العالم في ضوء تراجع مكانة أميركا العالمية، بسبب السياسات الهوجاء، التي ارتكبها صقور اليمين الجمهوري زمن جورج بوش الابن، عندما شن حربين على افغانستان والعراق، وأغرق جيوش اميركا في مستنقعات الدولتين، واثقل كاهلها بالضحايا والخسائر العسكرية والاقتصادية والمالية، وما زالت حتى الآن تدفع الفاتورة عاليا، لأنها
لم تتخلص من نتائج تلك الحروب، وفاقم من زيادة غير محسوبة للمديونية تجاوزت الخمسة عشر تريليون دولار، وهي المديونية الاعلى في العالم، وصلت في عهد باراك اوباما لمستوى اعلى، حيث بلغت حوالي ستة عشر تريليون وثمانيمئة مليار دولار، وشكلت ازمة قبل أقل من شهر من الآن بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وعطلت عمل المؤسسات الفيدرالية، وأثرت على برنامج الادارة الاميركية، والأزمة لم تقف عند حدود ما تم التوصل اليه بين الحزبين، حيث من المفترض أن تعود الأزمة للواجهة في شباط المقبل، حين يحين طرح المسألة مجددا في مجلسي الشيوخ والنواب.
كما ان الادارة الاميركية نتاج الازمة الاقتصادية الكارثية، التي بدأت عشية وصول اوباما للحكم في ايلول 2008، والتي لم يتعاف منها حتى الآن الاقتصاد الاميركي، لم تتمكن في اكثر من اجتماع لقمة العشرين من تحقيق اي هدف من اهدافها السياسية والاقتصادية والمالية، خاصة في إستمرار العمل باتفاقية بريتون وودز، التي وقعت في يوليو 1944، والتي كرست الدولار كمعادل للذهب، فضلا عن مطالبات قوية من الاقطاب الدولية (الصين وروسيا والبرازيل والهند وغيرها) بايقاف التعامل بتلك الاتفاقية، وايجاد نظام مصرفي جديد، يضمن الاستقرار المالي العالمي.
وجاءت الأزمة السورية وفشل الادارة الاميركية في إدارتها وفق رؤيتها، ونجاح روسيا الاتحادية بكسر الاحتكار الاميركي في التقرير في السياسات الدولية والاقليمية، مما اضعف أكثر فأكثر دور ومكانة الادارة الاميركية، وهذا ما عبر عنه الرئيس الروسي بوتين في قمتي الدول العشرين الاخيرتين في بطرسبورغ ولكسمبورغ، حيث أكد، ان الولايات المتحدة، لم تعد هي المقرر في السياسة الدولية، وهناك تحولات استراتيجية، على العالم ان يعيها.
من المؤكد ان الولايات المتحدة، ما زالت تملك القوة العسكرية الأعظم في العالم، ولهذا العامل دور مؤثر في السياسة الدولية. لكن الادارة الاميركية، لا تستطيع استخدام هذه القوة بسهولة كما فعلت في حربيها ضد العراق وافغانستان. والدليل العلاقة مع إيران وملفها النووي، والملف السوري، كلا الملفين، لم تغامر ادارة اوباما بالامتثال لضغوط الجمهوريين اليمينيين ولا لاسرائيل والايباك في تبني خيار الحرب، بل ناورت الادارة، حتى تمكنت من الخروج بحفظ ماء الوجه، مستغلة الاتفاق مع روسيا على آليات العمل في معالجة المسألة السورية سلميا، وفي السياق فتحت مع بدء الدورة الـ 68 للأمم المتحدة ابواب العلاقة مع القيادة الايرانية الجديدة برئاسة روحاني.
التحولات الجارية في المرحلة الراهنة، تشير إلى ان العالم يعيش مرحلة مخاض حقيقي لنشوء نظام عالمي جديد يختلف كليا عن نظام العولمة الاميركية. فالآفاق مفتوحة على وسعها لتشكل نظاما دوليا جديدا برأسين أو اكثر، وهو ما يفرض على القوى المختلفة في العالم، البحث عن مكان لها في العالم الجديد، والابتعاد عن وضع كل البيض العربي والفلسطيني في السلة الاميركية، لأن هذه السلة، لم تعد قادرة على حمل كل البيض العالمي، ومعاييرها الدولية والاقليمية تتغير بتغير الشروط السياسية.
في هذا المجال يمكن للقيادة الفلسطينية تعزيز العلاقة مع روسيا والصين وتقوية العلاقات مع اوروبا، دون قطع العلاقة مع أميركا، التي ما زالت حتى اللحظة تلعب دورا مركزيا في الصراع الدائر بالمنطقة بحكم علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل، ولأنها ما زالت تحاول الحفاظ على مكانتها الدولية، ولكن دون المبالغة في دور اميركا لاحقا. وعلى القيادة دفع وتعزيز الدور الروسي والصيني والياباني والاوروبي لكي يكونوا شركاء في حل الصراع وفق قرارات الشرعية الدولية.