ما يجري في القدس المحتلة، يستحث النداء الجريح، للعرب وللمسلمين لأن يبذلوا الجهد الواجب، لإنقاذها من براثن الوحش الصهيوني المتطرف. وللأسف لدينا 57 دولة في إطار منظمة التعاون الإسلامي لها علاقات مفتوحة مع الشرق والغرب،
وللعالم مصالح حيوية عندها، والقدس ليست مدينة عادية. هي زهرة المدائن التي لا ينقلب حجر فيها إلا وكشف عن سطور من تاريخ العرب والمسلمين وأسلافهم الأقدمين.
ثمة كلام خطابي كثير في المناسبات. وثمة أدعية من فوق المنابر تمتزج بحسرات العاجزين. لكننا بعد سنوات طويلة من احتلال القدس وإمعان المحتلين في تغيير معالمها وفي محاولات تهويدها واحتباس سكانها المرابطين المحتشدين بين أسوارها وفي التخوم؛ لم نرَ وقفة عز، يقف فيها العرب والمسلمون مجتمعين، أمام راعية "إسرائيل"، التي تمتشق "الفيتو" كلما اقتربت الإرادة الدولية من موقف يكبح جماح القوة الظلامية الغاشمة التي تعربد في أولى القبلتين وثالث الحرمين.
اليوم، وبعد أن أحاط المحتلون الأقصى بوقائع استيطانية واستكملوا عناصر خنق السكان وعزلهم عن محيطهم الاجتماعي في سائر الأراضي المحتلة؛ بدأوا في الإلحاح على تنفيذ مشروع أعدوه، للتقاسم الزمني والمكاني في مساحة الأقصى. انتقلوا إلى الـ144 دونماً التي يقوم عليها المسجد الأقصى وقبة الصخرة. وهذه مساحة تزدحم بنحو 200 معلم تاريخي يخص أمة المسلمين وأمة العرب وتاريخهم وآثار أسلافهم.
لو أن العرب والمسلمين، سجلوا وقفة عز حقيقية، لصالح الأقصى، حتى وإن اقتصرت على تعليق التعاطي مع أحد المشروبات الغازية الأميركية، ثم لوّحوا بالتصعيد؛ لكان الأميركيون، إدارة وكونغرس وناخبين، اضطروا للإعراب لـ"إسرائيل" عن الأسف لعدم تمكنهم من إسناد عربدتهم بالمال وبالمواقف السياسية والفيتو. وسيكون في ثنايا وقفة العز التي نرجوها، إفهام الأميركيين أنهم يخسرون استراتيجياً وينحسر نفوذهم وتزداد الكراهية لهم وتتعاظم أسباب رفضهم عربياً وإسلامياً، بجريرة سياسات "إسرائيل" الظلامية المهووسة!
لم نعد نرى في الخطابة، ولا في البيانات الحكومية أية قيمة. مردودة هي على الخطباء وعلى كتبة السلاطين. فعندما لا يقترن الكلام بالعمل والموقف، تصبح استهبالاً ومضغاً يستحق سخرية الشعوب. فالأوروبيون كانوا ضد الاستيطان، في موقفهم الجزئي حيال العدوان المتمادي على أرضنا وشعبنا، وقرنوا موقفهم بعمل جاد لمقاطعة منتجات المستوطنات. أما العرب والمسلمون فلم يقرنوا كلاماً بأي عمل. وفي حلكة هذا الزمن، مضى الاحتلال في توحشه، مطمئناً إلى فقدان العرب والمسلمين للبوصلة، وعدم اكتراثهم لحقيقة أن القدس مركز بوصلتهم والوجهة الصحيحة لأنبل الواجبات والفرائض!