Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الشهيد الشقاقي والأسئلة المصيرية في الحالة الفلسطينية.. ثابت العمور

الشهيد الشقاقي والأسئلة المصيرية في الحالة الفلسطينية.. ثابت العمور

  كالسيل المتجدد، والنهر المتدفق الذي لا ينضب، هذا هو الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي باختصار، تمر الذكرى تليها الذكرى وهو الحاضر الدائم والحارس القائم على تلابيب القضية الفلسطينية، القضية المركزية للأمة، قبل الشروع في هذا المقال تناقشت مع مجموعة أصدقاء متعددي التوجهات والخلفيات والآراء والجنسيات،

لم يكن الشقاقي مركز الحديث لكن التساؤلات حول ما آلت إليه أوضاع القضية الفلسطينية وحيثياتها هي التي استحضرت الشهيد الشقاقي، فهمس صديق قائلاً: أنا أحب هذا الرجل، وتحدث صديق مصري قائلاً: لماذا تغيّر الحال وتبدّل، ألم تكن مصر هي الرافد العلمي والأكاديمي والفكري للشقاقي، ألم يجد في سنوات حياته بمصر خيط الإجابة على كل تساؤلاته، ومنها انطلق، ترى ما الذي تغيّر وتبدّل لتصبح القضية الفلسطينية عبئاً عربياً يُراد التخلص منه، فردّ صديق فلسطيني قائلاً: لم تكن مصر رافدًا للشقاقي وحده، ولكن المفارقة أنها كانت رافدًا للوطنيين والإسلاميين واليساريين، فعرفات هو الآخر وجد الخيط في مصر وغيره كثيرون من قادة فلسطين.

لست بمعرض الحديث عن تاريخ العلاقة بين مصر وفلسطين، ولا الخلفيات والحيثيات والمحطات، فهذا أمر يطول شرحه، فالمقال والمقام هنا يتعرضان للشهيد الدكتور فتحي الشقاقي في ذكرى استشهاده، والسؤال المحوري والمركزي لماذا اغتيل الشهيد فتحي الشقاقي؟، وماذا لو قدّر له أن يعيش بيننا إلى الآن، ترى هل كان الواقع الفلسطيني قد وصل إلى ما وصل إليه؟ والسؤال يمتد إلى قائمة كبيرة وطويلة من الاغتيالات الصهيونية التي نفذت ضد كثير من القادة الشهداء، كان أولهم وعلى رأسهم الشهيد الشقاقي، ثم قادة الصف الأول من فتح وحماس وصولاً لاغتيال الشهيد أبو علي مصطفى، والشهيد أبو عمار، والشيخ أحمد ياسين، والرنتيسي وغيرهم.

نعم هذه تساؤلات محورية ومركزية ممتدة لكنها تتوقف عند الشقاقي تحديدًا، ودون مبالغة تميز الشقاقي رحمه الله، بأنه أفرد مساحة واسعة وممتدة في الفكر، وفي الممارسة، يدعمها ويؤكدها ويدلل عليها ما تركه من أدبيات لم تترك شاردة ولا واردة، إلا وقد أفردت لها مساحة وأجابت عليها، وهذا هو مربط الفرس الذي نفتقده الآن، لا نكاد نجد أدبيات وكتابات تقدم تصورًا وإجابات، ووجهة نظر موضوعية تجيب على التساؤلات المركزية الواجبة واللازمة في المشهد الفلسطيني، وما آلت إليه التبعات الحاصلة لا سيما عقب سنوات الانقسام مثلما أوردها الشقاقي.

إن أدبيات الشقاقي كانت ولا وزالت حصناً وملاذاً لكل التطورات المتلاحقة، فالرجل لم يتعرّض لمركزية القضية الفلسطينية وبعديها العربي والإسلامي فقط، ولم يصالح الإسلاميين والقوميين فقط، بل أوجد حصانة ذاتية لحركة الجهاد الإسلامي التي أسّسها وأرسى ثوابتها في الفكر والممارسة، وتقتضي الموضوعية القول بأن حركة الجهاد الإسلامي لم تنزلق إلى ما انزلقت اليه كثير من الفصائل الفلسطينية، سواء بقبولها أن تكون شاهد زور في منظمة التحرير الفلسطينية، حتى كادت أن تتلاشى، عندما ابتلعت السلطة المنظمة، ولم يبق منها سوى بعض الأطلال، ولم تنحرف بوصلتها إلى خيارات لا سلام ولا حرب، وبالتالي لم تدخل إلى نفق التسوية وتبعاته، وما ترتب عليه من خيارات، حتى شهدنا في فترة من الفترات تغيير المواثيق والثوابت واللوائح، ولم تنجر إلى عملية سياسية رسمية، ولم تشارك فيها وتتحمّل تبعاتها الداخلية والإقليمية والدولية، لم تكن الجهاد الإسلامي جزءً من انقسام أو اصطفاف داخلي، أو خارجي، لم تكن شاهد زور على تسوية، ولا شريكاً في انقلاب على الحالة الفلسطينية من الثورة، إلى التسوية عبر بوابة المنظمة، ولم تكن صاحبة شعار المراحل والتفاوض المتدحرج، لم تذكر أدبيات الشقاقي أن هناك حدوداً غير الحدود التاريخية لفلسطين، لم يحضر في الخطاب غزة وأريحا أولاً، ولم يُلوّح بالقبول مبدئياً بحدود العام 67، لم يتردد في أدبياتها قدساً شرقياً، أو غربية، أو تقسيم، أو دولة ثنائية القومية، ولا دولتين، بل قال الشقاقي إن أرض فلسطين لا تتسع لأكثر من شعب هو الشعب الفلسطيني، ولهذا وعلى هذا أعدت العدة والمنهج والمسار.

إنني لا أجد في ذكرى الشهيد الشقاقي بداً ولا بديلاً إلا باستحضار منهجه ونهجه، لا جهادياً فقط أي لا باقتصاره على حركة الجهاد الإسلامي، ولكن كمنهج فلسطيني عام وشامل ثبت بالتجربة التاريخية، وبالتفاصيل اليومية، أنه منهج حقيقي موضوعي يتقاطع ويلتقي مع كل الخيارات الفلسطينية الحقيقية والتي تصل كلها إلى الحق الفلسطيني، إن الحرب الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة، والتهويد الحاصل في القدس والتنكر لاتفاقيات التسوية والسلام والحصار والضغوط المفروضة على قطاع غزة منذ أكثر من سبع سنوات، نتيجة تجربة ديمقراطية، اختارها الشعب الفلسطيني، وقرر نتائجها، كلها نتائج وتبعات وتداعيات تدفع بالضرورة إلى التوقف عند ما قاله الشهيد الشقاقي وذهب إليه قبل حوالي عقدين من الزمان.

كلما قرأت للشهيد الشقاقي وجدت مساراً محدداً واضحاً ومعلومة بوصلته صوب الجهاد، دون تعارض مع هويته الإسلامية والوطنية، نعم إن البحث في أدبيات الحركة الوطنية الفلسطينية عموماً والحركة الإسلامية بوجه خاص، باستثناء حركة الجهاد الإسلامي يجد أن هناك تساؤلات لم يجاب عنها بعد تتعلق بالعلاقة بين الوطني والإسلامي، وتتعلق ببقية مكونات المشهد الفلسطيني وتساؤلات تتعلق بمستقبل القضية وامتداداتها وعلاقاتها بالبعدين العربي والإسلامي.

لقد جرّبنا فلسطينياً التسوية ومآلاتها ومقتضياتها، والآن وبعد عقدين ما هي النتيجة؟، ثم جرّبنا الحكم الذاتي بأداته السلطة الفلسطينية؟، ثم جرّب البعض أن يكون جزءًا من هذه السلطة وأحد مكوناتها، ودخل عبر بوابة الانتخابات ولعبة الديمقراطية فماذا حدث؟، ما المانع من استحضار مدرسة الشقاقي الفكرية والجهادية في الكل الفلسطيني. إن حفاظ حركة الجهاد الإسلامي على منهج الشقاقي ونهجه هو دلالة الحضور الدائم والمستمر للشهيد الشقاقي، وهو حصانة وهو تحدٍّ كبير في ظل ما تمرّ به القضية الفلسطينية، وما وصلت إليه، قبل أن ننهي لقاءنا وعندما هَمّ أحد الأصدقاء بالمغادرة قال: (ماذا لو لم يكن الشقاقي في الحالة الفلسطينية؟، وماذا لو لم يؤسس حركة الجهاد الإسلامي؟ ماذا لو تصوّرنا المشهد الفلسطيني وتوقفنا عند مطلع الثمانينات وبقيت كلاً من الحالة الوطنية والإسلامية على ما كانت عليه؟).

 

"القدس للأنباء"