حلمي موسى عمد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في خطابه أمام المؤتمر السنوي للوبي الصهيوني ـ «إيباك»، أمس، إلى استخدام لهجة تصالحية مع الإدارة الأميركية والحزب الديموقراطي، برغم إصراره على خطر الاتفاق النووي مع إيران. ويعتبر خطابه هذا تمهيداً لخطابه المرتقب اليوم أمام مجلسي الكونغرس الذي كان في صلب التوتر بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية.
وفي مستهل خطابه أمام مؤتمر «إيباك»، قال نتنياهو، في إشارة لخطابه اليوم، إنه «لم يسبق أبداً أن كتب بمثل هذا الحجم عن خطاب لم يلق بعد. وأنا لا أنوي اليوم الحديث عن فحوى الخطاب، لكني أريد الحديث عن غاية الخطاب. إنه ليس معداً لإظهار عدم الاحترام لأوباما. فأنا أكنّ احتراماً شديداً للرئيس. وأنا أقدر جداً كل ما فعله أوباما من أجل إسرائيل، التعاون الأمني، الاستخبارات المشتركة، الدعم في الأمم المتحدة وأمور محظور الحديث عنها، وأنا ممنون لدعمه وعليكم أيضاً الامتنان له».
وأضاف رئيس الحكومة الإسرائيلية أن «خطابي ليس معداً أيضاً من أجل إدخال إسرائيل إلى السياسة الداخلية الأميركية... ان سبباً مهماً لتعزيز التحالف بيننا هو دعم طرفي الحلبة السياسية الأميركية، وهذا ما يجب أن يبقى. ان آخر ما يرغب به كل مهتم بإسرائيل أن تغدو إسرائيل موضوعاً حزبياً. ويؤسفني أن أناساً فسّروا نياتي هكذا».
وشدد نتنياهو على أن «غاية خطابي هي الحديث عن صفقة محتملة مع إيران قد تعرّض وجود إسرائيل للخطر. فإيران هي الداعم الأكبر للإرهاب في العالم. وإيران تدرب وتسلح إرهابيين في القارات الخمس. وهذا ما تفعله إيران حالياً من دون سلاح نووي. تخيلوا ما ستفعله إيران إن امتلكت سلاحاً نووياً. لقد تعهدت إيران بإبادة إسرائيل. وإذا امتلكت سلاحاً نووياً، فيمكنها فعل ذلك، محظور علينا السماح لها بذلك».
وخلص نتنياهو إلى أن «الشعب اليهودي طوال ألفي عام كان بلا دولة، بلا حماية وعديم الصوت... كفى، لقد ولّت الأيام التي كان فيها الشعب اليهودي صامتاً أمام التهديدات بتدميرنا... نحن نحمي دولتنا السيادية حالياً بأنفسنا. ومن أجل حماية أنفسنا نرتبط بآخرين، خصوصاً الولايات المتحدة، ونعمل سوياً ضد الأخطار المشتركة. في منطقتنا، لا أحد يقيم تحالفاً مع الضعفاء. أنت تبحث عن مالكي القوة والوسائل والعزم. وفي دفاعنا عن أنفسنا نخلق الأساس لتحالف أوسع».
وكان وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينت قد وصف الاتفاق مع إيران في خطابه أمام مؤتمر «إيباك» أمس، بالـ «كارثة بأبعاد تاريخية». وأضاف أن «الاتفاق المتبلور مع إيران يقدم تسويغاً لتخصيب اليورانيوم وللمشروع النووي الإيراني، ويمهّد لإيران طريقاً واضحاً لامتلاك سلاح نووي خلال بضع سنوات».
وسبقت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، سمانثا باور نتنياهو، فأوضحت أمام «إيباك» التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل حتى في الاتفاق النووي بين القوى العظمى وإيران.
وبدأت باور خطابها في تلميح ذي مغزى: «لا أدري إن كنتم سمعتم، ولكن رئيس الحكومة في المدينة. والشائعات تقول إنه سيلقي خطابات عدة أيضاً. مؤكد أنكم سمعتم أيضاً مؤخراً عن توتر العلاقات الأميركية مع إسرائيل». وأضافت أن «الولايات المتحدة تحارب يومياً ضد اللاسامية حول العالم وضد الحملات على إسرائيل في الأمم المتحدة».
وشددت على العلاقات مع إسرائيل مذكّرة أن الولايات المتحدة اعترفت بإسرائيل بعد 11 دقيقة من إعلانها، مؤكدة على الشراكة التي «محظور أبداً أن تتحول إلى لعبة سياسية ومحظور أن تتحطم». وذكرت باور أن إدارة الرئيس أوباما استثمرت وحدها أكثر من 20 مليار دولار في أمن إسرائيل وأن قرار واشنطن هو: «منع إيران من امتلاك سلاح نووي. نقطة على السطر. والرئيس ملتزم، سواء فشلت المحادثات أم نجحت، فإن الولايات المتحدة ستبذل كل جهد للدفاع عن أمننا وأمن صديقتنا».
لكن الأنظار تتجه أكثر نحو خطاب سوزان رايس أمام «إيباك»، خصوصاً أنها تقود تاريخياً الحملة في إدارة أوباما ضد اليمين الإسرائيلي. كما أن رايس أكثر من سواها مسؤولة عن مجال العلاقات الإستراتيجية والأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة، وهي التي أعلنت أن نتنياهو يخرب العلاقات بين الدولتين.
وأشار مراقبون إلى أنه جرت في واشنطن مقامرة كبرى. فبعد انتهاء خطاب نتنياهو أمام «إيباك» أمس، وقبل خطابه اليوم، منح أوباما مقابلة صحفية لوكالة «رويترز».
وفي نظر المراقبين فإن مجرد الإعلان عن المقابلة يدخل في باب اللعبة المعقّدة في الحلبة الأميركية على كسب الرأي العام.
وقال الرئيس الأميركي إنه يجب على إيران أن تلزم نفسها بتجميد لأنشطتها النووية يمكن التحقق منه لعشر سنوات على الأقل من أجل التوصل إلى اتفاق نووي مهم.
وفي مقابلته مع «رويترز» في البيت الأبيض قال أوباما إن خلافاً مع إسرائيل بسبب الكلمة التي من المزمع أن يلقيها نتنياهو هو «خلاف عابر» لن يكون له «ضرر دائم» على الروابط بين الولايات المتحدة واسرائيل.
لكنه أضاف أنه يوجد «اختلاف مهم» بين إدارته والحكومة الإسرائيلية، حول كيفية تحقيق هدفهما المشترك لمنع إيران من حيازة إسلحة نووية.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد عرضت أمس، خطابي باور ورايس بوصفهما جزء من خطة الرد الإعلامي التي أعدها البيت الأبيض والرامية إلى إثبات أن الاتفاق مع إيران جيد لأمن إسرائيل وليس كما يشيع نتنياهو. وتكتمل الخطة بمقابلة أوباما مع «رويترز»، والتي قد يعرض فيها جانباً من تفاصيل الاتفاق.
وقد سبق الخطاب تأكيد من جانب المقرّبين من نتنياهو أنه لن يعمل على تصعيد الأزمة بل سيحاول احتواءها. ولكن كان هناك في حاشية نتنياهو من قال إن «إسرائيل تعرف الكثير جداً عن الاتفاق المتبلور. وهذه معلومات لا يعرفها الكونغرس. وبحسب المعلومات فإن الاتفاق سيء لأنه يبقي لدى الأميركيين قدرة يمكن أن تقود بقرار واحد من الزعيم إلى قنبلة نووية لاحقاً. مهمتنا التحذير من الخطر الوشيك». وقد ردّ جون كيري في جنيف على تلميحات حاشية نتنياهو فأعلن أنه «قلق» من التقارير حول تسريب «عدة نقاط» من الاتفاق مع إيران.
وخلافاً للانطباعات السائدة حاول أعضاء حاشية نتنياهو الإيحاء بأن الاتصالات جيدة مع الإدارة، وأن نتنياهو يكنّ احتراماً شديداً للرئيس أوباما. ويذكرون أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يوسي كوهين، التقى قبل أيام مع رئيسة طاقم المفاوضات مع إيران ويندي شيرمان وأن كيري دخل إلى الاجتماع. وبعدها اجتمع كوهين بمستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس. وخفف رجال نتنياهو من حدة تقديراتهم بقرب التوقيع على الاتفاق، وصاروا يتحدثون عن احتمال عدم التوقيع عليه لا في 24 آذار ولا حتى في 31 منه.
واستبعد البيت الأبيض أن تعقّد كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الكونغرس المحادثات النووية الجارية مع إيران. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست للصحافيين إن «هذا غير متوقع... وهذا لأن المجتمع الدولي متحد مع استمرارنا في السعي وراء حل ديبلوماسي لبواعث قلق المجتمع الدولي بشأن برنامج إيران النووي».
وتوضح مصادر إسرائيلية أن الاتفاق النووي مع إيران لن يسمى اتفاقاً وإنما «خطة مشتركة»، وذلك لتجنب الحاجة إلى مصادقة الكونغرس عليه. ولذلك فإن غاية نتنياهو هي خلق رادع يكبح لهاث إدارة أوباما للتوقيع عليه، فضلاً عن إيمانه أن بوسع الكونغرس بغالبية جمهورية عرقلة الخطوة.