اختتم مؤتمر شرم الشيخ الدولي للاستثمار في جمهورية مصر العربية أعماله، بعد أن تجاوز إجمالي قيمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والقروض التي وقّعت مبلغاً وقدره 130 مليار دولار حسب وزير الاستثمار المصري، وما يزيد عن ذلك حسب مصادر أخرى كثيرة،
وسيستثمر معظمها في قطاع الطاقة والبناء، من قبل شركات عربية خليجية وعالمية أبرزها شركة “إعمار” الإماراتية التي ستقوم ببناء عاصمة إدارية مصرية جديدة بقيمة 450 مليار دولار على مدى سبع سنوات، علاوة على شركات اوروبية مثل سيمنز الالمانية التي وقعت عقداً بعشرة مليارات دولار لإقامة مشاريع للطاقة، وشركة بريتش بتروليوم التي وقعت اتفاقية بقيمة 12 مليار دولار لإنتاج الغاز، و”مصدر” الإماراتية لإقامة محطات لتوليد الطاقة الشمسية والرياح بقيمة 9,4 مليار دولار. والمشاريع التي ستنفذ تدخل تحت عنوان المشاريع التنموية الكبيرة، حتى لا نقول العملاقة بالنسبة للمشاريع المصرية الموجودة، وإذا ما نفذت فعلاً فإنها ستحدث وتفعل فعلها في نمو وتطور الشعب المصري الذي ذاق الأمرين من سياسات واتفاقيات نظامي السادات ومبارك، اللذان وعداه بالسمن والعسل قبل وبعد توقيع اتفاقيات العار مع "إسرائيل" في كامب دييفد الأمريكية عام 1979م.
ومنذ أن صعد نجم وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي الذي غدى رئيس مصر ورجلها الوحيد و"إسرائيل" تتغنى وتتفاخر بشهر العسل الذي يجمعها مع النظام المصري الجديد، واعتبر العديد من قادة العدو ومراكز دراساته وأبحاثه الاستراتيجية بأن تحالفهم الذي ترسخ العام الماضي أثناء وبعد العدوان البربري على غزة الصيف الماضي من أبرز إنجازات تلك الحرب، وبالتالي فإنه يهمها استقرار نظام السيسي. فهل "إسرائيل" هي التي تقف وراء انعقاد المؤتمر الاقتصادي الدولي الذي عقد في شرم الشيخ لدعم نظام السيسي؟؟ ولإنقاذ ودعم الاقتصاد المصري المتهالك؟؟ وهل هي سعيدة بما تحقق وأنجز في المؤتمر؟. لا أعتقد ذلك. ولا يمكن أن تكون سعيدة بذلك، مع أن هذه الاستثمارات الأجنبية الضخمة ما كان يمكن أن تتحقق دون الالتزام بالشروط المطلوبة وأبرزها المحافظة على معاهدة "السلام" مع "إسرائيل" واستمرار التطبيع معها، والمضي قدماً في محاربة "الإرهاب" وفق المعايير الغربية. إلا أنني أجزم بأن "إسرائيل" لن تكون سعيدة بها وأجزم بأنها ستتآمر عليها بألف وسيلة ووسيلة.
مما لا شك فيه أن يوم 1532015م سيدخل التاريخ المصري الحديث من أوسع الأبواب بالسلب أو بالإيجاب، صدقت النوايا العربية والدولية مع مصر أم لم تصدق، فإن صدقت وأوفت الدول المشاركة بالمؤتمر بوعودها، فإن آفاقاً رحبة ستفتح أمام تطور اقتصاد ومستقبل البلاد، وإلا فإن الإحباط واليأس سيسيطر على عامة الناس ويتزعزع الإستقرار الراهن وينتشر "الإرهاب" وتعم الفوضى.
إنه نجاح طالما حلم به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وطالما انتظره الشعب المصري بفارغ الصبر، وما اعتبار الصحافة المصرية للمؤتمر بأنه «فتح اقتصادي غير مسبوق في مصر»، والتقاط صور «السلفي» للرئيس المصري في ختام أعمال المؤتمر، ودموع الفرح التي انهمرت من عيون رئيس وزرائه خير دليل وشاهد على ما نقول، فاستثمار بهذا القدر من عشرات المليارات من المتوقع أن:
■ أن يعطي دفعة قوية للاقتصاد المصري، ويؤدي إلى خلق مئات الآلاف من فرص العمل للشباب المصري الذي يعاني من البطالة، بالإضافة إلى حل أزمة الطاقة المستعصية في مصر من خلال توفير النفط والغاز ومصادر الطاقة البديلة.
■ أن يؤدي هذا لاستقرار سياسي في البلاد ودعم قوي للنظام برئاسة السيسي، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن عودة التسليح والدعم لمصر السيسي.
■ المليارات كالرز وتتكلم، ولسان حالها يقول وبلغة إنكليزية دولية واضحة وعربية فصيحة بأن لمصر وللسيسي على وجه التحديد خصوصية خاصة، وعلى الجميع أن يرتب أوراقه على هذا الأساس، باستثناء "إسرائيل" التي تعتبر فوق الجميع وفوق الأمم وفوق المناطق وفوق كل شيء، ولا أستبعد أن يكون للقيادة المصرية دوراً بارزاً في معالجة الأوضاع السورية والليبية خاصة.
"إسرائيل" التي تعمل ليلاً ونهاراً على تفتيت المفتت وتقسيم المقسم حتى تكون وتبقى هي الأكبر والأقوى، ﻻ يمكن أن تقبل وتقرّ لأحد بغير هذا الذي تريد ومن أجله "تجاهد"، فكيف تقبل بوجود مصر القوية؟؟!! إذ من الطبيعي أن تحقق هذه الاستثمارات والمليارات إذا ما أحسن استثمارها واستخدامها وتم ترجمتها عملياً، ودون معوقات، أن تحقق تطوراً نوعياً في حياة مصر وأهلها، وستفتح الطريق أمام مصرين بدلاً من مصر واحدة. خاصة إذا ما نفذ رئيس الحكومة المصرية ما وعد به، من أنه سيقضي على أي فساد أو إهمال لتحقيق الهدف، وأنه تم تكليف مجموعة وزارية لمتابعة تنفيذ نتائج المؤتمر على مدار الساعة، وإذا ما تحققت وحدة وطنية حقيقية وتم القضاء على "الإرهاب"، والأهم من كل هذا وذاك اليقظة ثم اليقظة من الدسائس الإسرائيلية.
إننا نحلم ونتطلع لنهضة مصر العزيزة، ولكننا على يقين علمي وتاريخي، وليس عاطفي لأننا فلسطينيون، بأن مصر لا يمكن أن تتحق عظمتها، إن لم تكن قلب العروبة النابض، ولا يمكن أن تكون كذلك إلا بتحمّل مسؤوليتها القومية وفي القلب والصدارة منها فلسطين المغتصبة. ولي أمل ورجاء أن لا يتأخر هذا الوعي والإدراك المغيبان حالياً.
صابر عارف