Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

أطفال فلـسطين.. شعاع النصر الذي لا يخبو وميضه.. عادل أبو هاشم

أطفال فلـسطين.. شعاع النصر الذي لا يخبو وميضه.. عادل أبو هاشم

  يأتي الأفراج عن الطفلة الفلسطينية البطلة ملاك يوسف الخطيب ــ التي لم تكمل الرابعة عشرة من عمرها ــ  من قبل "الحكومة الإسرائيلية" بعد أن مكثت في سجون العدو شهرين بتهمة إلقاء الحجارة على جنوده، ليلقي مزيداً من الضوء عن الطفل الفلسطيني.. معاناته وأوضاعه، بطولته ومستقبله.

فالطفل الفلسطيني ــ خلافاً لكل أطفال العالم ــ يولد وهو يحمل معاناته معه، فإما يولد بعيداً عن أرض وطنه، أو يولد ويترعرع تحت سطوة المحتل وتكبر معه معاناته، وتكبر فيه المقاومة والشعور بالعداء لمحتلي أرضه، ومن هذه المعادلة البسيطة تنمو شخصية الفلسطيني المقاوم.

 إنهم أطفال فلسطين.. جيل الانتفاضة.. أطفال الحجارة.. أبطال النصر.. الذين امتشقوا أحلامهم ومآسيهم والحجر، فارضين على العالم صورة جديدة للطفل، مجترحين معجزة المواجهة المريرة بأكثر الأدوات بساطة..!

 هم شعاع النصر الـذي لا يخبو وميه، وهم المشروع المستقبلي وعدة المجابهة التاريخية للمشروع النقيض على أرض وطنهم.. مشروع تكريس الاحتلال والهيمنة والتوسع الإسرائيلي.

هؤلاء الأطفال الذين كبروا بفعلهم في عيون الدنيا قاطبة، يشكلون أحد إستهدافات المخطط الصهيوني لتدمير الذات الفلسطينية، وإن أستهدافهم يعني استهداف بذور تتحرك بتسارع في أرضية الصراع والمواجهة، وتومئ إلى مستقبل يشرع أبوابه على أفق التحرر والاستقلال.

لقد أستيقظ هؤلاء الأطفال في ظلام الاحتلال على طفولة شقية موزعة بين حلم الإنعتاق وحنين الاستقلال، وفي كلتا الحالتين كان البحث عن الهوية وتأكيدها هاجساً ينمو مع العمر.

لقد تنوعت الأساليب العدوانية التي مارستها سلطات الاحتلال الصهيوني ضد الطفل الفلسطيني، فاتخذت أشكالاً مختلفة كالقتل المتعمد إلى الحرمان من التعليم بإغلاق المؤسسات التعليمية مدداً طويلة، إلى جانب اتخاذ المدارس ثكنات عسكرية وتدمير أثاثها وأدواتها، وإطلاق صفارات الخطر لترويع الأطفال ومنعهم من النوم، واستخدام الأساليب النفسية كضرب الآباء أمام الأبناء، واقتياد الأطفال إلى أماكن خالية وضربهم بعنف الأمر الذي أدى أحياناً إلى خرس مفاجئ أو فقدان للوعي، وفرض منع التجول على أحياء ومخيمات عديدة لمدد طويلة تتجاوز شهوراً وما يترتب على ذلك من نقص لحليب الأطفال والأغذية ومراجعة الأطباء.

إن آلاف الأطفال الفلسطينيين ولدوا بعد أن دخل آبائهم السجن، ولم يروهم إلا بعد سنوات عديدة، وآلاف الأطفال لا زالت مناظر هدم المنازل التي ولدوا وعاشوا فيها أو هدم منزل الأقارب والجيران ماثلة أمامهم، وصورة الجنود المدججين بالسلاح وهم يقومون بعملية النسف أو الهدم لن تغادر ذاكرة هؤلاء الأطفال فقد انطبعت فيها للأبد.

وفي كل انتفاضة شعبية ضد المحتل يقفز أطفال فلسطين الذين ولدوا في ظل الاحتلال وتفتحت عيونهم لتطبع في ذاكرتهم صور القمع الوحشية لقوات العدو الصهيوني، يقفزون إلى قلب الدائرة المشتعلة، أطفالاً كبروا قبل الأوان أو كما عبّرت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان:

(كبروا أكثر من سنوات العمر)..!

فرغم أن الانتفاضة بوتقة نضالية استطاعت أن تستوعب كل جموع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة لمواجهة العدو الصهيوني، غير أن اللافت للنظر هي المشاركة المتميزة  للطفل الفلسطيني ومعاناته النضالية التي يتحملها يومياً من جراء  مشاركته في الانتفاضة، فتعليق الأعلام وكتابة الشعارات الوطنية وإقامة المتاريس في الشوارع والتصدي لآليات الاحتلال العسكرية، جميعها مهام نضالية تكفّل بها الأطفال، كما أن نسبة الشهداء والجرحى تشير بوضوح إلى نسبة مشاركة الأطفال الفلسطينيين في الانتفاضة، كذلك عدد المعتقلين  بسجون الاحتلال الذي يعتقل 197 طفلاً فلسطينياً شهرياً..!

لقد كان للانتفاضة الشعبية الأولى (1987 ــ 1994)، والثانية (2000 ــ 2005) الأثر الكبير في سلوك الطفل، وفي رسم طريقة تفكيره وفي ممارسته اليومية وحياته التي يعيشها، حيث خلقت من الطفل الفلسطيني طفلاً آخر له سمات مميزة تميزه عن باقي أطفال العالم، فسياسة الضرب المبرح التي يتعرض لها الطفل من قوات الاحتلال، وسياسة الاعتقال والقتل ومداهمة المنازل أثناء الليل والتنكيل بالمواطنين كانت سبباً كبيراً لتنامي عنصر التمرد لدى الطفل الفلسطيني، حيث تتولد عنده ردة فعل عنيفة ينعكس من خلالها سلوكه اليومي، وجعلت منه طفلاً تلاشت عنده حاسة الخوف، وامتلكته الجرأة والإقدام على المغامرة، وعدم المبالاة بالمخاطر المترتبة على هذا السلوك، وأصبح طفل الحجارة مستهدفاً في كل شبر داخل فلسطين المحتلة، كأنه قنبلة موقوتة يخشى المحتل الصهيوني انفجارها لتدميره.

وقامت سلطات الاحتلال الصهيوني ــ عدوة الأطفال الأولى ــ بتوسيع دائرة القمع والتنكيل باليد البريئة التي ترفع علامة النصر بكل صدق وتحد في وجه المحتل، فأخذت تطلق النار لقتل أطفال الحجارة ونصب الكمائن والمحاكمات العسكرية لأطفال دون العاشرة، وتعذيب الأطفال في زنازين ومعتقلات الاحتلال، وفرض الإقامة الجبرية وخطف وتنكيل واحتجاز وقتل متعمد لأطفال الانتفاضة أمام العالم الذي بات مندهشاً من حجم التصرفات الخرقاء للكيان الإسرائيلي بأسره تجاه الشعب الفلسطيني عامة والأطفال خصوصاً.

إن تركيز العدو الصهيوني على قتل أطفال الشعب الفلسطيني لم يأت عشوائياً، وإنما جاء ضمن خطة صهيونية بعيدة المدى تمضي في اتجاهات متعددة لتصل إلى هدفها النهائي، وهو شنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني ابتداء من الإبعاد والتهجير القسري الذي ينفذه الاحتلال الإسرائيلي، ومروراً بتهويد وضم ومصادرة الأراضي، إلى القتل اليومي للأطفال والنساء والشيوخ والأجنة في بطون النساء، وحرق الفتيان الصغار في براميل القمامة، ودفن الأحياء في التراب، واختطاف الأطفال من قبل المستوطنين وقتلهم في مناطق نائية..!

إن أكثر ما يزعج الصهيونية منذ إنشائها هو التوالد الفلسطيني، وأصدق دليل على ذلك ما  قالته غولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة:

(إن أكثر ما يؤرقني هو عندما تلد امرأة فلسطينية مولوداً جديداً فأشعر أن جزءاً من الحلم الصهيوني ينهار مع ازدياد التوالد الفلسطيني)..!

من هنا جاء التركيز الإسرائيلي على قتل الأطفال الفلسطينيين وإجهاض النساء الفلسطينيات، ومن تفلت بمولودها من الإرهاب الصهيوني تصطاده جنازير الدبابات الصهيونية، ورصاص القناصة الكاتمة للصوت من فوق أسطح المنازل، وقنابل الغاز، ووسائل الإرهاب والقمع الإسرائيلي الأخرى.

إن نتائج القمع الإسرائيلي للأطفال الفلسطينيين أكثر من أن تحصى، وهي لا تبدو نتيجة لمشاركة الأطفال في أحداث الانتفاضتين وفعالياتهما فقط، بل أن بعض أعمال القمع والإرهاب والقتل طالت أطفال لم يشاركوا في أنشطة الانتفاضة، أطفال كانوا  في أحضان أمهاتهم أو كانوا يلهون في الشوارع والأزقة، وبعضهم كان ذاهباً لشراء قطع الحلوى فأصابهم القمع الإسرائيلي قتلاً وجرحاً واعتقالاً.

إن الطفل الفلسطيني الذي أمسك بالحجر، نذر نفسه لأن يكون مشروع شهيد، وها هي قائمة شهداء الانتفاضة من أطفال فلسطين تتطاول وتتزاحم فيها أسماء.

لهذا فإنه من غير المبالغ فيه أن نقول أن أطفال الحجارة.. أطفال النصر.. أطفال الانتفاضة الذين تمرسوا بالعمل والنضال ضد الاحتلال، وذاقوا مرارة حرمان الحرية من صغرهم، وقاسوا من عذابات الضرب والاعتقال في سجون العدو ومعسكرات الاعتقال النازية الجديدة يصوغون الآن حالة الوعي الفلسطيني غير القابل للتزييف والتغييب والاستلاب، فالوضع السياسي للشعب أصبح الصورة اليومية لنفسية الطفل، وأن أطفال فلسطين هم حقاً مستقبل زاهر لم تستطع كل أدوات القمع الخرافية التي أستخدمها العدو الصهيوني أن تحد من تناميه وقوته وعظمته.