بالأمس طرح موضوع فرض السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي بناء على اقتراح عضو الكنيست من "الليكود" موشيه فيغلين اليميني المتطرف الذي كان طوال الوقت يدعو اليهود للذهاب إلى الحرم القدسي بالآلاف لتثبيت سيادة اليهود في الحرم،
والذي طالب اليهود الإسرائيليين بالتضحية من أجل هذا المكان المقدس، حتى كتابة هذه السطور ليس واضحاً ما هي نتيجة هذا النقاش، ولكن مجرد الفكرة والموافقة على بحث الموضوع يشكلان استفزازاً كبيراً لكل فلسطيني وعربي ومسلم. خصوصاً وأن المتقدم بالاقتراح هو من الحزب الحاكم حزب بنيامين نتنياهو.
ولا شك هذا البحث يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية لا تتجه إطلاقاً نحو ليس فقط التوصل إلى اتفاق سلام بل إن اتفاق إطار أصبح مستبعداً تماماً.
السياسة الإسرائيلية المتعلقة بالقدس مبنية على قاعدة القرار الذي اتخذ في الكنيست مباشرة بعد احتلال القدس الشرقية في حزيران العام 1967 بضمها إلى القدس الغربية، والتي أصبحت موحدة عاصمة إسرائيل الأبدية عندما اقر قانون القدس في العام 1980، ومنذ اللحظة الأولى للاحتلال كان التفكير الإسرائيلي بتوسيع القدس وضم عدد كبير من المستوطنات إليها في مشروع القدس الكبرى وتهويد القسم الشرقي منها داخل البلدة القديمة وخارجها بما في ذلك الأحياء العربية التي تقع في المدينة وحولها.
وكان الهدف الإسرائيلي إخلاء المواطنين العرب من هذه الأحياء والاستيلاء على الأرض والبناء لليهود فيها، وهذا يشمل السيطرة على البيوت الفلسطينية بالشراء أو التحايل أو المصادرة ووضع اليد.
ولكن إسرائيل فشلت في السيطرة بشكل كامل على البلدة القديمة على الرغم من محاولات شراء البيوت هناك ودفع مبالغ أسطورية للمواطنين الفلسطينيين لترك بيوتهم.
والنجاح هنا جزئي فقط شمل بعض ذوي النفوس الضعيفة أو عمليات السمسرة والاحتيال. ولكن بقيت غالبية فلسطينية واضحة في البلدة القديمة. كما أن الفشل الإسرائيلي كان كبيراً في موضوع السيطرة على الحرم القدسي وكل المحاولات التي شملت حتى إحراق المسجد الأقصى لم تنجح في فرض سيطرة وإدارة إسرائيلية كاملة على الحرم.
وإذا كانت السلطات الإسرائيلية بين الحين والآخر تسمح لليهود المتطرفين بزيارة الحرم وأداء طقوس دينية فيه.
وبقي هذا الموضوع بمثابة غصة في حلق كل المتطرفين الذين يدعون أن الاقصى بني مكان الهيكل اليهودي، مع أن كل الحفريات التي أجرتها سلطة الآثار الإسرائيلية والبعثات الدولية لم تجد دليلاً واحداً ولو صغيراً يؤكد الادعاءات الإسرائيلية بشأن مكان الهيكل أو يربط اليهود إلى نفس البقعة. بل إن بعض علماء الآثار الإسرائيليين تجرؤوا على الإعلان صراحة بأن التوراة التي يستند لها اليهود كمرجعية تاريخية لا تصلح للتأريخ، وهي لا تعدو كونها أساطير أو قصصا دينية لا علاقة لها بالواقع أو بجغرافية المنطقة.
وما يدعو أشخاصاً مثل فيغلين وجماعة حزب البيت اليهودي يصعدون في تحركاتهم وتصريحاتهم بخصوص موضوع القدس والذي وصل ذروته بدعوة وزير الإسكان أوري أريئيل لهدم الأقصى وبناء الهيكل اليهودي مكانه، هو طرح مسألة القدس في المفاوضات والموقف الفلسطيني بأنه لا يمكن التوصل إلى سلام دون إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، والموقف الدولي الذي يرى في القدس الشرقية أرضاً محتلة كباقي الأراضي التي احتلت العام 1967 و يرفض الاعتراف بالضم الإسرائيلي لها.
ولعل الموقف الأوروبي الذي فرض على إسرائيل إخراج القدس والمستوطنات من مشروع دعم البيئة المسمى هوريزون 2020 كشرط لحصول إسرائيل على التمويل، وقبل ذلك الموقف الأوروبي من مقاطعة بضائع المستوطنات التي تشمل القدس والجولان، ورفض الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل والإصرار على بقاء السفارات في تل أبيب، هو التعبير الأكثر وضوحاً على الرفض الدولي لسياسة التهويد والضم التي تتبعها الحكومات الإسرائيلية جميعها. لهذا يشعر اليمين الإسرائيلي أنه في سباق مع الزمن لفرض أمر واقع يحاول أن يثبته محلياً ودولياً.
ربما لا يدرك هؤلاء أن موضوع القدس هو من أكثر القضايا حساسية لدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين وللمسيحيين، كما هو لليهود ويمكنه أن يفجر الوضع في المنطقة بأسرها إذا فرضت إسرائيل واقعاً لا يقبله الفلسطينيون أو عطلت حل الدولتين الذي يشمل القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، والعبث بهذه المسألة هو ببساطة لعب بالنار التي قد تحرق كل شيء وأي موقف إسرائيلي رسمي في الكنيست أو الحكومة قد يؤدي إلى تدمير العملية السياسية بصورة تامة ويعيدنا إلى مربع المواجهة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
وستكون ساحة الأمم المتحدة الساحة المركزية للصراع بيننا وبين إسرائيل، وفي هذا الملعب إسرائيل ستكون خاسرة بالتأكيد.
يكفي الإسرائيليين ما يقوله مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الاراضي الفلسطينية ريتشارد فولك الذي اعتبر في تقريره عن حالة حقوق الإنسان الفلسطيني أن السياسة الإسرائيلية تصل إلى مستوى التمييز العنصري تجاه الشعب الفلسطيني.
ووصف ما يتعرّض له الفلسطينون في القدس تحديداً بـ"التطهير العرقي"، وأن إسرائيل تقسم السكان في الأراضي المحتلة على "أساس عنصري".
ومع موقف دولي واضح كهذا نحو كل سياسات الاحتلال الإسرائيلي ومع الاعتراف الدولي بفلسطين على حدود العام 1967 والتي تشمل القدس الشرقية لن يكون بمقدور إسرائيل أن تعيش خاصة إذا ما ترتب على ذلك مواقف دولية تصل إلى المقاطعة وفرض العقوبات.
وقبل أن نصل إلى ذلك من المفروض أن يكون هناك موقف أميركي صارم إذا كانت واشنطن حريصة على العملية السياسية ومعنية بنجاحها.
ومن المهم أن يكون تجميد ووقف الاستيطان مطروحاً كشرط لا بد منه إذا ما تم طرح خطة إطار للتسوية وإذا ما جرى الحديث عن تمديد المفاوضات.