Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

زياد أبو عين.. شهيد العرس الفلسطيني.. عادل أبو هاشم

زياد أبو عين.. شهيد العرس الفلسطيني.. عادل أبو هاشم

  شهيدنا زياد أبو عـين... ليس من السهل أن يكتب المرء عن زياد أبو عين، فالرجل ليس شهيدًا وحسب، إنه قائد ومناضل وأسير محرر، وهو فوق ذلك يتدفق بحب الأرض التي ترجل من أجلها.

 

كل كتابة عنه ستكون ناقصة، لأن قضيته لم تكتمل بعد.

ذلك أن "أبا طارق" لم يكن في حياته وفي التزامه مجرد شخص اختار طريق الجهاد والنضال والمقاومة، بل كان إلى جانب ذلك نموذجاً بارزاً لجيل فلسطيني كامل هو جيل مقاومة المحتل من خلال الكفاح المسلح، ومن خلال تمثيله لهذا الجيل، ومن خلال تعبيره عنه بالبندقية المقاتلة والعبوة الناسفة اكتسب قيمته كمناضل ومعلم ورمز لهذا الجيل.

أن يستشهد زياد أبـو عـين فهذا أمر طبيعي، فلقد استشهد في كل لحظة من لحظات حياته القصيرة زمنياً، الطويلة جهادًا ونضالا، فسيرة نضاله من أجل وطنه وشعبه وقضيته العادلة كان الاستشهاد نهايتها الطبيعية، وسيرة نضاله هي في الواقع حياته العملية كلها.

لقد طلب "أبا طارق" الاستشهاد لنفسه، وعمل له، وسعى إليه، لأنه آمن به.

آمن بأن العمل لفلسطين لا حدود له، وأن فجر النصر آت لا محالة رغم الظلام الحالك الذي يلف الأمة، وأن الدم والمشاركة في الجهاد ضد المحتل لا تكون من بعيد، وأن هناك طريقاً آخر غير طريق الخنوع والاستسلام، أو القبول بالفتات أو انتظار ما يسمح به العدو الإسرائيلي بالتنازل عنه ألا وهو طريق الجهاد والاستشهاد.

لقد آمن زياد أبو عين أن مقاومة المحتل لا معنى ولا أثر لها إذا لم تتجسد بالممارسة والسلوك اليومي، وأن مقاومة المحتل لا تتحمل المواقف الوسط، ولا المهادنة، ولا التأجيل، ولا الاستراحة، وأن الكلمة الثائرة لا تعرف المواربة، ولا الدبلوماسية، ولا التلفيق، ولا الاصطناع..!

لقد كان في زياد أبو عـين من صدق المناضل وجرأته ما يعجز الواقع عن تحمله، فيثير فيه من خلال تصديه لغول الاستيطان والجدار  موجات متلاحقة من التأزم، فيجعل هذا الواقع قلقاً مستنفرًا يبحث عن الحقيقة بكل ما فيها من مرارة، وعن الخلاص بكل ما فيه من تضحيات.

كان زيـاد أبـو عـين صورة من صور الحياة النابضة بالمقاومة والوطنية والطموح الخلاق، يرنو إلى العلا في كل مجال من مجالاته، ويتقن فن الجهاد والمقاومة ويحفظ دروسها عن ظهر قلب، ويلقنها لأبناء شعبه البطل.

لقد كان تلميذًاً وأستاذاً في آن واحد.

فقد عظم المقاومة في فكره وعقيدته، وقدر العمل في نضاله وكفاحه اليومي، وسبق الآخرين بنظره الثاقب، فكان فارسـًا يجيد السباق في كل ميدان من ميادين الجهاد والنضال والعمل الوطني.

كان زيـاد أبـو عـين صاحب حجة قوية وعقل منظم وذهن وقاد، تتدافع الأفكار في رأسه كأمواج البحر، تتلاطم بعنف لتعود مرة أخرى إلى الأعماق في حركة مد وجزر واعية مستمرة لا تنقطع أبدًا.

ويبدو أن العدو الصهيوني قد سبقنا بتقييم أهمية زيـاد أبـو عـين في حياته، حتى أخذنا الآن ندرك حقيقة عظمته بعد استشهاده، فالعدو أدرك أن زياد كان عاملا رئيسياً في جعل قتاله محببـًا للجماهير، مما يعني أن بقائه سيكون من العوامل المساعدة على ديمومة المقاومة الشعبية، واستعداد الجماهير ورغبتها في أن تمدها بالمزيد من المناضلين.

من الصعب أن أرثي الشهيد زيـاد أبـو عــين بالكلمة، ومن الصعب أن أرثيه بالدمع الساخن لأن مآقينا جفت منذ عشرات السنين.

جفت مآقينا منذ أن وطأت أول قدم صهيونية أرض وطننا الحبيب.

جفت مآقينا منذ أن سقط أول شهيد فلسطيني برصاص العدو الصهيوني.

فلن نرث بعد اليوم شهدائنا، بل سنثأر لهم من قتلتهم، من عدونا الأبدي والأزلي، سارق أرضنا وأحلام طفولتنا.

عاش  زيـاد أبـو عـين حياة قصيرة، ولكنها عريضة كما يقولون، ولم يكن ابنـًا بارًا لأهله وعائلته وشعبه ووطنه بالمفهوم الأخلاقي للكلمة فحسب، ولكنه كان ابنـًا بارًا لشعبه ووطنه بالمفهوم الإبداعي للمقاومة  أيضاً.

لقد علمنا  زياد دروسـًا كثيرة في الانسجام والصدق والاحترام من أجل قضيتنا العادلة، وأول ما علمنا إياه هو أن الفلسطيني يفقد ذاته وحضوره الإنساني في العالم والكون إذا كف عن أن يكون فلسطينياً.

ستبقى كل كتابة عن زيـاد أبـو عـين ناقصة، لأن قضيته هي قضية الشعب الفلسطيني كله، هي قضية الجيل الذي يصنع المسيرة، وهي قضية لم تكتمل بعد.

لقد كان زيـاد أبـو عـين في حياته شعلة مضيئة في زمن الظلام العربي الدامس، فرسم لنا الطريق، وأثبت بدمائه الطاهرة أن الشعب الذي يزرع أرضه بالتضحية لا بد وأن يحصد النصر.

لقد خسرنا زيـاد أبـو عـين بإخلاصه وشجاعته وقدرته وجرأته، وبصوته المشجع ونبرته المحذرة وقلبه الواسع، وبصموده وعطائه الذي لا يلين، وخسرنا الأخ، ولسوف نفتقده كثيرًا، ونفتقده طويلا.

لقد استشهد زيـاد أبـو عـين وتركنا فجأة، ولكنها ليست مفاجأة على الإطلاق أن يستشهد "أبا طارق"، فالذي يعيش حياته كلها مناضلا تكون الشهادة نصب عينيه دائماً، وحين تأتي، تأتي كجزء من العمل، تأتي كرمز لهذا العمل، تماماً مثل الرمز الذي حمله معه في كل لحظة من لحظات حياته، كل ما فعله زياد أنه أكمل الرمز حتى النهاية.

فهنيئاً لك الشهادة ووسامها يا زيـاد، ونم قرير العين، فإن رحلت عنا فسينبت فينا ألف زيـاد أبـو عـين نجوم في سماء الوطن وعنوان الأمل القادم، ولتظل ذكراك أنشودة فلسطينية متجددة على لسان الأطفال والأمهات، يزرعنها في الأبناء جيلاً بعد جيل حتى تحين ساعة النصر بإذن الله.

 

زيـاد أبـو عـين..

ونحن نستعيد مسيرة جهادك ونضالك وتضحياتك واستشهادك، ونحن نغمض أجفاننا على طيفك، ونضمك إلى جوانحنا، نكتب لزوجتك الفاضلة الصابرة السيدة "أم طارق" وأبنائك، وللحزانى من شعبك وأهلك وإخوانك وأصدقائك ما كنت أنت ستقوله لهم جميعاً في مثل هذا المجال، حول استشهاد مجاهد عنيد من مجاهدي شعبنا البطل.

اليوم عرسك "أبا طارق" في جنة الرحمن..

في مقعد صدق عند ملك مقتدر..

اليوم يستقبلك الشهداء الأبرار والصديقين والصالحين.. وحسن أولئك رفيقاً..

 

هذا هو العرس الذي لا ينـتهي.

في ساحة لا تـنتهي.

في ليلة لا تـنتهي..

هذا هو العرس الفلسطينيُ.

لا يصل الحبيبُ إلى الحبيبْ.

إلا شهيدًا أو شريدًا.