كلما اقترب موعد "الانتخابات الإسرائيلية" في 17 مارس/آذار الجاري، تتضح القرارات "الإسرائيلية" في الشأن الفلسطيني، والتي ينوي بنيامين نتنياهو اتخاذها في حال ترؤسه حكومة جديدة. فلقد أعلن، في الثامن من الشهر الجاري، بشكل جازم أنه لن يكون هناك أي انسحاب من الضفة الغربية،
ولن تكون هناك أي تنازلات للفلسطينيين، ما يعني أن استئناف ما تسمى المفاوضات لن يكون سوى تمرينات عبثية. كما أن الموقف الذي أطلقه نتنياهو عام 2009 في جامعة بار ايلان، أنه "يؤيد دولة فلسطينية" لم يعد قائماً، فبحسب بيان صدر عن حملة حزب الليكود "هذه الفكرة لم تعد واردة، وخطاب نتنياهو في بار ايلان لاغٍ". فور صدور هذا الموقف، سارع مكتب نتنياهو إلى التراجع عن هذه الأقوال، واعتبر ما حصل لبساً لا أكثر، وأن "رئيس الوزراء الإسرائيلي" أراد القول إن "إسرائيل" لن تنسحب من أية أراض، خوفاً من أن يستولي عليها "الإسلاميون". ويعود هذا "الالتباس" إلى محاولة نتنياهو ضمان أصوات المتشددين اليمينيين، لا سيما من "سكان" المستوطنات في "الانتخابات"، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على الادعاء بأن "إسرائيل" تسعى إلى "تحقيق سلام مع الفلسطينيين".
يمكن القول إن نتائج "المعركة الانتخابية" التي يخوضها نتنياهو وحزب الليكود، ضد التحالف الذي يتزعمه حزب العمل غير مضمونة. هذا الأمر يعني أن نتنياهو سيسعى إلى الفوز بالأصوات الأكثر منه يمينية (إن كان هذا ممكناً)، ولا سيما أنه خسر تأييد "وسطيين" كثيرين على خلفية إلقائه كلمة في الكونغرس، وتحديه الرئيس الأميركي باراك أوباما. وباتت تسود قناعة، اليوم، أن ما قام به نتنياهو في الكونغرس أفقد "إسرائيل" التأييد أو شبه الإجماع الذي كانت تتمتع به في الولايات المتحدة، وبالتالي، أحدث خطابه، وعلى الرغم من التصفيق والتهجم على الرئيس أوباما، استياءً كبيراً في أوساط الحزب الديمقراطي، يتنامى خصوصاً بين فئات كثيرة من اليهود الأميركيين، ولا سيما بين أوساط "الطلاب والمثقفين منهم".
طبعاً، ليس بالإمكان التكهن بما ستؤول إليه نتائج "الانتخابات الإسرائيلية"، بعد نحو أسبوع، إلا أن ما أصبح أكثر وضوحاً أن النتائج يتوقع أن تكون متقاربة. وفي هذه الحالة، من المرجح أن تكون "الحكومة الإسرائيلية" المقبلة، ائتلافاً واسعاً من أحزاب ذات توجهات متباينة، وقد تضم أحزاباً يمينية، ترفض أي "سلام". وبناء على ذلك، يتحتم على الحكومة الفلسطينية وضع استراتيجية لمجابهة أي "حكومة إسرائيلية" مقبلة، برئاسة نتنياهو أو غيره.
ويجب أن تعيد هذه الاستراتيجية التأكيد على ثوابت المطالب الشرعية للشعب الفلسطيني، وأن تكون الوحدة الوطنية السمة الرئيسية لمرجعية المقاومة الفلسطينية وأولويتها. كما أن التمايز بين مختلف الفصائل لا يجب أن ينعكس اختلافاً، وهذا يحتاج إلى عنصر رئيسي، هو: مرجعية سياسية وطنية، تشجع على التنوع في الرأي وتلغي التشرذم. المرحلة تتطلب إذاً إعادة الشرعية لوحدة القيادة الفلسطينية ووحدة الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
كما يجب أن تكون هذه الوحدة متنوعة الأطياف، تستبدل التعددية التي نشهدها اليوم، والتي ترسخ التباعد في مرحلة يحتاج الشعب الفلسطيني إلى وحدته، لا في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس كعاصمة لفلسطين فحسب، بل أيضاً تأكيد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والحقوق الكاملة لفلسطينيي الداخل، والذين.. يؤكدون تجذرهم في أرض وطنهم.
أكثر من أي وقت مضى، ووسط ما هو حاصل في حال الأمة، تبقى فلسطين البوصلة، وهي الضمانة التي تؤهلنا لاسترجاع ما افتقدناه جراء الشرذمة الحالية، والتي سلبت منا قدرتنا على تقرير مصيرنا. كانت فلسطين الالتزام الأصلب لجماهير الأمة العربية، وحان الوقت لأن نعود إلى هذا الالتزام وتوحيد القيادة الفلسطينية، لكي تكون ملهمة وطليعة المجابهة العربية للمطامع والأهداف الصهيونية. كما يجب أن تكون تلك القيادة أكثر فعالية، في التزامها بالمقاومة بالوسائل السياسية والسلمية، وعند الضرورة المقاومة المسلحة، وأن تعيد الجماهير العربية إلى سابق التزامها بفلسطين.
(مفكر وديبلوماسي عربي)