Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الشجاعية مجزرة تنكئ الجراح

الشجاعية مجزرة تنكئ الجراح

سارة الماضي   "لنزرعهم شهدائنا في رحم هذا التراب المثخن بالنزيف.. فدائماً يوجد في الأرض متسع لشهيد آخر" هذا ما قاله غسان كنفاني عن المقاومين فداءً للوطن، وهذا ما أكده حي الشجاعية في قطاع غزة، الحي الذي أثبت اليوم قدرته على مقاومة أقوى الجيوش فقد قدّم الحي كل ما يملك فداءً للمقاومة والأرض.

 

لكن الاحتلال حاول الانتقام بعد أن فشل في اقتلاع المقاومة من نفوس المجاهدين الأبطال فأطلق مئات القذائف  على المدنيين واستشهد العشرات من الأطفال والنساء والرجال المسنين في مجزرة بشعة طالت كل حي وساكن في المنطقة.

 

حي الشجاعية:

تبدأ الحكاية من غزة... وتحديداً من حي الشجاعية والذي هو رمز الخوف والرعب في قلوب الأعداء ولعلها كانت مفارقة مبدعة أن يسمى الحي على اسم قائد شجاع يدعى "شجاع الدين عثمان الكردي" وهو القائد الذي قرر الناصر صلاح الدين الأيوبي الاعتماد عليه في تحرير بيت المقدس إلا أنه استشهد في إحدى المعارك بين الأيوبين والفرنجة  سنة 637  هجري/1239 ميلاد.

يزين الحي تلة المنطار والتي تكسبه أهميته الاستراتيجية فهي تلة ترتفع 85 متراً فوق مستوى سطح البحر.

ووفق إحصائيات بلدية غزة لعام 2013 يقطن في الحي نحو مائة ألف نسمة. ومن يتمعن في صمود جدرانه تتكشف له ما قدمه الحي فداءً للأرض والحق والحياة.

ومن أهم معالم هذا الحي جامع "أحمد بن عثمان" أو ما يسميه أهل المدينة بالجامع الكبير محتلاً قلب الحي السكني والتجاري، وبهذا الجامع قبر "يلخجا" من مماليك السلطان "الظاهر برقوق" وأصبح نائباً لمدينة غـزة عام 849 هجري.

يوجد بالحي أكبر سوق للملابس والسلع المنزلية في غزة ويعرف بـ"ساحة الشجاعية"، ويقام به سوق أسبوعي يسمى سوق "الجمعة" الذي يرتاده غالباً مربو الأغنام.

من داخل حي الشجاعية خرجت حكايات رواها الكبار على مسامع الصغار تتحدث عن حب الوطن والأرض عن شمس الحرية التي ستشرق ذات يوم عن باقة أحلام.

كبيرة لأطفال صغار ممزوجة بألوان الزهور... ومتوجة بالحياة الأمنة لكن المدفعية كانت دائماً تمزق هذه الأحلام وتبعثرها في فضاء الشظايا المتناثرة.

قبيل اندلاع الانتفاضة الأولى وتحديدًا في أكتوبر/تشرين الأول 1987 تحوّل الحي إلى ساحة مواجهات مسلحة بين

المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال وأسفرت الاشتباكات آنذاك عن مقتل ضابط "إسرائيلي"، واستشهاد أربعة مقاومين ويطلق على هذا اليوم اسم "معركة الشجاعية".

 

مجزرة الشجاعية : وحشية المحتل

قصف جيش الاحتلال فجر يوم الأحد 20 يوليو/ تموز 2014 حي الشجاعية بمئات القذائف المدفعية المحرمة دولياً بغرض بث الرعب في صفوف المواطنين وتهجيرهم من منازلهم وأرضهم، فسقطت على منازل المواطنين الآمنين القذائف بشكل جنوني، وخيّم الدخان الأسود فوق الحي وهرع المواطنون في كل مكان من هول ما شاهدوه من قتل ورعب ودمار حيث كانت القذائف لا تفرق بين صغير وكبير ولا ترحم أحداً في الحي.

وأضحت رائحة البارود والموت في الحي تزكم الأنوف حيث كانت قذائف المدفعية تسقط على المنازل بمعدل ثلاث قذائف في الدقيقة.

لا شيء بقي على حاله... وامتلأت الأرصفة بجثث الأطفال والنساء والرجال والمسنين ولوّنت دماء الشهداء تراب الوطن... وحجارة المنازل سقطت على روؤس قاطنيها... والأشجار اقتلعت والبيوت مسحت عن مكانها .

الجريمة البشعة في حي الشجاعية تمثل جريمة إبادة جماعية وجريمة حرب، حيث استغل الاحتلال الصمت العربي ليستعرض دمويته ووحشيته في أنحاء هذه الأرض.

ومع تواصل الاستغاثات من داخل الحي حاولت طواقم الإسعاف الدخول إلى المنطقة لكن الاحتلال لم يرحمها أيضاً رغم التنسيق المسبق مع لجنة الصليب الأحمر الدولي ما أدى استشهاد عدة مسعفين وإصابة سياراتهم بالكامل.

وبعد عدة محاولات، وبعد موافقة الاحتلال على هدنة إنسانية لمدة ساعتين فقط لإجلاء الجرحى دخلت سيارات الإسعاف إلى الشجاعية... الهدنة التي كشفت عن فاجعة داخل الحي، فجع المسعفون وفرق الإنقاذ من هول ما شاهدوه من موت ورعب ودمار، فأصوات سيارات الإسعاف لم تتوقف وقتها محاولة إيصال أكبر عدد من المصابين والشهداء الى مستشفى أبو يوسف النجار بقطاع غزة.

أحد الشبان الناجين من المجزرة قال وهو يساعد امرأة مصابة "اذهبوا هناك دمروا الدار على رؤوس أصحابها، فيها 14 شهيداً تحت الحجارة".

أبو محمد مسن في السبعين من عمره وصف ما حدث بالشجاعية بـ"جريمة بشعة" مشيرا إلى استشهاد العشرات بسبب القصف العشوائي الذي تعرضوا له.

لملمت الحياة حقائبها وغادرت الحي وخيّم الحزن على المنطقة بأكملها، آلاف المواطنين توجهوا إلى منازل أقاربهم علها تكون أكثر أمناً وآخرون ذهبوا إلى مدارس غوث وتشغيل اللاجئين "الأنروا"، وإلى مدارس أخرى نظراً لوجود أعداد كبيرة من النازحين.

وفي تصريح رسمي صادر عن "الأنروا" أكدت فيه أن أكثر من 61000 شخصاُ طلبوا الأمن والأمان في مراكزها المخصصة كمأوى للنازحين من بيوتهم الذين تجاوز عددهم أعداد النازحين قبل خمس سنوات خلال الاجتياح الأخير.

وذكر مسؤول في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" أنهم فتحوا مخازن الوكالة لتقديم المساعدات الموجودة للعدد الكبير من الجرحى والنازحين، ودعوا المجتمع الدولي للمسارعة إلى تقديم المساعدات الضرورية لتفادي كارثة إنسانية محققة. وطالبت الوكالة بتوفير ستين مليون دولار فوراً لتوفير دعم عاجل لسكان القطاع.

وأسفرت المجزرة عن استشهاد وجرح مئات المواطنين معظمهم من النساء والأطفال والرجال المسنين، فيما بلغت  الخسائر المادية أكثر من 1000 وحدة سكنية بشكل كامل وحوالي 17460 وحدة سكنية بشكل جزئي وهي غير صالحة للسكن.

 

رواية البطولة:

هاجم الاحتلال حي الشجاعية مسببا كارثة انسانية بداخله، كونه أعلى تجمع سكاني في قطاع غزة، ولكونه حياً مغلقاً لا يمكن الدخول اليه بسهولة من قبل أي غريب، فغالبية سكانه يعملون في الأعمال الحرة، وفيه أعلى نسبة إنجاب في العالم تقريباً، حيث يبلغ معدل الأسرة الواحدة ما بين 8- 16 فرداً وغالبيتهم يعملون في صناعة الحدادة والبناء ؤوصلت النسبة العادية من المواليد في حي الشجاعية حوالي 10 آلاف مولود في العام وربما يزيد عن ذلك كثيراً، وعليه كان الاحتلال منزعجاً جداً.

ويعرف الحي بشجاعة سكانه وتأييده للمقاومة، ولهذا تستشعر "تل أبيب" خطورة حي الشجاعية، ولهذا هو هدف رئيس من بين الأهداف ما دفع بقوات الاحتلال لتنفيذ مجزرتها الأولى والثانية، ولكن الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية أكدت أن غزة ومقاومتها انتصرت لأنها أنزلت هزيمة بجنود الاحتلال على أعتابها، وجعلتهم يهرولون تحت جنح الظلام هاربين من نيران المقاومة، حيث فعلت ما لم تفعله جيوش كبرى، وأجبرت عدوّها على الاندحار وجعلت منظوماته الجوّية والأرضية والبحرية عاجزة أمام قدرات المقاومة، وأوضحت فصائل المقاومة أن الكيان الغاصب لن ينعم بالأمن والأمان ما لم يأمن شعبنا ويعيش بحرية وكرامة.

ولهذا أثبتت المقاومة الباسلة أنها تقود ملحمة النصر حيث حققت انتصاراً نوعياً على العدوان ودكت بصواريخها أبعد الحدود في الأراضي المحتلة حيث ألحقت بالعدو خسائر موجعة سواء بالأرواح أو المعدات من خلال المواجهات المباشرة معهم وضمن مجموعة كمائن محبوكة باحتراف ومهارة..

وأصابت ضربات موجعة في صفوف أقوى لواء عسكري في جيش العدو، اللواء جولاني الذي أصيب قائده ونائبه بجراح بليغة...

 

شهادات حية:

 تستذكر امرأة فلسطينية لحظات خروجها من الحي "اليهود - الله يغضب عليهم – بدأت الصواريخ تستهدفنا بشكل عشوائي واحتمينا في الجدران إلى أن خرجنا بأعجوبة من المنزل- حسبي الله ونعم الوكيل على كل الحكومات العربية"، هذا ما قالته هذه السيدة ووجهها مملوء بالحكايا الموجعة.

وعلى أطراف غزة وبالتحديد من أمام مستشفى أبو يوسف النجار تواجد عدد كبير من الأشخاص الناجيين من المجزرة. تتحدث أم محمد وهي تجلس على رصيف المستشفى "وضعنا مأساوي جداً... ليس لدينا ملابس ولا أغطية شتوية  والبرد أصبح قارساُ... ولازال الأطفال مرتعبون من هول ما شاهدوه وما يعانونه الآن".

يقول أبو أحمد ـ وهو رجل مسن بالسبعين من عمره التقينا به في مدارس غوث وتشغيل اللاجئين فهو من المواطنين الذين لجأوا إلى "الأنروا" بعد أن دمر الاحتلال منازلهم ـ "جريمة بشعة تلك التي حصلت في الشجاعية بيوتنا دمرت.. وشوارعنا حرقت... فقد استهدفت آليات الاحتلال كل ما في الحي من حي وجماد".

فيما قال أحد شهود العيان بلهجة التحدي والمقاومة "لن نغادر منازلنا ولو على دمائنا... سندفع كل ما نملك من دماء ومن صغير وكبير... ولن يدوسوا أرضنا أبداً ولن تتكرر الثمانية وأربعين ولا الستة وخمسين ولا السبعة وستين... سنقاوم جيل يطرد جيل وسندافع عن الشجاعية وعن الخليل وعن الأقصى وعن كل مكان ولو وصلت بالسكاكين... هذه رسالة للقاصي والداني للعربي والأجنبي" قال الرجل هذه الكلمات معلناً تمرده على النيران والقذائف التي تحيط به في كل مكان.

قصص ورسائل كثيرة رواها الشهود في هذا اليوم وثمة قصص لم تسنح الفرصة لتوثيقها بعدسة أو رصدها بقلم... لكن آثارها لازالت على الأرض وواضحة في وجوه كل من بقي حياً.

ورغم كل الدمار الذي أحدثه العدوان على القطاع إلا أن المقاومة الفلسطينية وقفت راسخة كأشجار الزيتون في وجه

العدوان الغاشم، وكبدت العدو خسائر كبيرة حيث استهدفت بصواريخها أماكن عدة وحساسة (منها "تل أبيب" و"مطار بن غوريون" وغيرها) واخترقت عمق كيان الاحتلال وجعلت جنوده ومستوطنيه يهرعون خائفين مذعورين ليحتموا في الملاجئ، فحققت المقاومة الفلسطينية بذلك انتصاراً نوعياً هزّ أركان الاحتلال.