المشروع الفلسطيني المقدم لمجلس الأمن الدولي، من اجل تحديد سقف زمني لإنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، رغم كل الهبوط بسقفه والتعديلات عليه، لكي ترضى عنا امريكا، وهي لم ولن ترضى لكونها هي ودولة الإحتلال توأمان،
بل مواقف "الكونغرس" الأمريكي أشد تطرفاً من ليبرمان فيما يتعلق بحقوق شعبنا الفلسطيني، وبريطانيا كذلك في نفس السلة والدائرة مع توزيع للأدوار بينهم.
نعم بسبب حالة التخبط والإرباك وعدم وجود استراتيجية فلسطينية موحدة، وكذلك غياب المؤسسة القيادية الفلسطينية الموحدة أيضاً، وحالة الإنهيار والضعف العربي وصلنا الى ما وصلنا إليه، وليست لا نيجيريا الإسلامية، التي مارس عليها نتنياهو وكيري الضغوط الكبيرة، لكي لا تصوت لصالح القرار الفلسطيني ولا أستراليا المسيحية المشجب الذي نعلق عليه ضعفنا وحالتنا المزرية، فلو كان النفط العربي الذي تخفض أسعاره بطلب أمريكي لمعاقبة روسيا وايران وفنزويلا، يستخدم في مكانه الصحيح لما تجرأت لا نيجيريا ولا امريكيا من خلفها على عدم التصويت أو التهديد بإستخدام "الفيتو".
الموقف المخزي الذي وضعنا فيه أنفسنا وحقوقنا، هو نتيجة سببين إصرار فريق في القيادة الفلسطينية على "حلب" الثور، وهذا الفريق يجب أن يمتثل للإرادة الفلسطينية، بوقفة فصائلية وشعبية وجماهيرية صلبة، فلا يجوز ولا يجب أن يمنح دائماً الصكوك والذرائع للمقامرة بالحقوق الوطنية الفلسطينية، ولا نريد أن نعود إلى "هوشة" القرارات المصيرية، والتي ليست أكثر من فقاقيع إعلامية وإسطوانات مشروخة اكل عليها الدهر وشرب، وخبرناها جيداً خلال الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، وكذلك من بعد إستشهاد الوزير أبا عين، هذه "المسلة لم تعد تخيط"، ولم تعد مقنعة للطفل قبل الشاب، فتوقيع الرئيس على الإنضمام إلى عشرين منظمة دولية من بينها التصديق على ميثاق روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية في ذكرى إنطلاقة الثورة الفلسطينية، والذي جاء متأخراً جديداً، يبدو أن الرئيس لن يستخدمه من أجل التصعيد والمواجهة مع "إسرائيل" وأمريكا، حيث لم يجر العمل على تفعيل التوقيع، حيث أرجأ تسليم الطلب، وبالمقابل إصرار فريق آخر على الإستمرار في لعب دور "شرابة" الخرج، يملأ الدنيا صراخاً وضجيجاً دون أية ترجمات فعلية وحقيقية لمواقفه على الأرض.
لا مجال الآن للف والمراوغة والتسويف والمماطلة، والحديث عن الواقعية والعقلانية، الكل مواقفه واضحه، ولا ورقة توت تسترها، من كان يخدعكم ويضللكم، أو كنتم تخدعون أنفسكم وتضللون الجماهير، ليس له مكان الآن حتى مجرد النقاش فيه، بل مرحلة يجب حرقها وتمزيق أوراقها.
المعركة من أول يوم في العام القادم، بحاجة إلى قرارات جريئة، وبقيادة قادرة على تحمّل تبعات قراراتها، وتثبت على مواقفها، فالقيادة الكوبية في وجه الطغيان والحصار الأمريكي، صمدت خمسين عاماً، لم تشلح جلدها ولم تغير لونها ولم تساوم على مبادئها، حتى إضطرت أمريكا صاغرة، بفضل الثبات الكوبي والدعم الأمريكي اللاتيني لها، للرضوخ ورفع الحصار عن كوبا، كوبا بإرادتها وصمودها إنتصرت.
ولذلك ما هو مطلوب الان سياسياً:- وقف العمل بكل ما هو انتقالي، ودولة فلسطين التي أعلنت في الجزائر في الدورة الثامنة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني، يجب أن تعلن فوق فلسطين كدولة تحت الإحتلال، وخوض معركة مع الإحتلال على هذا الأساس، وهذا يعني بالملموس حلّ السلطة الفلسطينية، ووقف أي إرتباطات أو اتفاقيات مع الإحتلال، نتجت على قيام هذه السلطة، وبالذات وقف التنسيق الأمني وإلغاء إتفاقية باريس الإقتصادية، والإستعاضة عن ذلك بطلب الحماية الدولية من الأمم المتحدة، وفقاً لقانون الأمم المتحدة وميثاقها في حماية الدول الأعضاء.
إستكمال عضويتنا الفورية في المنظمات الدولية، والبدء بالتصديق على ميثاق روما، ومن ثم الإنضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، والمسألة يجب أن لا تكون شكلية وفي الإطار التكتيكي، بل يجب أن يتم الإنتقال من عملية التوقيع إلى التنفيذ، وفي أيدينا مواد جاهزة، تمكننا من جلب قادة الإحتلال إلى المحاكم الدولية، لمحاكمتهم كمجرمي حرب على ما إرتكبوه من جرائم حرب بحق شعبنا، وهناك قرارات إدانة دولية وأممية بذلك، تقرير "غولدستون" وتقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بشأن إستخدام الأسلحة المحرمة دولياً في الحروب العدوانية على غزة، مادة (الدايم)، والفسفور الأصفر، وكذلك استخدام المدنيين كدروع بشرية، وكذلك ملف الإستيطان.
هذه الخطوات بحاجة إلى آلية تنفيذية سياسية، بحيث يكون هناك قيادة على مستوى التحديات، وقادرة على المجابهة والصمود ودفع الثمن، قيادة تحترم شعبها وجماهيرها، حتى يكون لها ثقة وإحترام وهيبة بين الجماهير، وليس مجرد قيادة تشاورية وإسمية، فعند الحديث عن لجنة تنفيذية، يعني أعلى هيئة في المنظمة، ولذلك يجب أن تحترم كهيئة وكقرارات، أما أن تصبح القيادة (لجنة تنفيذية ولجنة مركزية لحركة "فتح" ومستقلين وقادة مجتمعين)، فمع الإحترام للجميع هذا إطار يصبح لتمييع القرارات وتعويمها، والمرحلة تتطلب تفعيل جدي وحقيقي للإطار القيادي المؤقت بمشاركة "حماس" والجهاد، حتى يعبّر القرار عن كل مكونات ومركبات الشعب الفلسطيني السياسية والمجتمعية، وحتى نستطيع المساءلة والمحاسبة، وليس كما يقول المأثور الشعبي "طاسه وضايعه".
وعندما نتخذ قراراً بإعلان دولة فلسطين، دولة تحت الإحتلال على أرض فلسطين، فهذا يعني بالملموس، الشروع في تشكيل حكومة وبرلمان فلسطينيين مؤقتين، لحين إجراء الإنتحابات، وهذا يتطلب منا التوجه إلى الأمم المتحدة وعبر الجامعة العربية، أو الدول العربية لتوفير الحماية الدولية لدولة فلسطين وتحت البند أو الفصل السابع.
وكل ما ذكر شرطه الأساسي، أن نوحد كل ألوان طيفنا السياسي وطني وإسلامي، ووفق إستراتيجية موحدة، وبحكومة واحدة تقود المشروع الوطني، منهية الإنقسام، والدوران حول المحاصصة وإقتسام الكعكة.
لا يوجد أي عذر أو مبرر، لكي نستمر في أن نلدغ من نفس الجحر ومن نفس العدو، ونستمر في التعويل عليه، بأن نحصل على دبس من "قفاه"، فهو يقول لنا بشكل واضح وقاطع، وكما في الحق العشائري، حقكم "شاهر ناهر"، ولكن لم أمنحكم هذا الحق لا بالمفاوضات ولا بالمقاومة ولا بمجلس الأمن، وأكثر ما ستحصلون عليه حكم ذاتي في كنتونات مهمتها الأساسية "حفظ أمن إسرائيل".
أوقفوا سياسة "عنزة ولو طارت"، فهي لن تطير، ولا تنجروا وراء فقاقيع الإعترافات الإعلامية والورقية والشكلية والأخلاقية، من قبل البرلمانات الأوروبية وغيرها، و"التهليل" و"التطبيل" و"التزمير" لها على أنها إنتصارات مؤزرة، فهي رغم أننا نقدرها ونثمنها، ونعتبرها خطوات على الطريق الصحيح، ولكنها لن تمنحنا دولة على الأرض.
الآن بعد فشل التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، وبعد النصائح التي تلقيتوها من العديد من العواصم العربية والإقليمية والدولية، بأن المشروع الفلسطيني الذي هبطتم فيه إلى ما دون المشروع الفرنسي، يمكن أن توافق عليه أمريكا، ويفتح الطريق امامكم مجدداً للعودة إلى المفاوضات التي أدمنتم عليها، جاءت اللطمة الأمريكية والتي استبقت القرار، لكي تقول لكم هذا تصرف آحادي الجانب، ورغم كل التنازلات التي حواها، فإنه لا يلبي "أمن إسرائيل".. فهل ما حدث من فشل وخيبة أمل كبيرة، كافية لكم لكي تغادروا هذا النفق وهذا النهج والخيار المدمر، أم ستواصلون الدوران في نفس الحلقة، حتى تحل الكارثة بالشعب الفلسطيني وحقوقه..؟!