Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

رحل الفلسطيني جداً محمود سعيد

رحل الفلسطيني جداً محمود سعيد

زارنا شخصيا بتاريخ 6 - 10 - 2001 في منزل والدي ومنزلنا الكائن في شارع لوبية وسط مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبي العاصمة السورية دمشق، عندما قدّمتُ "معرض الذكرى الأولى لانتفاضة الأقصى"، والذي وثّقت من خلاله صور الشهداء والمواجهات في الأرض المحتلة، وكنت حينها في الصف السادس الابتدائي لا أعرف عن فلسطين أكثر من العلم وأطفال الحجارة.

 بدا من عرفته شابا وسيما على الشاشة في فيلم "الرسالة" أكبر في السن عندما قدم إلينا. وكانت علامات الإرهاق والتعب واضحة على محياه، بعد رحلته من بيروت إلى دمشق والتي حطّت رحالها مباشرة في بيتنا المتواضع مساء السبت.

وقد طلب إلينا غفوة صغيرة، وأصرّ أن تكون على درج المنزل الكائن في الطابق الثاني؛ قائلا: "لو سمحتو بدي أنام هون اتركوني ربع ساعة وجاي على الترّاس لوحدي".. استيقظ صديقي بعد ربع ساعة تماما، متوجها إلى ترّاسنا، حيث نظر إلى اللوحات التي تملأ الجدران. ثم اقترب مني وقبّلني، أتذكّر تلك اللحظة جيدا. وبعدها قال لي: "طلعت الرحلة مفيدة يا صديقي فلسطين موجودة هون بقوة"، وأضاف: "صورو لشوف صورو كل شي".

الآن وبعد ثلاثة عشرَ عاما ونيّف على تلك القبلة الحنونة، وبالتحديد بتاريخ 30 - 12 - 2014، توفي الفلسطيني جداً، محمود سعيد، أجمل من زارني في منزلي عندما كنت طفلا، وصار صديقي حينها على الرغم من الفارق الكبير بين طفل وفنان من حيث المكانة والسن. توفي المتواضع القدير صاحب الابتسامة والقبلة الجميلتين، لكن سيبقى إرثه الفني الرائع في ذاكرة كل منا قبل أن يعاد عرضه على الشاشة، وستظل سيرته الطيبة على ألسنة كل المحبين والأصدقاء، وفاءً لروحه.

ولد محمود سعيد في مدينة يافا في العام 1941، وبعيد النكبة اضطرت والدته للانتقال إلى مدينة صيدا في جنوب لبنان، حيث اصطحبته معها وهو في السابعة من عمره، فيما بقي أخوته الشبان داخل فلسطين مع المجاهدين  في صفوف جيش الإنقاذ.

وفي صيدا، تابع محمود دراسته في مدارس "الأنروا"، وأنهى تعليمه الثانوي فيها.

وجراء الحرب الأهلية اللبنانية، انتقل للعيش في الأردن، حيث أقام فيها لعدة سنوات قدم خلالها مجموعة جيدة من الأعمال الفنية. 

هذا واشتهر سعيد بخامة صوته الجميلة والمميزة، وهي التي جعلته رائدا في تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وتسجيل الأفلام الوثائقية، كما زادت قدراته الفنية خلال أداء الأدوار المنوطة به ضمن المسلسلات والأفلام والمسرحيات،

ومن أبرز أعماله الفنية: مسلسل "فارس ونجود" ومسلسل "سرّ الغريب" وفيلم "غزلان" ومسرحية "المهرج" لكاتبها محمد الماغوط، فضلا عن فيلم "الرسالة" الذي يعد الأشهر في أرشيف محمود سعيد، ولعب خلاله دور خالد بن الوليد. 

ومما عرف عن محمود حسه الوطني العالي، وانتماؤه المتجذر لفلسطين أرضا وشعبا، فهو القائل في أواخر أيام حياته: "عدونا لا يريد لنا الحياة الحرة، فهو يقتل كل شيء جميل فينا، وفي مقدمة ذلك الثقافة، ونحن ننساق إلى ما يخططه لنا عدونا دون تردد".

وبعد مسيرته الحافلة والتي تلتها فترة انقطاع وتغييب جراء المرض، توفي محمود سعيد فجر الثلاثاء الواقع في 30 كانون أول / ديسمبر في مستشفى الساحل بالعاصمة اللبنانية بيروت، عن عمر يناهز الـ73 عاما، وشيّع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقبرة "شهداء فلسطين" بمنطقة شاتيلا في بيروت.

وبوفاة محمود سعيد، فقدت فلسطين أحد أعمدة ثقافتها المعاصرة، والذي يضاف اسمه إلى جانب أسماء العظماء أمثال: محمود درويش وسميح القاسم وغسان كنفاني وناجي العلي وإدوارد سعيد.