فى الصفحات تتبدل الأحلام، سقط الشهيد الأسير معتز حجازي في معركته الأخيرة إلا أن حربه لم تنته بعد، ضد الاحتلال، والطغيان، حرب ضد الظلم والاضطهاد الصهيوني، الذي يتعرّض له أبناء شعبه على أرض الوطن فلسطين، حرب ضد الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس واستباحة المسجد الأقصى، وحرب ضد عوامل الزمن والنسيان، وما زال يرفع قبضته متحدياً الاحتلال.
نعم نقول ذلك ونحن نرى شعب بشبابه ونسائه وأطفاله ورجاله يصنع فجراً لحرية قادمة، يحاول أن ينتزع هويته الوطنية من براثن الاحتلال، واليوم يمضي معتز حجازي شهيداً على أرض سلوان البطله في حي الثوري، بعد العملية البطولة التي استهدفت المجرم "يهودا غليك" أحد زعماء المتطرفين الصهاينة في قلب مدينة القدس، هذه العملية التي أكد أبطالها اختراق هام لنظرية الأمن الصهيوني ولإجراءاته في المدينة، حيث كتب الشهيد معتز أن القدس والأقصى لنا، لن تخيفنا سياساتهم ومخططاتهم لا أنكر دمي ولا أتنكر له، وإذا كان يرفعني بنظر البعض درجة فإنه يرفعني بنظر نفسي درجات، وحين ينسكب على جذع قضية مقدسة ليسقي شجرة مقدسة فإنه يصبح مثل سائر الدم، الذي يرويها، آية نور وشلال عطاء، يرفع أصحابه بنظر الناس والتاريخ إلى أعلى الدرجات، ويضع من يفدي حقه وشعبه والحرية بدمه في صدر الجنة.
من يقدم دمه دفاعاً عن الأرض والمقدسات، ويقتل ويستشهد من أجل أن تحيا الأجيال القادمة ويزول الاحتلال وتطهر القدس من دنس الصهاينة، يكون في أمته شمعة تضيء ليلها وطرقها الشائكة وقدوة تقتدي بها أجيالها، ويقدم للتاريخ مأثرة، فهو يستحق تكريماً وتقديراً وإكباراً من كل نوع، من كافة المكافحين ضد الاستعمار والاحتلال والاستلاب، لأنه كتب بدمه رسالة الحرية والاستقلال والعدالة منأرفع الظلم عن شعبنا.
لهذا نرى أن انتظار المستحيل لم يعد يجدي نفعاً، وأن كلمات إدانة لاي عمل مقاوم يرتد على أصحابها من أي جهة كانت، والتاريخ النضالي العربي الفلسطيني هو تاريخ مجيد، ومن حق الشعب الفلسطيني ومناضليه القيام بالدفاع عن أنفسهم وذويهم وبيوتهم، وهنا نسأل أين أصحاب العروبة والإسلام بعد أن تصبح العروبة معرة والإسلام مجرد مبرة لا روح فيه ولا ثورة على الظلم ولا تعلق بالحرية والعدل، هل تنتظرون إنصافاً من الإدارة الأميركية وحكومات العدو، أو الضغط على الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات والسلام المزعوم الاستسلام بلا سلام، فلهذا نقول لبعض العرب الذين لم يتوانوا عن خطب ود الادارة الامريكية وحليفتها حكومة الاحتلال محاولة التقرب منها بأشكال مختلفة، بعد أن نسي العرب دمهم ونسوا أرضهم ونسوا قضية فلسطين، يسخرون عقولهم لخدمة الاستراتيجية التي يضعها عدوهم ومحتل أرضهم حتى يكون كل منهم حرباً على نفسه وشعبه وقضيته وينخر إرادة أمته ثم يسلِمها من بعد هيكلاً بالياً للعدو، هذا العدو الذي لا يكف ولم يكف لحظة واحدة، حتى في ظل المفاوضات التي كانت دائرة والمبادرات العتيدة، عن القتل والحصار والاعتقال والتصفيات من كل نوع وصولاً لتهويد القدس وتدنيس الأقصى ومحاولة هدمه.
عجيب أمر من يدين أي عمل ضد الاحتلال والاستيطان ولا يرى فيها منقذاً وعاملاً مهماً ومشروعاً للدفاع عن النفس والحق في وجه عنصرية واحتلال الصهاينه دفاعاً عن الأرض والحرية والاستقلال.
إن من يعمل على قتل إرادة شعبنا هو شريك للاحتلال ومن يريد لنا مسيرة جديدة من الوهم، تستمر سنوات أخرى من المفاوضات يكون فيها الكيان الصهيوني قد استنفد الأرض الفلسطينية كلها بالاستيطان وقتل هو وحليفه الأميركي وعميله العربي نقول لهم كفاكم انحياز للقوة العمياء والظلم والخوف واللهاث وراء أميركا والصهيونية العنصرية، عجيب هذا العالم الذي لا ينصف المظلوم ولا يتفهم دفاعه عن نفسه ويريد أن يدين دمه الذي يصرخ، أنا مظلوم، عجيب هذا العالم، ولكن الأشد إعجاباً فيه هو الإنسان المصمم على النصر والمصمم على الكتابة من أجل الحرية، بالدم وليس بالحبر الفاسد.
لقد آن الأوان لاجتراح إستراتيجية شاملة لتدعيم صمود المقدسيين، من خلال خلق تغيير في النهج الفلسطيني والعربي للتعامل مع السياسات الاحتلالية الإسرائيلية التوسعية، لا نطالب هنا بتحريك الجيوش لتحرير القدس، فهذا شرف لم نعد نتجرأ بالاقتراب منه أو التحدث عنه، ولكن كل ما نطالب خطوات عملية بدايتها أن تجمع الأمة أمرها وتنسى خلافاتها وأن ترقى إلى مستوى الحدث الخطير الذي تتعرض له القدس هذه الأيام، وتتخذ قرارات جماعية قادرة على لجم الاحتلال قبل أن تصحو ذات يوم وقد هدم الأقصى ونضرب كفًاً بكف ونقول على القدس السلام.
ها هي فلسطين في اللحظة النضالية الراهنة تكتب بدماء شهدائها المسيرة النضالية الفلسطينية المجلجلة والدم الفلسطيني المقاوم النازف الذي يجمع محطات نضالية تسير بأجمعها هي ملحمة فلسطينية بأسطوريتها الفريدة.
إن الشعب الفلسطيني العظيم الذي هبّ هبة رجل واحد باستشهاد معتز حجازي يؤكد بهذه النماذج المناضلة أنه لن يُهزم، أو يستسلم، أو يفرِّط وهو يتهيأ لانتفاضة القدس، لذا يقع على عاتق الفصائل جميعها دعم وتطوير هذا الحراك، وتوفير متطلباته.
إن استشهاد الأسير المناضل المحرر معتز حجازي يمثل جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة الجرائم الطويلة والكثيرة، التي ارتكبتها حكومات الاحتلال المتعاقبة، من هنا نرى أهمية استنهاض القوى الحية وأحرار العالم إلى ضرورة تفعيل تحركاتها ودعمها للهبة الشعبية في القدس وكشف جرائم الاحتلال التي تجاوزت كل القيم والمثل الإنسانية، فلا يجوز أن تغض النظر عن هذا الرصيد المشرف للإنسانية جمعاء.
ختاماً: لا بد من القول أنه بالرغم من المرارة والألم لا يزال يحدونا الأمل في أحرار العالم أن تكون قضية القدس والمسجد الأقصى محور اهتمامهم، وهذه فرصة للعمل الجاد لتحقيق اختراق في هذه القضية، ونقلها من الساحة المحلية إلى العربية والدولية، لكي نشكل جبهة ضغط على الاحتلال، ومحاكمته على جرائمه.