ذكر صندوق النقد الدولي في تقرير صادر عنه يوم أمس الخميس، إن الأزمة المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية بسبب وقف الاحتلال الاسرائيلي تحويل إيرادات المقاصة (الضرائب والجمارك) تهدد وجود السلطة وقدرتها الاقتصادية على البقاء، متوقعا عجزا نسبته 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 بارتفاع 3 بالمئة تقريبا مقارنة بالعجز في عام 2014.
وأضاف الصندوق، ان العدوان الاخير على قطاع غزة أدى الى انهيار الأنشطة الاقتصادية، لافتا إلى أن البيانات الأولية تشير إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في القطاع بنسبة 32 % في الربع الثالث من 2014، مع توقعات بانكماش الاقتصاد عام 2014 في قطاع غزة بالكامل بنسبة 15 %، دون ان يعط تقديرا لمعدلات نمو الاقتصاد الفلسطيني في 2015، لكنه توقع انكماشا قدره 1% خلال العام الماضي، مقدرا معدل النمو في الضفة الغربية خلال 2014 بنحو 4.5 % مع تباطؤ حاد في الربع الثالث.
وأشار تقرير الصندوق إلى أن معدل البطالة يبلغ في الضفة الغربية حوالى 20 %، بينما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 60 % من الشباب في غزة يعانون من البطالة، موضحا أن هناك معوقات متنوعه تحول دون حدوث تعافٍ اقتصادي في الأراضي الفلسطينية في 2015، من بينها وقف تحويل أموال المقاصة، وهو ما سيؤدي إلى ضغوط مالية عنيفة على السلطة الفلسطينية، والتأثير على الاقتصاد بشكل عام، مشيرا إلى أن الدفع الجزئي للرواتب وكذلك خفض الإنفاق العام، سوف يقود إلى تراجع حاد في الاستهلاك الخاص، كما أن تأثر معدلات الثقة بسبب الأزمة المالية سوف تقود إلى محدودية الاستثمار الخاص.
كما لفت تقرير صندوق النقد الدولي، الى ان عملية إعادة إعمار غزة تشكل معوقا للتعافي، وخاصة أنها تسير بشكل أبطأ مما كان متوقعا، ما يعكس في الغالب عدم وفاء المانحين بتعهداتهم التي قطعوها في مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي عقد في القاهرة العام الماضي، تزامنا مع عدم إحراز تقدم في ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس.
وكان مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة إعمار غزة، المنعقد في القاهرة خلال تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انتهى بتعهدات دولية بتوفير مبلغ 5.4 مليار دولار، منها نحو 2.6 مليار دولار لإعادة إعمار غزة، و المبلغ المتبقي (2.8 مليار دولار) يخصص للموازنة والحكومة الفلسطينية على مدار 3 سنوات قادمة.
وقال التقرير إنه بينما يقدم انخفاض أسعار النفط بعض الدعم للمستهلكين في الأراضي الفلسطينية، فإنه من المتوقع أن يرتفع الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي بشكل متواضع في 2015، مشيرا إلى أن الناتج الإجمالي المحلي في قطاع غزة سيرتفع 10 بالمئة مقارنة بمعدل انكماش قدره 15 بالمئة خلال 2014، بينما سيصل معدل النمو في قطاع غزة إلى 2 بالمئة .
وذكر التقرير إلى أن النمو على المدى القصير سوف يبقى غير كاف لاستيعاب قوة العمل المتزايدة، وسوف تستمر البطالة في الارتفاع ما لم يكن هناك تحسن في المناخ السياسي، الذى من شأنه أن يؤدي إلى رفع القيود الإسرائيلية في الضفة الغربية، والحصار على غزة.
وقال التقرير إن الأزمة المالية الحالية، الناتجة عن وقف تحويل إيرادات المقاصة، من المرجح أن تزداد خلال الأشهر القليلة المقبلة، لافتا إلى أن السلطة الفلسطينية تعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي سوف يستأنف تحويل أموال المقاصة في نيسان/ أبريل أو أيار/ مايو المقبلين، إلا أن تحليل بعثة صندوق النقد للتدفقات النقدية الشهرية يشير إلى تفاقم تدريجي في أزمة السيولة في هذه الأثناء.
وأوضح التقرير، أن السيناريو الأساسي، الذى وضعه الصندوق، يفترض استئناف تحويل إيرادات المقاصة خلال الربيع، مشيرا إلى أن التوقعات الأولية تشير إلى حدوث عجز في موازنة السلطة الفلسطينية بنسبة 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 بارتفاع 3 بالمئة تقريبا مقارنة بالعجز في عام 2014، ولافتا إلى أن الفجوة التمويلية لدى السلطة قد تصل إلى 450 مليون دولار، وذلك بافتراض أن إجمالي الدعم الخارجي بلغ 1.5 مليار دولار، متضمنا 400 مليون دولار مخصصة لإعادة إعمار غزة.
وقال الصندوق إنه يجب على السلطة الفلسطينية، بجانب تحديد زيادات الأجور عند 2 بالمئة، خفض دعم الوقود وصافي الاقتراض، بينما يجب ربط الإنفاق على التنمية في قطاع غزة بتوافر مساعدات المانحين التي تم التعهد بها في مؤتمر القاهرة.
وأشار الصندوق إلى أن الأزمة المالية في فلسطين تمثل تهديدا لوجود السلطة الفلسطينية إذا تركت دون حل، مشيرا إلى إن الجهود الضخمة التي تبذلها السلطة الفلسطينية قد تستطيع احتواء الأزمة لعدة أشهر فقط.
وأضاف التقرير أن صرف دفعات فقط من رواتب الموظفين الحكوميين قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واعتصامات، كما أن ترشيد الإنفاق قد يقوض قدرة السلطة الفلسطينية على توفير الخدمات العامة، وفي نهاية المطاف قدراتها المالية على البقاء.
وختم تقرير صندوق النقد الدولي، بالقول انه في حال استمرار وقف تحويل أموال المقاصة لمدة أطول من الشهور القليلة القادمة، أو فشل دعم المانحين في تلبية التوقعات الأساسية المتواضعة للاقتصاد الفلسطيني، فإن السلطة الفلسطينية يجب أن تبحث اتخاذ تدابير أقوى بما في ذلك تجميد صرف الأجور والبدلات والترقيات، وترشيد التحويلات النقدية للأسر الفقيرة، ووقف دعم الوقود بشكل فوري، وإجراء مزيد من الخفض للحوافز الضريبية، وزيارة الرسوم الحكومية.