صرخة وجع وبرد يخترق عظام أطفال سوريا الذين يعانون من وجع يتجسد في قلوبهم فاق وجع التهجير واللجوء، عائلات لا تحصى ولا تعد آلاف الأطفال مصيرهم مأساوي نتيجة إهمال فاق الإهمال، رصاصات برد وصقيع أقوى من رصاصات حرب حرقت الأخضر واليابس في سوريا.
المسألة ليست مسألة دينية ولا عرقية ولا طائفية بل هي إنسانية، هناك مئات العائلات تتحدى البرد القارس تحت خيام تجمدت قلوب أطفالهم بها… يشتهون غطاءً أو حتى رقعة بالية من القماش ليحموا بها أجسادهم العارية، جميعنا ينتظر البرد والثلوج لممارسة هواياته كالتزلج والاستمتاع بجو الشتاء الجميل، ولم نفكر أن هذه العواصف التي ننتظرها سوف تعصف بأرواح أطفال بعمر الزهور معذبين في أروقة المخيمات مشردين، أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا ضحية الحرب والتهجير من منازلهم تاركين كل شيء خلفهم إلا بقية من كرامة أبوا إلا أن يحملوها معهم حيثما ذهبوا.
منذ تهجيرهم حتى اليوم استقبلوا عواصف عدة أتت "ميشا" "أليكسا" و"نانسي" عصفوا معهم أطفالاً وتركوا آخرين لكنهم أشبعوا عقولهم بذكريات مريرة ومليئة بالعذاب، عصفوا ثم رحلوا تاركين خلفهم الكثير من الأضرار المادية والبشرية والإنسانية.
أما اليوم فنحن نستقبل العاصفة "زينة" فماذا عنها؟ أمس أتت زينة لتزين الجبال والأرصفة بوجها الأبيض، ولكنها أتت لنا بوجهين فكما لها وجه أبيض كان هناك وجه أسود، كَحّل عيون أمهات أطفال سوريا بالدموع والأسى، أتت عليهم بوجهها الثاني القاتل الذي فرض صقيعه وكان لهم منه النصيب الأكبر فهم بين ثلجها ونارها غرقوا في العذاب والجحيم.
حاول الأطفال أن يقاوموا وجهها الأسود لكن للأسف رحل بعضهم قبل أن ترحل، ولكن مهما عصفت بوجههم تبقى أرحم من الذين يتغنون بحقوق الإنسان وهم لا يوجد في داخلهم من الإنسانية شيء.
الكثير كان يتأمل بأن لا تطول الحرب في سوريا وأن تنتهي اليوم قبل الغد…
ولكن الحسابات خيبت الظنون، والحرب امتدت بدل الأشهر لسنين، بيوت دمرت، عائلات شردت، أطفال يتمت، وقلوب من البرد تجمدت…
أمتنا في بحر مآسيها تحيا وحكام تجردوا من كل شيء من كرامة حياء وضمائر، أليس من العار أن يموت أطفال من البرد والجوع في القرن الواحد والعشرين على مرأى ومسمع من العالم المنافق الذي يدعى الحضارة وحقوق الإنسان.
أطفال تموت من شدة البرد… مليارات تبذر وتصرف وتهدر لأجل بعض الألعاب النارية في احتفال هنا أو مناسبة هناك، أليسوا أطفال سوريا، فلسطين، العراق، الصومال، ومينامار والكثير غيرهم أولى بأن تنفق هذه الأموال عليهم. لكن للأسف هناك الكثيرين يفعلون بعكس ما يقولون، يبيتون أمام مدافئهم وموائدهم متناسين أن هناك أشخاص جائعين خائفين مشردين قد قتلهم البرد والجوع.
رابطة الإعلاميين الفلسطينيين في لبنان