قبل أيام فاجأت قوات الاحتلال الصهيوني حزب الله بقتل مجموعة من كوادره في القنيطرة. وكانت المفاجأة مؤلمة لحزب الله وإيران أيضاً، حيث قتل مع المجموعة جنرال في الحرس الثوري الإيراني.
واليوم فاجأ حزب الله دولة الاحتلال بقتل مجموعة من ضباطه وجنوده في استهداف مباشر بالقذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة، فقتلوا أربعة وأصابوا آخرين، بحسب تصريحات عبرية، بينما تتحدث تصريحات حزب الله عن خمسة عشر قتيلاً.
إنه وبغض النظر عن التباين في الأرقام فإننا نستطيع القول: إن رد حزب الله كان مؤلماً أيضاً لدولة الاحتلال، والأهم من ذلك أن العملية أثبتت هشاشة جيش الاحتلال، وهشاشة تحصيناته، وضعف استعداداته عند المواجهة.
من يتأمل العمليتين يدرك جيداً أن حسابات (الدفتر) ليست كحسابات (البيدر) في منطقتنا. فجلّ التحليلات التي تناولت عملية القنيطرة، قالت: إن "إسرائيل" أقدمت على عملية الاغتيال لأنها بحسابات الدفتر ظنت أن حزب الله لن يرد على العملية لأنه "تورط" في سوريا، وهو في استنفار دائم خشية التفجيرات الداخلية التي تقوم بها القوى السلفية الجهادية. وإيران لا تسطيع الرد على مقتل الجنرال، لأنها أيضاً مستنزفة في العراق وفي سوريا، وفي الوقت نفسه، تجري مفاوضات حول النووي، ومن مصلحتها عدم خلط الأوراق.
كل حسابات الدفتر هذه أثبتت فشلها اليوم في بيدر منطقة شبعا، حيث قام حزب الله برد مفاجئ، وهو يعد من الردود الكبيرة بالمقياس الإسرائيلي للخسائر. وإذا توقفنا عند ردود الأفعال وتصريحات قادة دولة الاحتلال وجدناها تسير في اتجاهين:
الأول يدعو إلى ردود قاسية ضد حزب الله والدولة اللبنانية، وهنا نجد جلّ قادة الأحزاب المتنافسة في الانتخابات (نتنياهو، وليبرمان، وليفني)، واللافت للنظر أن نتنياهو يطلب من حزب الله أن يعتبر بما أصاب غزة في حرب (الجرف الصامد)؟!.
والاتجاه الثاني، يقول إن الخسائر محتملة، ولا تستدعي حرباً، ولا حرب استنزاف. وفي اعتقادي أن قيادة دولة الاحتلال تتجه نحو تجنب الحرب الآن، لأن الحرب الآن مغامرة كبيرة، وتعيد خلط الأوراق، وأن أية حرب قصيرة، أو طويلة لها تداعيات على مجريات الأمور في جل منطقة الإقليم، وربما تربك مخططات أخرى كانت "إسرائيل" شريكاً فيها.
وفي الختام أقول: إنه إذا توفرت إرادة القتال، والحفاظ على الكرامة، فإن حسابات الدفتر تلي حسابات البيدر (والبيدر عندي هنا هو frown رمز تعبيري الإرادة والكرامة). ومن ثم تكون حسابات المستقبل في فم البندقية، والإقبال على الشهادة.
ثمة دروس عديدة يمكن لقادة المنطقة استخلاصها من الحرب الأخيرة على غزة، ومن تصدي المقاومة لها ببسالة أذهلت العدو قبل الصديق. ويمكن استخلاصها أيضاً من ردّ حزب الله على قتل كوادره في القنيطرة. وأحسب أن دولة الاحتلال ستعيد حسابات الدفتر من جديد، لأنها تقف أمام مقاتل جديد في غزة ولبنان.