجيه، واستدعت أسباب سياسية أخرى الكشف عنها، وفي إطار المتابعة المتواصلة لتلك العملية يتلقف الباحث الشهادات الموثقة، ويعمل على أرشفتها واستخدامها كحجة عليهم. ومن الأمثلة على حجب المعلومات مثلاً، أنه وقبل إتمام صفقة شاليط[3] لتبادل الأسرى بعدة أسابيع، تجاهل الإعلام الإسرائيلي ما جرى من إضرابات عارمة للأسرى الفلسطينيين، التي أُعلنت عشية إتمام صفقة التبادل، واستمرت حوالي عشرين يوما قبل الإعلان عن الصفقة، كما تمَّ تجاهل جميع الأنباء التي تناولتها الصحافة العربية والأجنبية حول صفقة شاليط، والهدف من وراء ذلك، عدم التشويش على المفاوض الإسرائيلي، الذي كان يضع اللمسات الأخيرة على الصفقة، والذي يراقب الإعلام الصهيوني باستمرار، كان بإمكانه الاستنتاج بأن الصفقة قد نضجت، وأحياناً يلجأ الساسة في الكيان لإبعاد الأنظار عن مخطط  استيطاني كبير قيد التنفيذ، فيتم ذلك بصمت كبير، خاصة، إذا كان المخطط يتعلق بمدينة القدس ومحيطها، فيجري حينها توجيه الأنظار نحو ملفات مختلفة وعديدة، كإشعال جبهات أخرى، أو توجيه الأنظار نحو مسارات تفاوضية، فالسهم الإعلامي ينطلق باتجاه، بينما الهدف السياسي يكون باتجاه آخر، ودائماً، في إطار اللعبة الإعلامية ثمة باحث، والباحث مهمته التوثيق والتوظيف، وفي السياق ذاته، يجري التركيز على الصراع الداخلي بين القوى المجتمعية والأحزاب والحركات المختلفة وغير المتجانسة، التي تشكّل النسيج الاجتماعي لمجتمع المستعمرين الصهاينة، وفي إطار هذا الصراع والتناقض، تتكشف حقائق عدة، حتى التاريخية منها، والتي حجبت على مدار عشرات السنين، فلا يجد الإعلام الصهيوني مناصاً من التعرض لها، ولانعكاساتها على الصراع العربي الصهيوني، مثل الكشف عن إغراق سفينة "إلتيلينا" التابعة لمنظمة الإيتسيل[4] الإرهابية الصهيونية، التي كان يقودها جابوتنسكي، وبسبب الخلاف بينه وبين بن غوريون[5]، قام الأخير بقصفها وإغراقها، وهي محملة بالمهاجرين اليهود والأسلحة، خبر من هذا النوع يكشف حقيقة أن الصهيونية كانت تستخدم اليهود كقيمة استعمالية، ولا قيمة لحياتهم، إذا ما تعارضت مع المصالح العليا للمشروع الصهيوني، وقد تمَّ الكشف عنه في تقارير تلفزيونية في العام 2011، وفي اليوم التالي لعرض التقرير المتعلق بـ"جابوتنسكي" و"إلتيلينا" قام نتنياهو في الكنيست بالاستشهاد بأقوال "جابوتنسكي" في صراعه مع زعيمة المعارضة "تسيبي ليفني"، فظهرت حقائق قديمة وجديدة، تمَّ توظيفها في الوقت المناسب، وثمة أيضاً من يتباكى على الفلسطيني وعلى التفاوض معه، ومن يتباكى على الإثيوبي، وعلى الشرقي والحريدي[6] والعلماني وعلى النساء...  إلخ، كل ذلك في إطار توظيف سياسي وإيديولوجي معيّن، وعليه تتحرك مراكز الأبحاث والدراسات الفلسطينية والعربية ضمن تلك المساحات كمن يتحرك في حقل ألغام، ولا يستطيع الباحث التخلي عن مسباره وأدوات قياسه، دون مبالغة و دون استخفاف في الوقت ذاته، وإلا... ضاع في متاهات ذلك الإعلام،  الذي يناور بين ادعاء المهنية، وبين الانحياز للعنصرية والمشروع الصهيوني سراً وجهراً، فنحن إذاً، أمام إعلام مؤدلج في المضمون والمحتوى والرسالة  و"مهني" في الشكل، وهو بهذا يستخدم المهنية كوسيلة لتحقيق مراميه، ويعتبر هذا من أخطر أنواع الإعلام المعاصر، ولا يمكن التعامل معه بسطحية، بأن يوضع كل ما يصدر عنه في سلة واحدة، ترفض التعامل معه بروح النقد والانتقائية والتمحيص، قد ينطبق ذلك على الإعلام الذي يبث أو يكتب بالعربية، وفيه رسائل خبيثة تتوجه للوسط العربي، بهدف إحباطه، لكن ذلك لا ينطبق على الإعلام الموجه للغرب وللجمهور الإسرائيلي، فهم لا يستطيعون استغبائهم، رغم أنهم يستغبونهم في كثير من الأمور - ولكن ليس على الدوام- إذ يراعون حساسية ادعائهم الانتماء إلى قيم الغرب الديمقراطي، فيمارسون اللعبة الإعلامية بشكل أكثر ذكاء، من السطحية التي يتصورها البعض، ولكن دائماً، يقع الإعلام الصهيوني في شرك التناقض أثناء ممارسته لتلك اللعبة، فليس في الاحتلال وممارساته ما يمت إلى الديمقراطية بصلة، ولكن على الإعلام أن يحافظ على مسحة من الديمقراطية،  تضمن له التأييد الغربي الأعمى، وهنا يقع التناقض، فتعرض المعطيات في سياق يخدم أهداف المشروع الصهيوني، ولكن لا مناص من التعاطي مع معطيات حقيقية، لأنه لا فائدة من حجبها في ظلِّ الانفتاح التكنولوجي، وسهولة الحصول على المعلومة من أكثر من مصدر، لذا يتمّ تناول تلك المعطيات في سياق تبريري، أو في إطار توظيف سياسي، أو دفع اتهام ما وإلصاقه بالفلسطينيين، أو بالآخرين المناهضين للمشروع الصهيوني من أحرار العالم، وعلى سبيل المثال، الصور التي كانت تبثها القنوات الإسرائيلية لعملية القرصنة على السفينة التركية "مرمرة"[7]، التي أتت لكسر حصار غزة، كانت تناقض تماماً، الرواية الصهيونية التي حوّلت جنود جيش الاحتلال وقوات الكومندو البحرية إلى ضحايا، وحتى التقرير الذي عرضته القناة العاشرة الإسرائيلية منذ اللحظات الأولى لعملية الإنزال، تسمع ضمن التقرير كلاماً مناقضاً للصورة التي تراها، والمهم هو تلك الصورة، وليس ما يقوله معلق القناة للشؤون العسكرية، بأقواله المفلترة من قبل استخبارات الجيش، حتى اضطر أحد المعلقين الإسرائيليين إلى القول صراحة "كان على الجيش أن يجري عملية فلترة لتلك الصور التي ستعرض جنودنا للمثول أمام المحاكم الدولية"، وفي هذا تعبير واضح عن التناقض بين المعطيات والرواية الأكذوبة.

 يقول الكاتب الإسرائيلي "إليكس ليبيك" في هآرتس  بتاريخ 15/6/2010 تعليقاً على ذلك "برغم العصر الرقمي، الذي يمكن من اللعب بالصور، فإن صدقها كشهادة يظل ذو قيمة حاسمة. إن مقرري السياسات الإسرائيلية وصُناع الرأي العام هبوا إلى التصريح عن نية التغطية على بث صور، ووقفها عن الرحلة البحرية، على أمل أن تنتقل المعلومات عن طريقهم فقط"، وهذا نموذج يعرض الحقائق على نحو يساوي بين الضحية والجلاد، أو تحويل الجلاد إلى ضحية،  ولكن في نهاية هذه اللعبة لا يمكن تجاهل الضحية تجاهلاً تاماً، وتبقى الصورة أخطر من الكلام،  وعلى عاتقنا يقع اصطياد تلك المعطيات والحقائق، ونزع البعد الإيديولوجي عنها، والعمل على توثيق المعلومة والصورة بعد نزعها من السياق الذي وجدت فيه، أو إبقائها في سياقها المشوّه والمتناقض، لإعطاء المشاهد أو القارئ فرصة لاكتشاف هذا التناقض بنفسه، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها على سبيل المثال، عندما يتعرض مستوطن صهيوني للضرب والتنكيل والتعذيب على أيدي جنود الاحتلال على حاجز في غور الأردن، ظناً منهم أنه فلسطيني، يتعرض الإعلام للحادثة ليس من منطلق، ما يتعرض له الفلسطيني من أهوال على تلك الحواجز، بل لأن الأمر يتعلق بمستوطن تمَّ التنكيل به عن طريق الخطأ، ولكن عندما يتعلق الأمر بفلسطيني يُقال اعتقدنا أنه مسلح ومخرب، وكان الأمر دفاعاً عن أرواح الجنود، وهذا حصل فعلاً على حاجز "بكعوت" في غور الأردن، حيث استشهد فلسطيني، و بعد أشهر معدودة تعرض مستوطن للتعذيب عن طريق الخطأ على الحاجز نفسه، وأيضاً، قتل الجنود حاخاماً على أحد الحواجز، إذا  عندما يعرض الإعلام الصهيوني تقريراً يقتل فيه حاخام عن طريق الخطأ، ويقول هذا الإعلام ذلك، هنا يصبح لدينا شهادة ووثيقة صهيونية تقول أن هذه الحواجز أُعدت لقتل وتعذيب الفلسطينيين فقط، قد يقول قائل ما الجديد في الأمر فنحن نعرف ذلك وندركه. نعم نحن نعرف ذلك، ولكن نريد أن نقدم للعالم شهادة حية موثقة من الإعلام الصهيوني، ومن الأمثلة التي تستحق الذكر في إطار الإيضاح، هي ما يسمى بالعمليات الانتقامية، أو ما اصطلح على تسميته بالعبرية " تاغ محير"[8]، وهي العمليات التي تنفذها مجموعات إرهابية من بين صفوف المستوطنين، تعرف باسم فتيان الهضاب "نوعر هغفعوت"[9]، سلط الإعلام الصهيوني الضوء على أعمالهم الإجرامية بحق الفلسطينيين من إحراق المساجد إلى اقتلاع الأشجار، وسدّ الطرق المؤدية إلى الأراضي الزراعية الفلسطينية، والاعتداء المستمر على أصحابها، توقف الإعلام الصهيوني مع العشرات من التقارير المتعلقة بتلك الأعمال، لذا قد يسأل البعض ومن حقه التساؤل، لماذا يقوم الإعلام الصهيوني برصد تلك الأعمال، ويجري تحقيقات مطولة عن نشاط تلك المجموعات؟ والجواب على ذلك يتعلق بأسباب عدة، أهمها على المستوى السياسي، الهدف منه إظهار تلك المجموعات، على أنها مجموعات "خارجة عن القانون"، وتشق عصا الطاعة عن الدولة، في حين أن هذه العصابات تنفذ الأهداف البعيدة للمشروع الصهيوني، ولكن في هذا العرض سياق تبريري محض، يبرئ جيش الاحتلال الذي تعمل تلك المجموعات بحمايته، بالإضافة إلى بث رسالة سياسية بشأن الاستيطان للعالم والمجتمع الدولي، مفادها (أنكم إذا واصلتم الضغط علينا من أجل إخلاء "البؤر الاستيطانية العشوائية"، فإنكم تخلقون لنا مشكلة لأننا لسنا موحدين في هذا الجانب، وانظروا إلى النتيجة، فالمنطقة سوف تشتعل، ونحن كدولة عاجزون عن إخماد تلك الحرائق، التي أشعلتموها بمطلبكم إخلاء المستوطنات)، إذاً، هذه العصا ترفعها حكومة نتنياهو بوجه الضغوط الدولية بشأن الاستيطان، ولا بد للإعلام أن يعرض هذه العصا، وهناك أمر آخر قد لا يخطر على بال أحد، وهو بث الرعب في نفوس الفلسطينيين ليهاجروا من تلقاء أنفسهم، وفي ذلك مثال سابق، حيث يقول أحد المؤرخين الصهاينة، أنه عندما تمَّ تنفيذ مجزرة دير ياسين[10]، كانت العصابات الصهيونية تُسيّر دوريات في شوارع القدس، وتذيع أنباء المجزرة بمكبرات الصوت، والهدف من وراء ذلك، هو الترهيب والقول للمقدسيين أنكم إن لم ترحلوا سوف تلاقون المصير نفسه أنتم وأبناءكم، وتلك وظيفة أخرى لتعاطي الإعلام الصهيوني مع بعض الحقائق، فهم لا تضيرهم الجريمة بقدر ما يهمهم الهدف، أما نحن فمن واجبنا التقاط تلك الوثائق والاعترافات وتوثيقها، هذا فيما يتعلق بالتقارير التي تتحدث عن الصراع ومجرياته اليومية، أما في السياسة فتصبح الوظيفة مزدوجة تقوم على توثيق واستقراء خطوات الاحتلال القادمة، بما يمكن من رسم أهداف وأدوات المواجهة، على الصعيد السياسي والميداني.

بذور التناقض الإثني وأثره على الرسائل الإعلامية:

تلعب التناقضات الإثنية ومضلة الاندماج في المجتمع الصهيوني، دورا كبيرا في خوض الإعلام الصهيوني ببعض الحقائق والكشف عن الصراعات الداخلية لمصلحة هذا الحزب أو ذاك، فما حدث ويحدث بين الحين والأخر من صدامات و توترات بين اليهود المتدينين والعلمانيين، يثير من جديد قضية الاستقطاب الإثني داخل المجتمع الصهيوني، ويشير بوضوح إلى أن مشروع يهودية الدولة يحمل بذور فشله بداخله، وخلط إسرائيل المتعمد لقضايا التسوية بالديمغرافيا، هو نوع من التضليل الذي يمّكن من استمرار المشروع الصهيوني بوصفه مشروع استعماري إحلالي، عنصري حيال العرب لجهة اقتلاعهم، وعنصري حيال اليهود غير الأشكيناز[11] لجهة التعامل الوظيفي معهم بوصفهم خزان بشري للاستيطان ويد عاملة، هكذا كان الأمر في الأربعينيات، وهكذا هو في الوقت الراهن مع مزيد من التعقيدات، وكلنا نذكر الصدمة التي أصابت المجتمع الصهيوني قبل عدة سنوات، عندما انتخب "عمير بيرتس" اليهودي المغربي رئيساً لحزب العمل. فالحركة الصهيونية أدركت منذ البداية أن مهمتها صعبة، فعمدت إلى  ابتكار وسائل وأدوات عدة من أجل إيجاد اللحمة بين الطوائف الدينية والإثنية المختلفة في المجتمع الإسرائيلي، عن طريق اختراع الأساطير والطقوس الاحتفالية والأعياد مروراً بإحياء اللغة العبرية، وانتهاء بشن الحروب على الأعداء في محاولة لطمس وإخفاء الفرقة والاختلاف داخل الفئات الإثنية، بهدف توحيدها في كيان واحد ذي هوية متميزة وشعور بالانتماء لدى جميع أعضائه للمعايير والقيم التي تشكل أسس هذا الكيان.

 في العام 1950 أقرَّ الكنيست "قانون العودة"، وفحواه البحث عن اليهود في جميع أنحاء العالم، والعمل على تهجيرهم إلى فلسطين بشتى الوسائل، سواء عن طريق الدعاية الدينية الزائفة أو عن طريق الإغراءات المادية، ورغد العيش والخلاص من " اللاسامية"، ولكن بعد قدوم نحو مليون مهاجر من روسيا، 70% منهم ليسوا يهوداً إنما هم "أصحاب حق بالهجرة وفقاً لقانون العودة"، الذي يفتح الباب لكل من لديه صلة باليهود، تفاقمت أزمة الاندماج والاستيعاب التي كانت قائمة بالأساس بين الأشكيناز والسفرديم[12]، وبدأ قادة الكيان الصهيوني يدركون مدى الخطورة التي تشكلها ثغرات "قانون العودة" على "يهودية الدولة"، فبدت التناقضات أكثر تعقيداً فمن جهة، لا يمكن الاستغناء عن هذا الخزان البشري الذي يشكّل أساس الاستيطان، ومن جهة أخرى، لا يمكن التقدم نحو "يهودية الدولة" في ظل الاستقطاب الإثني، وهذا أيضاً، يضع إسرائيل في مواجهة مع ادعائها الكاذب حول ديمقراطيتها، فهي أعجز من أن تحقق ديمقراطية بين الطوائف اليهودية المختلفة، فكيف يمكن أن تكون ديمقراطية مع العرب؟!  فالعنصرية أصبحت طافية على السطح، وهذا من شأنه أن يخلق أزمة بين إسرائيل والغرب، وبخاصة، أوروبا، لذا فإن خيار "يهودية الدولة" هو خيار عنصري شبيه بالخيار النازي، لذا لا بد أن تلعب الميديا دورا كبيرا في التعمية على تلك العنصرية، لكنها تسقط في مطب الفضائحية فتتكشف الكثير من الحقائق، أثناء عمليات التزوير والتعمية.

ومما لا شك فيه أن موجات الهجرة في العقدين الأخيرين، ونظراً لتركيبتها التي لا تخدم الفكر الصهيوني، القائم على الديماغوجية الدينية اليهودية، أحدثت انقساماً في الشارع الإسرائيلي، وجد تعبيراته في استمرار مظاهر الكراهية بين العلمانيين والمتدينين أو الشرقيين والغربيين، وقد تختفي حالة الانقسام هذه وراء الخلاف حول القضايا السياسية الساخنة وقضايا الفساد، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن قضية من هو اليهودي، هي من أهم القضايا اليومية التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي، فكل قادم جديد عليه إثبات يهوديته بطريقة أو بأخرى، وإلا سوف يكون عرضة للطرد من إسرائيل في أقصى الحالات، ومن ظل مشكوكاً بيهوديته سوف يُحرم من الامتيازات الخدمية في أدنى الحالات، مثل الزواج والدفن والأكل، وحتى المواصلات والتعليم...الخ، وبما أن القادمين الروس غير قادرين على التكيف مع القيم التي تطرحها المؤسسة الدينية لإثبات يهوديتهم، فقد اختاروا العداء للعرب كسبيل لإثبات انتمائهم لهذا المجتمع المتناقض قيماً وثقافة والمتماثل عنصرياً، أما الأثيوبيين، فهم مضطهدون بسبب لونهم وانتمائهم الإثني، هذه التناقضات التي تفتك بالمجتمع الصهيوني، أججت الصراع الديني العلماني، وخاصة، بين المتدينين واليهود الروس، فاليهود الروس متهمون بأنهم غير يهود، وجرت عدة أحداث عبّرت عن ذلك الصراع، فحركة شاس[13] لا تنفك عن المطالبة بمحاربة المظاهر غير اليهودية التي أحضرها الروس، الذين يُصرّون على ثقافتهم وانتمائهم، حيث أشار استطلاع للرأي أن 8% منهم يعتبرون أنفسهم إسرائيليين، و47% منهم يعتبرون أنفسهم روساً، وبدورهم الروس يسعون إلى تقليص الامتيازات التي حصل عليها المتدينون، لذا نشب صراع كبير على تعديلات قانون طال الخاص بإعفاء طلبة المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، والحديث عن قانون طال وتعديلاته في الإعلام الصهيوني، كان كفيلا بأن يشرح لمن لا يعرف حجم الشرخ في المجتمع الصهيوني.

وتبقى معضلة النقاء اليهودي من أعقد التحدّيات التي تطرح نفسها بقوة على إسرائيل، إلا أن الإصرار على النقاء اليهودي من شأنه أن يقنن الهجرة، وتقنين الهجرة يخلُّ بالميزان الديمغرافي لصالح العرب، لذا ستجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى استقدام المهاجرين، سواء كان مشكوكاً بيهوديتهم أم لا، وعليه تظل مشكلة استيعاب الهجرة قائمة، وتجد التفرقة بين المهاجرين انعكاساتها على عدة صعد، في مقدمتها السياسة السكانية، فهناك أنماط متنوعة من السكن، مثل وجود الشرقيين في القرى الزراعية البعيدة عن المدن التي تعتبر امتيازاً للأشكيناز،  فيهود الفلاشا[14] مثلاً يعتبرون مدينة بئر السبع مدينة التمييز العنصري، لعدم توفير الخدمات الأساسية، وقد فشل المجتمع الإسرائيلي في عملية دمج اليهود الأثيوبيين في الحياة العامة، حيث يلاحظ أن 75% منهم لا يستطيع الكتابة باللغة العبرية، و50% لا يتحدث بها، وهذا ما ترك أثره على سوق العمالة بينهم، حيث وصلت نسبة البطالة بين اليهود الأثيوبيين 40%، كما فشلت أيضاً، في القدرة على استيعاب المهاجرين حسب كفاءتهم العلمية، فأغلب المهاجرين الروس من أصحاب الخبرات العلمية والأكاديمية، ولم يتمكن هؤلاء من إيجاد فرص عمل وفقاً لكفاءاتهم، لذا قاموا بالتعلم من جديد بهدف الحصول على عمل.

هذه التناقضات جميعها، لها انعكاساتها السياسية التي تلقي بظلالها على تشكيل الأحزاب، فهناك أحزاب تشكّلت على أساس الانتماء العرقي، وأهمها الأحزاب والحركات العربية، والأحزاب الدينية المتطرفة، والأحزاب الروسية كحزبي "إسرائيل بعليا" و"إسرائيل بيتنا"، ومن الواضح أن التصويت في الانتخابات يقوم بين المهاجرين الروس على أساس إثني، وهذا ما يفسر صعود حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف بزعامة أفيغدور ليبرمان.

وفي ظل هذه التناقضات لا يمكن القول أن المجتمع الإسرائيلي بات على وشك الانهيار، بقدر ما يمكن القول أنه لن يتمكن ببساطة، وعلى المدى القريب أو البعيد من دمج المهاجرين، وصهرهم في بوتقة " يهودية الدولة"، وبالتأكيد، من غير المعقول أن يصلَّ مجتمع قائم على عنصريات متراكبة إلى حالة من التماسك، تؤمّن استمرار المشروع الصهيوني إلى ما لا نهاية، ودون مبالغة، فإن مشروع يهودية الدولة، سوف يكون بداية النهاية للمشروع الصهيوني العنصري، لأنه يسقط آخر الأقنعة الزائفة عن إسرائيل، ويقدّمها على حقيقتها كمشروع نازي. جميع هذه التناقضات والصراعات لأسباب متباينة تلقي بظلالها على المشهد الإعلامي.

ومع تزايد حدة تلك التناقضات، يتصاعد العداء للعرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ثمانية وأربعين، مما يعيد الصراع على أرض فلسطين إلى المربع الأول، ولكن على شكل قوانين وممارسات عنصرية وفتاوى دينية، وقد بلغ  العداء المتنامي داخل المجتمع الصهيوني، ضد الفلسطينيين في  أراضي 1948، حداً من الخطورة يوازي الخطورة التي تجسدت قبل وإبان النكبة، بل فاقه، ففي ذلك الحين وضعت الصهيونية هدفاً محدداً، وهو الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأرض لإقامة دولة، أما اليوم فالعداء والعنصرية يتجسدان في شعار "يهودية الدولة"، أي وكما يقال باللغة العنصرية "تطهير إسرائيل من كل العرب"، وهذا ليس طرحاً حزبياً لحزب معين، أو عدة أحزاب متطرفة، بل أصبح سمة مجتمعية، وهنا تكمن الخطورة، فالعلاقة التبادلية بين الحقد والعنصرية داخل المجتمع الصهيوني وبين شعار "يهودية الدولة" يغذي كل منهما الآخر ويحثه، وحتى الأحزاب المصنفة يساراً لم تسلم من تلك النزعة والشوق لرؤية إسرائيل خالية من العرب، فعلى مدار سنوات عدة تولى شمعون بيريس، وهو على رأس حزب العمل مسؤولية ملف تهويد النقب والجليل، في إطار ما يسمى "تطوير النقب والجليل".

 كان شعار "يهودية الدولة" في إسرائيل وراء فك الارتباط عن غزة، والدافع لبناء جدران الضم والفصل العنصري، كمقدمة لضم الكتل الاستيطانية السبع الكبرى، والقدس والأغوار، مثلما كان وراء مخططات تهويد النقب والجليل، وهذا الشعار هو الذي أنتج حزب كديما[15]، والسياسة القائمة على شعار "أرض أكثر... فلسطينيين أقل"، ليصبح كل ذلك من وجهة النظر الإسرائيلية بمثابة خطوط حمراء ممنوع تجاوزها في إطار أي تسوية محتملة، وعليه حددت إسرائيل سلسلة اللاءات التي باتت معروفة، وهي: لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، لا للانسحاب إلى حدود 67 ، لا للانسحاب من القدس والمستوطنات الكبرى، لا للانسحاب من الأغوار، وبالتالي لا دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، وفي ظل الحديث عن "التواصل الطرقي" تصبح السيادة الفلسطينية مسألة معقدة ومشكوك فيها، وأي "تبادل للأراضي أو السكان لن يجري على أساس نسب مئوية متساوية"، هذا ما أعلنه "شمعون بيرس" قبل مؤتمر "أنابوليس"، و الشعار ذاته ألقى بظلاله على انتخابات الكنيست الأخيرة، وأنتج حكومة متطرفة بقيادة "نتنياهو وليبرمان"، وضعت مصير الفلسطينيين داخل مناطق 48 على بساط البحث.

فباتت حكومة "نتنياهو- ليبرمان"، تشتق سياساتها بدافع الخوف من دولة ثنائية القومية، بأغلبية عربية في المستقبل، الأمر الذي يساهم في هزيمة المشروع الصهيوني العنصري، فمعادلة التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب، باتت في السنوات الأخيرة تطغى على كل الدراسات، والتقارير الإحصائية الإسرائيلية، منها على سيبل المثال، تقرير دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية للعام 2009 ، وجاء فيه أن عدد سكان إسرائيل بلغ 7,2 مليون نسمة، وهذا الرقم يشمل فلسطيني القدس المحتلة، الذين يقدر عددهم بحوالي 250 ألف نسمة، كما يشمل حولي 19 ألف سوري في هضبة الجولان السورية المحتلة،  وذلك بموجب قانوني الضم الجائرين للقدس والجولان، ولهذا نشهد ما نشهده من سياسة التضييق على سكان القدس، وبعض المناطق في الجولان بهدف حملهم على الرحيل، وبالمقابل تشجيع اليهود على الاستيطان في القدس، وحسب دائرة الإحصاء المركزية، فإن نسبة العرب في إسرائيل قد بلغت 19,9% (1,413 مليون) مقابل 75,8% لليهود(5,393 مليون)، وهناك 4,3% لم يُعرّفوا عن انتمائهم، و هم في الغالب من اليهود الذين لا تعترف المؤسسة الدينية اليهودية بيهوديتهم، وعندما تحتسب النسب دون سكان القدس، والجولان يصبح عدد سكان إسرائيل 6,95 مليون، ووفق هذه المعطيات ترتفع نسبة اليهود إلى 77,5% ، أما الفلسطينيون في مناطق 48 فهم حوالي 1,16 مليون أي بنسبة 16,8% من إجمالي السكان،  هذه النسبة تسعى إسرائيل إلى تخفيضها عن طريق تبادل الأراضي والسكان، وعبر استقدام المهاجرين اليهود، حيث تراجعت الهجرة اليهودية إلى إسرائيل في السنوات الست الأخيرة، من معدل 100 ألف مهاجر سنوياً إلى معدل 14 ألف مهاجر، وذلك بعد اختزال قرابة سبعة آلاف مهاجرين عكسياً (يهود يغادرون إسرائيل)، ونسبة تكاثر اليهود مضافاً إليها الهجرة التي تقارب 1,5% مقابل 2,5% لدى الفلسطينيين في إسرائيل- وحسب الدراسات- فإن أعلى نسبة تكاثر بين العرب هي في النقب والجليل، لذلك هما هدفاً للتهويد، وانطلاقاً من الفزاعة الديموغرافية تواصلت عمليات الاستيطان، وازداد عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، ليتجاوز حاجز النصف مليون مستوطن.

والحديث عن تنامي العنصرية داخل المجتمع والمؤسسة الرسمية في إسرائيل، ليس نوعاً من الخطابة أو البلاغة اللغوية، بل هناك مؤشرات ومعطيات تبدأ من استطلاعات الرأي، ولا تنتهي عند حدود الممارسات العدائية اليومية على الأرض، بل تعدت ذلك إلى سنّ قوانين تشرّع العداء والعنصرية، وتُجرد الفلسطينيين من حقوقهم التي انتزعوها عبر كفاحهم المرير، والاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم، وذلك تمهيداً لترحيلهم "الترانسفير" المصطلح الذي أصبح يجد له مكاناً في أدبيات التسوية، عبر مصطلحات تبادل الأراضي والسكان، فبات من المتعذر أن تجري عمليات التطهير العرقي من خلال المجازر والترحيل الجماعي، كما جرى إبان النكبة، رغم أن ذلك ليس مستبعداً، وخاصة، عندما يصبح المجتمع الصهيوني مشحوناً بالكراهية والحقد.

ومن أبرز تلك المعطيات، استطلاع للرأي أجرته جمعية حقوق الإنسان في إسرائيل أواخر العام 2010، وقد أظهر «أن العنصرية ازدادت  بشكل كبير في أوساط الجمهور الإسرائيلي، وارتفعت الأحداث العنصرية ضد العرب بنسبة 26% خلال السنة الماضية»، ويقول التقرير إن الاستطلاعات تشير إلى «أن شعور الكراهية لدى اليهود تجاه العرب تنامى بنسبة 100%»، والتقرير الذي نشرت معطياته صحيفة معاريف، وجاء فيه «أن 63% من المجتمع اليهودي  يعتبرون أن عرب إسرائيل يشكلون تهديداً أمنياً، فيما أعرب 68% ، أنهم لا يوافقون على السكن بجوار العرب»، وقال التقرير إن «40%، ذهبوا إلى أن على الدولة العمل  على تهجير العرب»، والأخطر من كل ذلك، كما يكشف التقرير «إن اقتراحات القوانين التي تقدم في الكنيست تزيد من «نزع الشرعية» عن المواطنين العرب، كاشتراط حق التصويت، والحصول على المخصصات بأداء الخدمة العسكرية، أو الخدمة المدنية، وإلزام الوزراء وأعضاء الكنيست بأداء قسم الولاء للدولة اليهودية.

-أبرز القوانين العنصرية:

- قانون يمنح السلطات المحلية الإسرائيلية الحق في منع العرب من العيش في مناطق نفوذها.

- قانون يسمح بمحاكمة كل من يقوم بزيارة دولة في حالة عداء مع إسرائيل، وقد تقدم بمشروع هذا القانون عدد من نواب اليمين.

- قانون يسمح بتقديم كل نائب للمحاكمة في حال قام بمهاجمة إسرائيل، وطابعها اليهودي أثناء تواجده في الخارج.

- قانون «المواطنة» الذي يحظر على فلسطينيي عام 48 العيش مع زوجاتهم، أو أزواجهم في حال تزوجوا من الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أن القانون نزع بأثر رجعي الحقوق التي تمنح لفلسطينيي عام 48 الذين تزوجوا من الضفة وغزة.

 - قانون يسمح بخفض مخصصات الضمان الاجتماعي الممنوحة للعائلات كثيرة الأولاد، وبرّر النواب الذين تقدموا بمشروع القانون بالقول إنه جاء لدفع فلسطينيي 48 لتقليص أعداد مواليدهم.

-ومن أخطر القوانين العنصرية التي صادقت عليها الكنيست،  كان التعديلات على "قانون المواطنة" العنصري، والتي تمدد سريان مفعول القانون حتى نهاية تموز/ يوليو 2008. وصوّت مع القانون 34 عضواً من كنيست، ويمنع "قانون المواطنة" لمّ شمل العائلات التي يحمل أحد الوالدين فيها، فقط المواطنة الإسرائيلية حتى عمر35 للرجال، و عمر 25 للنساء.

- قانون عنصري يمنع "تأجير" ما يعرف «بأراضي الدولة» لغير اليهود، أي للعرب الفلسطينيين، وتلك الأراضي بحقيقة الأمر هي أملاك الغائبين الفلسطينيين(اللاجئين)، وأراضي المشاع، والأراضي التي صودرت من أصحابها العرب، ويضمن القانون بقاء ما يسمّى «أراضي الدولة» في أيد يهودية، كما أنه يضمن ألا ينجح أيّ اعتراض عربي على التمييز الصارخ ضد العرب في توزيع الأراضي في أيّ اختبار قضائي.

ومن أبرز مظاهر العداء وأكثرها خطورة سياسة هدم المنازل، والشواهد على ذلك كثيرة، ففي قرى النقب والجليل هدمت مئات المنازل، وهناك آلاف منها مهددة بالهدم سلمت للمئات من ساكينيها إنذارات لإخلائها، وفي مدينة اللّد هُدمت عشرات البيوت، وهناك مئات مهددة بالهدم، وفي يافا، أيضاً، هُدمت عشرات المنازل، و أكثر من 500 منزل من أصل 3000 منزل مهدد بالهدم ساكنيه من العرب، ومن المفارقات العنصرية التي أشار إليها سكان يافا، أنه وبحسب قانون الإسكان فإن ملكية البيوت العربية تابعة لشركة "عميدار" ويمنع سكن عائلتين في البيت الواحد، إلا بموافقة "عميدار" أي أن الابن لا يستطيع أن يتزوج ويسكن عند والده، والأب لا يستطيع توريث البيت لابنه، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون ابنه قد سكن عنده قبل 6 أشهر من وفاته.

ومن الناحية الأيديولوجية فإن أدبيات الأحزاب الصهيونية تعجُّ بالعنصرية، والتحريض ضد العرب، ووصفهم بأوصاف لا تليق بالبشر، ومن بين أكثر تلك الأحزاب تحريضاً حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان، هذا بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه المؤسسة الدينية، ومدارسها التي تُعتبر رأس حربة في الدفاع عن الاستيطان، وتأجيج الحقد والكراهية ضد العرب، واتباع سياسة التحريض، و التمييز العنصري في الجامعات، هذا بمجمله انعكس في نتائج انتخابات الكنيست مؤخراً، فصعود اليمين المتطرف لم يأتِ من فراغ.

حوالي مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون في ظل القهر، والعنصرية الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المغتصبة عام 48، شُغلهم الشاغل البحث عن الهوية في دولة لم تُحسم هويتها بعد، أهي دولة جميع مواطنيها وفق أسس ديمقراطية تحترم وجود أقلية قومية صاحبة حق في الوجود والأرض والمصير والمواطنة الكاملة، أم هي دولة «يهودية» تسبغ على وجهها مسحة ديمقراطية زائفة، فإذا كانت أسئلة الهوية في إسرائيل تتجه نحو «التهويد»، إلى أين إذاً، يتجه العرب، وكيف سيخرجون شعار «المواطنة الكاملة»، أو الأسرلة بمعنى أدق ، ففي الجانب العربي المعركة تدور حول مطلب «المواطنة الكاملة»، والذي بات يشكل عنواناً لطموح وأماني المواطنين العرب في إسرائيل، وهو ما اصطُلح على تسميته «استكمال الأسرلة»، فإذا كانت إسرائيل تسير نحو «التهويد»، أي أنها تضع مفهوم الأسرلة في تعارض مع المصلحة القومية للفلسطينيين، فهذا يعني أزمة برنامجية فلسطينية في الطريق نحو التعامل مع المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، وخاصة، الكنيست.

 إن تفاقم العنصرية داخل المجتمع الصهيوني والمؤسسة الرسمية الإسرائيلية، سيعيد الصراع على أرض فلسطين إلى المربع الأول، وخاصة، إذا ما أضيف إليه قيام إسرائيل بتقويض أسس الدولة الفلسطينية، كل ذلك سوف يضع إسرائيل في مواجهة حقيقية مع خيار ثنائية القومية الذي تخشاه، وسوف تؤدي تلك السياسة العنصرية إلى فتح ساحات الكفاح الفلسطيني على بعضها البعض، وبالتالي سيفتح الطريق نحو هزيمة المشروع الصهيوني العنصري على أرض فلسطين، لذا قد لا نستغرب القيام بعملية إعادة صياغة الخطاب الإعلامي الصهيوني، ليصبح أكثر اقتراباً من وجهه الحقيقي، وأكثر تعبيراً عن التيارات والأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة، أي أنه سيحاول تدريجياً التخلي عن "المهنية" التي ادعاها لأنها أصبحت عبئاً عليه، وما جرى مؤخراً في صحيفة معاريف، وما يجري في هأرتس وكذلك القناة العاشرة، لخير دليل على ذلك، فتحت عنوان الأزمة المالية التي تعصف بتلك المؤسسات، وكان بمقدور نتنياهو وحكومته التدخل لجدولة ديون تلك المؤسسات الإعلامية، إلا أنه لم يتدخل، فأصبحت معاريف مملوكة للمستوطنين، وبالتالي ستبث رسائل مباشرة، بعيداً عن المراوغة القديمة للصحيفة وادعاء الوسطية والتوازن، وذات المصير قد ينتظر هآرتس وكذلك القناة العاشرة، وقدْ جاءتْ خطةُ الإنقاذِ منَ الأزْمةِ التي تعصف بها اليومَ من جمهور المستوطنين، إذْ أقدم ناشر صحيفةِ "مكور ريشون" ورجلُ الأعمالِ "شلومو بن تسيفي" الداعمانِ للاستيطانِ، على إبرامِ صفقة تنقذ "معاريفَ" منْ خطرِ التوقفِ عنِ الصدورِ،  وتقضي بنقلِ  ملكيةِ أجزاءَ منها  إلى "بنْ تسفي"، ومنْها "اللوغو" ونحوَ خمسين ألف إشتراك إضافة إلى مكاتبِ التحريرِ والموقعِ الإلكترونيّْ. وفيما حالتْ تلكَ الصفقةُ دونَ تسريحِ حوالَيْ سبعين بالمئةِ منَ العاملينَ في الصحيفةِ، فمنَ المتوقَّعِ أنْ تُصبحَ معاريف أكثر يمينية وتطرفاً بعدَ اندماجِها معَ صحيفةِ "مكور ريشون" التي تأسستْ عامَ ألفينِ وأربعةٍ، لتخاطب جمهورَ اليمينِ الاستيطاني المتطرفِ الذي ينتمي إليهِ رجل الأعمالِ "شلومو بن تسفي". وقد بدأت بوادر تلك السياسة من خلال التعاطي مع ملف اقتحامات الأقصى، حيث بدأت سياسة تجاهل ما يجري من اقتحامات يومية للأقصى، بالمحصلة قد نكون في المستقبل القريب على موعد مع إسدال الستار على سياسة إعلامية صهيونية كاملة، لتفتح أمام سياسة جديدة تقوم على أساس عدم الخجل من الوجه الحقيقي للصهيونية، لأن السياسة الإعلامية القديمة قد استنفذت أغراضها.

[1] -خطاب نتنياهو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة 15سبتمر 2005  بعيد فك الارتباط عن غزة.

[2] القاضي ريتشارد غولدستون: قاضي جنوب أفريقي ومدعي عام المحكمة الدولية، ترأس بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بعد العدوان الإسرائيلي على غزة 2009، وتقدم بتقرير أقرّ فيه بارتكاب إسرائيل جرائم حرب أثناء العدوان.

[3] صفقة شاليط: في 10/10/2011 تم التوصل لصفقة يتم بموجبها لإطلاق سراح 1027 أسير فلسطيني و27 أسيرة مقابل الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط.

[4] الإيتسل: المنظمة العسكرية القومية الصهيونية الأرغون سابقاص، وهي المسؤلة عن مجزرة دير ياسين.

[5] بن غوريون: زعيم صهيوني قاد عمليات التطهير العرقي التي رافقت نكبة فلسطين، وأول رئيس وزراء للكيان الصهيوني.

[6] - الحريدي: هم المتدينون اليهود الأرثوذكسيين المتزمتين دينياً، ولفظ حريدي تقابل بالعربية "التقي".

[7] - مرمرة: سفينة تركية جاءات ضمن أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة تعرضت لعدوان إسرائيلي في 31/5/2010 استشهد فيها 13 متضامن أصيب عشرات الجرحى.

[8] - تاغ محير: أو ما عرف بالعمليات الثأرية "دفع الثمن"، نسبة للعمليات الإجرامية التي ينفذها المستوطنون بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم.

[9] - نوعر هغفعوت: أو فتيان الهضاب وهم مجموعات استيطانية شبابية ينتمون لأحزاب دينية صهيونية متطرفة ، أخذت على عاتقها دفع عمليات الاستيطان، وهي المسؤولة عن تنفيذ العمليات الانتقامية بحق الفلسطينيين.

[10] - مجزرة ديرياسين: مذبحة نفذتها العصابات الصهيونية في بلدة دير ياسين الفلسطينية عام 1948. 

[11] الأشكيناز:  هم اليهود الذين تعود أصولهم إلى أوروبا الشرقية، واشكيناز لفظ توراتي ويستخدمه الأدباء اليهود للدللة على ألمانيا وتحديدا المنطقة الواقعة على نهر الرين، وامتد المصطلح ليشمل يهود أوروبا الشرقية والوسطى والغربية ما عدا يهود البلقان لأنهم من السفاردين.

[12] - السفرديم: هم اليهود الشرقيون وهم يختلفون في المذهب عن اليهود الغربيين، وتعود أصولهم الأولى إلى يهود إيبيريا "إسبانيا والبرتغال"، حيث طرودوا منها في القرن الخامس عشر وتفرقوا في شمال إفريقيا وآسيا الصغرى وبلاد الشام.

[13] - شاس: حزب صهيوني ديني يمثل الشريحة المتدينة اليهودية الشرقية، وتسمى بالعربية "حزب الشرقيين المحافظين على التوراة".

[14] - الفلاشا: اسم يطلق على اليهود الأثيوبيين.

[15] - كاديما: حزب أسسه شارون في نوفمبر 2005 بعد انسحابه من الليكود على خلفية خطة فك الارتباط عن غزة، وانضم إليه في حينه ثلث كتلة الليكود في الكنيست وآخرين من حزب العمل.