Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

قادة "إسرائيل" يتعلمون الاحتفاظ بحق الرد!.. محمد ياغي

قادة

  ما كان للسيد حسن نصر الله الذي كرّس لنفسه وحزبه مصداقية عالية، يشهد له بها الأعداء قبل الحلفاء، ان يطل على الإعلام بعد الغارة الإسرائيلية على القنيطرة ليقول: سنرد في المكان والزمان المناسبين. كان عليه، كما فعل، أن يصدر تعليماته بالرد وان يخرج بعدها ليقول: هذا جزء من ردنا، وإذا أرادوا اختبارنا أكثر فليفعلوا.

هذا جزء من خطاب صاغه «حزب الله» منذ سنوات عديدة سبقت حرب تموز العام 2006، وكرسه خلالها السيد نصر الله بمقولته الشهيرة، أثناء اعتداء الفرقاطة الإسرائيلية «تساغر» على لبنان: انظروا إليها تحترق.. وكانت تحترق.

عملية مزارع شبعا الأخيرة لا يجب رؤيتها في سياق الرد على قتل إسرائيل لعناصر المقاومة في القنيطرة فقط، ولكن في سياق فرض معادلة ردع جديدة تشمل سورية. هنالك مخاوف حقيقية لدى سورية وإيران وحزب الله من أن تموضع الجماعات التكفيرية وخصوصاً جبهة النصرة على حدود الجولان يعني حصول هذه الجماعات على ظهير آمن لها. حتى لو تحدثنا بحذر عن دعم إسرائيل لهذه الجماعات، على اعتبار أن مصادر هذه المعلومات تأتي من دمشق، فإن قيام الجيش السوري أو حزب الله بالرد على هذه الجماعات عادة ما يصاحبه تدخل إسرائيلي لضرب الجيش السوري بذريعة أن قذائف سورية سقطت على الجولان.

من هنا كما يبدو جاء قرار حزب الله الذي عبر عنه السيد نصر الله في حديثه مع قناة الميادين بأن الجبهة واحدة من مزارع شبعا في لبنان الى الجولان في سورية. كانت رسالة تحذير لدولة الاحتلال بأن عليها ألا تتورط في الصراع الدائر في سورية. إسرائيل اختارت اختبار الرسالة وكانت عملية قتل مقاومي «حزب الله». الرد كان سريعاً وحاسماً بأن الجبهة واحدة، وأتى من مزارع شبعا.

الراغبون في التشكيك في «حزب الله» يقولون إن هذا الرد كان مدروساً لأن مزارع شبعا خارج قرار الأمم المتحدة رقم 1701 لأنها منطقة متنازع عليها مع لبنان. وفي السياق يقولون إن المقاومة لتحرير مزارع شبعا تحظى بموافقة حكومية لبنانية. بمعنى أن «الحزب» قام بعملية رد بعد حسابات واضحة من حيث المكان. وكأن «المقاومة» عليها أن تكون «مجنونة» وبلا حسابات إستراتيجية لما تقوم به.

هل كان على حزب الله أن يرد من الجولان؟ للبعض كان الرد سيكون أقوى لو تم منها. لكن هدف حزب الله لم يكن استدعاء رد إسرائيلي على سورية.. ولم يكن استدعاء حرب شاملة لا يسعى إليها الآن، ولكن تكريس معادلة أن الجبهة واحدة، وأن عمليات إسرائيل في سورية من حين لآخر والتي تهدف الى تقوية الجماعات التكفيرية المسلحة بإضعاف الجيش السوري، لن يتم الصمت عنها وسيكون لها ثمن، وهو ما كان. هذا لا يعني أن إسرائيل ستوقف هجماتها العسكرية على سورية في القريب العاجل، لكنها ستكون أكثر حذراً، وستمتنع على الأقل عن استهداف عناصر حزب الله في سورية. لكنها ستتوقف عن التدخل في سورية عندما يتم الرد عليها من داخل سورية نفسها. بمعنى، عندما تتواجد مقاومة فاعلة على خطوط جبهة الجولان تقوم بالرد على الغارات الإسرائيلية، وهو، أغلب الظن، ما كان يعمل على التحضير له مقاومو «حزب الله» الذين استهدفتهم إسرائيل في القنيطرة. هذه مسألة وقت، لكن حديث السيد نصر الله بأن الجبهة واحدة، يعني أن التحضير لذلك قد قطع مسافة مهمة، وأن لحظة منع إسرائيل من التدخل في الحرب الدائرة في سورية قد اقتربت.

الرد السريع الذي قام به حزب الله لن يصمت الأصوات الطائفية التي تنظر لتدخل «الحزب» في الشأن السوري من زاوية تمدد النفوذ الإيراني أو الشيعي. هؤلاء لا يستطيعون أن يقولوا لنا ماذا سيكون عليه مصير «حزب الله» لو استلمت الجماعات التكفيرية السلطة في سورية. هل كانت ستوفر خطوط إمداد له أم كانت ستعمل على خنقه وتصفية مقاتليه. هؤلاء لا يكترثون، بحسن نية أو بسوئها، للحالة التي كان سيكون عليها مصير المقاومة اللبنانية عندما تسيطر على دمشق عصابات مسلحة لا تكتفي بقتل «المختلف عنها» ولكنها تقتل بعضها البعض. في وضع كهذا، هل سيكون وضع المقاومة اللبنانية مختلفاً عن وضع المقاومة الفلسطينية المحاصرة في غزة اليوم؟ هل كان على «حزب الله» أن ينتظر سقوط دمشق حتى تقع الضاحية الجنوبية تحت رحمة الجماعات التكفيرية وإسرائيل؟ للعلم فقط، في الوقت الذي كان فيه الحزب مشتبكاً مع إسرائيل في مزارع شبعا، كان أيضاً وفي نفس اللحظة مشتبكاً مع جبهة النصرة التي بايعت القاعدة في بلدة فليطة السورية لمنعهم من التقدم إلى داخل الأراضي اللبنانية.

من سخرية القدر أن رد قادة الحكومة الإسرائيلية على عملية مزارع شبعا جاء على طريقة «نحتفظ لأنفسنا بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين». يبدو أنهم تعلموا أخيراً شيئاً من الأنظمة العربية. لكن لنا أن نتخيل مثلاً ماذا كان عليه الحال لو أن المقاومة الفلسطينية المحاصرة في غزة هي التي نفذت هذه العملية.. ربما لكنا استيقظنا في اليوم التالي على سقوط مئات الضحايا الأبرياء. لكنها خطوط الإمداد التي حرمت منها غزة بفعل الجغرافيا، والتي يسعى «حزب الله» للحفاظ عليها بالدماء، هي من أجبر إسرائيل على «الاحتفاظ بحق الرد».

 

صحيفة "الأيام" الفلسطينية