الذكرى الـ19 لاستشهاد الشهيد المعلم الدكتور فتحي إبراهيم عبد العزيز الشقاقي (أبو إبراهيم) مؤسس وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
الرفاعي: الجهاد تسير وفق رؤية ثابتة بعد 19 عاما من استشهاد الدكتور الشقاقي
أكد الحاج أبو عماد الرفاعي ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان، أن الحركة تؤمن بكون المخرج الذي يجب أن تتوجه إليه الامة العربية والإسلامية يأتي عبر توحيد الجهود لمواجهة العدو الصهيوني، وذلك استنادا إلى مشروع الدكتور الشقاقي.
كلام الرفاعي جاء خلال مقابلة خاصة أجراها موقع فضائية فلسطين اليوم معه بمناسبة الذكرى الـ19 لاستشهاد الدكتور المؤسس فتحي الشقاقي..
1 - في الذكرى الـ19 لاغتيال مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي، هل استطاعت الحركة تجاوز تداعيات الاغتيال؟
لا شك أن الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي كان رمزاً وقائداً شكل بشخصيته القيادية والعلمية محوراً هاماً، وشخصية تجديدية استثنائية، سواء على الساحة الفلسطينية او على صعيد الحركة الإسلامية. ومن عرفه عن قرب يدرك تماماً أن شخصية بمستوى الدكتور فتحي الشقاقي يصعب تعويضه على المستوى الشخصي، وأن اغتياله جاء وهو في قمة عطاءاته وإبداعاته. والنهج الذي أسسه الشهيد وإخوانه كان مدركاً لما قد يقدم عليه العدو الصهيوني، ولا سيما أن سياسة الاغتيال منهجية صهيونية معتمدة منذ تأسيس الكيان الصهيوني، الذي اغتال الكثير من القادة والمجاهدين. لذلك، فإن حركة الجهاد الإسلامي قامت في الأساس على الإيمان بالفكرة والنهج، قبل التنظيم الحركي. وهي بهذا استطاعت تجاوز الارتباط بالأشخاص، الى الارتباط بالأسس والمبادىء التي تقوم عليها حركة الجهاد. ومن هنا نرى أن الحركة، على المستوى الميداني والعملي، لم تتأثر بعملية اغيتال رمزها الأول وأمينها العام المؤسس، بل على العكس من ذلك، فإننا نعتقد أن دماء الدكتور الزكية قد أضافت المزيد من الحيوية الى هذه المبادىء وأمدتها بمصداقية مضاعفة، وكما قال الدكتور نفسه مرة: إن حركة يستشهد أمينها العام لا يمكن أن تهزم. والكل بات يدرك أن الموقع الذي احتلته حركة الجهاد الإسلامي على مستوى الصراع مع العدو الصهيوني لم يعد بالإمكان تجاوزه، وأن الحركة استطاعت أن تطور أداءها الميداني والجهادي، وأن تعزز وجودها في الساحة الفلسطينية، وعلى مستوى العالم الإسلامي، وأصبحت محل احترام وتقدير كبيرين على المتسويات كافة. والقيادة الحالية للحركة، والتي رافقت الدكتور الشهيد منذ بدايات التأسيس، التزمت بالأفكار والمبادىء ذاتها التي قامت عليها الحركة، رغم كل الصعوبات والظروف المعقدة، بل واستطاعت أن تطور أداء الحركة ومواقفها في إطار الثوابت التي قامت عليها.
2 - ما الذي أضافه مشروع الشقاقي إلى الساحة الفلسطينية؟
لا بد من التأكيد بداية أن الشهيد الشقاقي لم يكن مجرد قائد تنظيم أو فصيل فلسطيني مسلح، مع أنه أبدع في ذلك، ولكنه كان قبل كل ذلك مفكراً ومنظراً على مستوى الحركة الإسلامية، وانتاجه الفكري وأدبياته تشهدان على ذلك. لقد استطاع الشهيد القائد، رحمه الله تعالى، أن يحل كثيراً من الإشكاليات على المستويين الفلسطيني والإسلامي، واستطاع أن يترجم تصوراته الى منهجية عملية وجهادية واضحة.
على سبيل المثال، كان يرى أن الصراع بين الوطنية والقومية من جهة، والإسلام من جهة ثانية، والذي مزّق العالم العربي خلال فترة السبعينات من القرن الماضي، هو صراع مفتعل، تغذيه القوى التي تريد تمزيق الأمة، وتعيق قدراتها. لذلك، كان الشهيد أول من دعا الى حل هذه الإشكالية، معتبراً أن الصراع مع العدو الصهيوني يتماهى فيه الإسلامي والوطني والقومي، مع أنه كان يقدم الإسلام على غيره. وكذلك الحال، كان الدكتور الشهيد أول من أطلق شعار أن فلسطين هي القضية المركزية للحركة الإسلامية، داعياً الحركات الإسلامية في العالم الى توجيه بوصلتها باتجاه فلسطين، معتبراً أن تحرير فلسطين هو مشروع المواجهة الأساس مع المشروع الغربي في المنطقة، ومقدماً رؤيته للمشروع الصهيوني كرأس حربة للمشروع الغربي، وليس مجرد احتلال عارض. هذه الإسهامات، وغيرها، هي الجوهر الذي تتميز به رؤية حركة الجهادالإسلامي. وعلى المستوى الميداني، استطاع الشهيد، أن يترجم رؤيته، القائمة على أسس قرآنية وتاريخية وواقعية، من خلال إطلاق الجهاد والكفاح المسلح من داخل فلسطين ذاتها، وأن يأتي بالحركة الإسلامية الى فلسطين. وهو ما نشهد اليوم نتائجه الطيبة، حيث استطاعت قوى المقاومة، ولا سيما الإسلامية منها، أن تحقق إنجازات كبيرة من خلال التمسك بفكرة الجهاد والمقاومة في فلسطين.
3 - ما هي الصعوبات والعقبات التي تواجه حركة الجهاد في إكمال مشروع الشقاقي؟
حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين متمسكة بمشروع الشهيد الشقاقي القائم على ثلاثية: الإسلام وفلسطين والجهاد. فهذا هو جوهر المشروع الذي بنيت عليه حركة الجهاد الإسلامي، ولا تزال متمسكة به. ولذلك، فإن الحركة حريصة على إقامة أفضل العلاقات مع الحركة الإسلامية، بكافة تياراتها واتجاهاتها، على أساس أن فلسطين هي القضية المركزية التي يجب أن تتوجه إليها كل الجهود، وأنها قبلة الجهاد التي لا شبهة فيها. أما الصعوبات التي تواجه استكمال هذا المشروع، فمنها ما يتعلق بظروف موضوعية، مرتبط بالصراع مع العدو الصهيوني والظروف في المنطقة، وأخرى ذاتية ترتبط بالوضع الفلسطيني الداخلي. فالحركة لا تعمل في فراغ، فهي تخوض حرباً حقيقية ضد الكيان الصهيوني الذي يستهدف قياداتها وكوادرها، بالملاحقة والاغتيال والاعتقال، الأمر الذي يفرض على الحركة تحديات هائلة. كما أن الحركة تتأثر بالظروف والمناخات التي تعصف بالمنطقة، ولا سيما خلال السنوات الأخيرة، حيث تفجرت مجموعة من الفتن والاضطرابات الدموية على أسس مذهبية وطائفية، وأخرى عرقية. والحركة حريصة على حفظ قضية
فلسطين وشعبها من الانجرار الى مستنقع الفتنة، وتصر على التمسك بضرورة توحيد كل الجهود نحو تحرير فلسطين، لأن فلسطين تشكل المخرج الحقيقي من دوامة الصراعات التي تريد استنزاف الأمة، وتدمير ثرواتها وقدراتها، وتمزيق وحدتها، والقضاء على مستقبل شبابها وأجيالها. نحن نؤمن أن الصراع ضد العدو الصهيوني في فلسطين هو الجهاد الحقيقي، نظراً لما تشكله فلسطين من قضية جامعة، لما تختزنه من رمزية عقدية وتاريخية وحضارية من جهة، ولأن مواجهة المشروع الغربي تقتضي مواجهة رأس حربته، المشروع الصهيوني، في فلسطين، ودون ذلك لن تتوحد الأمة ولن تخرج من كبوتها. وعلى صعيد الوضع الفلسطيني الداخلي، فإننا نؤمن بضرورة التمسك بالوحدة الداخلية، على أساس المقاومة وضرورة بلورة مشروع استراتيجي فلسطيني موحد، يحفظ قضيتنا، وحقوق شعبنا، ويحرر أرضنا ومقدساتنا. لذلك، فنحن مطمئنون الى أن الحركة تسير في ذات المشروع الذي أرساه الشهيد الشقاقي، وهي ماضية فيه، ومتمسكة به، لأنها لمست صوابيته على أرض الواقع.
4 - حركة الجهاد تنأى بنفسها عن المشاركة بمؤسسات السلطة واكتفت بالتأكيد على الدور المقاوم وهذا ما يصفه البعض بعدم الواقعية وأنكم تطرحون برنامجاً لا يمكن تحقيقه، كيف ترون ذلك؟
الاستراتيجية التي تقوم عليها حركة الجهاد الإسلامي هي أن تحرير فلسطين مسألة أكبر من قدرات وإمكانات الشعب الفلسطيني الذاتية. لذلك، فإن الحركة ترى أن دور المقاومة في فلسطين ينحصر في أمرين: أولهما استنزاف العدو الصهيوني وعدم السماح له بالاستفراد بشعبنا الفلسطيني، وعدم منحه الفرصة لتثبيت وجوده. وقد نجحت المقاومة في ذلك الى حد كبير. والعدو نفسه يعترف أن المقاومة تشكل خطراً وجودياً على مشروعه واستمراره في المنطقة، رغم كل الظروف السيئة التي تعيشها المنطقة. والأمر الثاني هو استنهاض الأمة العربية والإسلامية، المسؤولة عن تحرير فلسطين وإنقاذها. ضمن هذه الرؤية، نحن نرى أننا منسجمون مع رؤيتنا لإدارة الصراع، ونعتقد أنها الرؤية الواقعية التي ثبت صحتها وصدقها وواقعيتها، بدليل أن من كان يقول إن المقاومة عبثية اضطر في نهاية المطاف الى الاعتراف بدورها وجدواها. ولذلك، فإننا، في حركة الجهاد الإسلامي، نرى أن المشاركة في أجهزة السلطة بهذا المعنى يشكل عائقاً أمام المقاومة، ويفرض عليها التعاطي بطريقة مختلفة قد تعيق حركة المقاومة ويعرقل تطورها، وقد يجرها الى صراعات ومناكفات داخلية لا تخدم المقاومة.
5 - كيف ترى مستقبل الحركة في ظل ما تشهده الدول العربية من أزمات وتغيرات؟
رغم كل ضبابية المشهد في الكثير من الدول العربية، ورغم ألمنا الكبير لكل الدماء والفتن التي تعصف بالمنطقة العربية، إلا أننا نؤمن أن المخرج الذي لا بدّ أن يتوجه إليه الجميع يوماً هو توحيد كل الجهود نحو مواجهة العدو الصهيوني، رأس حربة المشروع الغربي، للخروج من مستنقع الاستنزاف. لذلك، نحن نرى أن مستقبل حركة الجهاد مرتبط بتطور الوعي لدى الأمة العربية والإسلامية، وبالخصوص لدى أبناء الحركة الإسلامية. ولذلك، نحن على ثقة ويقين بمستقبل مشروع الحركة، لأنها حركة تستند الى أمة، وليست مجرد تنظيم مسلح.
6 - . كيف تنظر إلى حاضر حركة الجهاد الإسلامي اليوم بعد 19 عاماً من استشهاد مؤسسها؟
أعتقد أن أي منصف لا بد وأن يرى أن حركة الجهاد الإسلامي تسير وفق رؤية ثابتة، وتؤدي أداء مميزاً، وهي تتطور باستمرار، سواء في ميدان المقاومة والجهاد ضد العدو الصهيوني، أو لناحية صوابية الأفكار والمرتكزات التي تتمسك بها الحركة، والتي يثبت يوماً بعد يوم أنها كانت على مستوى التحديات، رغم صعوبة الظروف. لذلك، نحن مطمئنون الى حاضر الحركة ومستقبلها، لأن حركة الجهاد الإسلامي، وببساطة، لا تريد شيئاً لذاتها، بل ترتبط موضوعياً بحركة الأمة، وبقضيتها المركزية في فلسطين.
الشهيد المعلم الدكتور
فتحي إبراهيم عبد العزيز الشقاقي (أبو إبراهيم)
مؤسس وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
الشهيد المعلم الدكتور فتحي إبراهيم عبد العزيز الشقاقي: مؤسس وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، من قرية «زرنوقة» بالقرب من يافا في فلسطين المحتلة عام 1948. شرّدت عائلة الشهيد من القرية بعد تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948 وهاجرت إلى قطاع عزة حيث استقرت في مدينة رفح، وأسرة الشهيد الشقاقي هي أسرة فقيرة حيث كان يعمل الأب عاملاً.
ولد الشهيد فتحي الشقاقي في مخيم رفح للاجئين عام 1951، وفقد أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان أكبر إخوته، درس في جامعة «بيرزيت» بالضفة الغربية وتخرّج من دائرة الرياضيات وعمل لاحقاً في سلك التدريس بالقدس في المدرسة النظامية ثم جامعة الزقازيق، وعاد إلى الأراضي المحتلة ليعمل طبيباً في مشفى المطلع بالقدس وبعد ذلك عمل طبيباً في قطاع غزة.
أثّرت هزيمة العام 1967 تأثيراً بارزاً على توجهات الشهيد الشقاقي، حيث قام بالانخراط في سنة 1968 بالحركة الإسلامية إلا أنه اختلف مع الإخوان المسلمين، وبرز هذا الخلاف بعد سفر الشهيد لدراسة الطب في مصر عام 1974م، فأسّس الشهيد المعلم ومجموعة من أصدقائه حركة الجهاد الإسلامي أواخر السبعينيات. اعتقل الشهيد المعلم في مصر في 1979 بسبب تأليفه لكتابه «الخميني، الحل الإسلامي والبديل»، ثم أعيد اعتقاله في 20/7/1979 بسجن القلعة على خلفية نشاطه السياسي والإسلامي لمدة أربعة أشهر. غادر الشهيد مصر إلى فلسطين في 1/11/1981 سراً بعد أن كان مطلوباً لقوى الأمن المصرية.
قاد بعدها الشهيد المعلم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وسجن في غزة عام 1983 لمدة 11 شهراً، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1986 وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 4 سنوات و5 سنوات مع وقف التنفيذ: لارتباطه بأنشطة عسكرية والتحريض ضد الاحتلال الصهيوني ونقل أسلحة إلى القطاع، وقبل انقضاء فترة سجنه قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية بإبعاد الشهيد المعلم من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين بتاريخ 1 أغسطس (آب) 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. تنقّل بعدها الشهيد فتحي الشقاقي بين العواصم العربية والإسلامية لمواصلة جهاده ضد الاحتلال الصهيوني إلى أن اغتالته أجهزة الموساد الصهيوني في مالطا يوم الخميس 26/10/1995 وهو في طريق عودته من ليبيا إلى دمشق بعد جهود قام بها لدى العقيد القذافي بخصوص الأوضاع المأساوية للشعب الفلسطيني على الحدود المصرية.
ويعدُّ الشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي أحد أبرز رموز التيار المستنير داخل الحركة الإسلامية لما يتمتّع به من ثقافة موسوعية، واستيعاب عقلاني لمشكلات الحركات الإسلامية وقضاياها في العالم العربي والإسلامي. كما يعتبر الشهيد المعلم مجدد الحركة الإسلامية الفلسطينية وباعثها في اتجاه الاهتمام بالعمل الوطني الفلسطيني، وإعادة تواصلها مع القضية الفلسطينية عبر الجهاد المسلح، فدخلت بذلك طرفاً رئيسياً ضمن قوى الإجماع الوطني الفلسطيني بعد طول غياب.
وقد صدرت في القاهرة عن مركز يافا للدراسات موسوعة بأعمال الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي السياسية والفكرية والثقافية تعكس شخصية الشهيد وآرائه ومواقفه.
الشهادة هي المعادل الموضوعي للحياة
... في مهرجان الشهادة يلتقي المجاهدون ليؤكدوا أن الشهيد لا يذهب إلى الموت، بل يذهب إلى الاشتباك المستمر، لا ينهي الانفجار أو الرصاصة دورَهُ في المقاومة. كل ما يحدث أن الروح القلقة الخوافة تتحرَّر من القلق والخوف، من أي شيء وعلى أي شيء، وتبدأ في نقر الأرواح الميتة والنائمة والمتقاعسة لتوقظها وتحرُّرها وتطلقها لتصطف في المعركة. الشهداء يُعيدون تشكيل الحياة بزخم أكبر وبإبداع أعظم لتبقى الشهادة هي المعادل الموضوعي للحياة، فلا حياة ولا تاريخ لنا بدون الشهداء، لا ماضي ولا مجد وعبرة، هم الذين يصنعون لنا المستقبل وليس المرجفون والمعاهدون على الصَّمت والنُّكوص، وتجارة الأوطان وبيع بيت المقدس.
الشهداء ينزرعون في الأرض، يورقون ويثمرون وتخضّرُ بهم حياتنا ويبنون لأمتهم التاريخ والمجد.
والمعاهدون المرجفون يحرصون على الحياة، على أي حياة، وينغمسون في نهمهم وذواتهم التي تماهت مع العدو ولحقت به إلى جحر الضب، حتى لو كانت النتائج سلاماً مفخخاً يُنذر بحروب جديدة، بل هو أسوأ من كل الحروب.
إن بركة دم الشهداء التي أراها أمامي هي التي جعلتني أفهم بعمق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، وددتُ أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل».
... وحدهم الشهداء قادرون على وقف المهزلة، وإعادة النجوم إلى مداراتها وحركة التاريخ إلى اتجاهها الصحيح وحده الدم سيهزم السيف.
... إن فلسطين آية من الكتاب ولذا لن تضيع كما يتوهم المهزومون والمرجفون والمعاهدون على بيعها، إنها آية من الكتاب من نسيها فقد نسيَ الكتاب، ومن نسي الكتاب فقد القدرة على الوعي والرؤيا.
من كلمة للشهيد القائد فتحي الشقاقي ألقيت في ذكرى يوم الشهيد (11/11/1994)
من مداد الشهيد المعلم
النصر صبر ساعة
أيها المرابطون فوق أرض الرباط حين عزّ الرباط وعزّ القتال وعزّ السلاح، أيها القابضون على جمرة الدين وجمرة الوطن.. أيها الصاعدون والدنيا من حولكم في هبوط، أيها المشتعلون بالفرح والأمل والدم فيما الآخرون من حولكم ينطفئون وينكفئون، أيها المحزونون قرب مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس وقرب خليل الرحمن وفي ساحة مسجد القسام في غزة.
أيها الذاهبون إلى الشهادة فداء الأمة وفداء الوطن فيما قادتكم السادرون في غيّهم، وهم كثير قد شربوا حتى الثمالة كأس الوطن الأخير في مجلس الوطن الأخير.
كان موعدكم مع التاريخ وكانت الأمة على موعد مع انتفاضتكم التي ولدت عملاقة وكانت الشجاعية على أبواب غزة هي الملتقى.
هناك التقى محمد وسامي وأحمد وزهدي وجهاً لوجه مع جنود العدو ورجال مخابراته.. حدقوا وحدقوا ثم أطلقوا رصاصهم قبل أن يسقطوا شهداء ليتوزّع دمهم على جداول وأنهار فلسطين ليبدأ الفيضان والطوفان، كان الشهداء الأربعة وكان سبقهم مصباح قبل أيام، يختزنون في دمهم الطاهر، ويطوون على القلب أحزان الأمة وفرحها وطموحها وحبها للموت والحياة، كانوا يختزنون في دمهم الطاهر تلك الانتفاضة ـ المعجزة التي انبثقت نجمة حمراء على جبين الشعب الوطن والأمة.
من كلمة وجّهها الشهيد المعلم في الذكرى الرابعة لشهداء الشجاعية الذين فجّروا بدمهم الانتفاضة
كلمة في ذكرى مرور خمسة أعوام على الانتفاضة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه
يا جماهير شعبنا الفلسطيني العظيم
اليوم هو السادس من تشرين/ أكتوبر حيث نطوي خمسة أعوام كاملة من عمر انتفاضتنا العزيزة الباسلة. اليوم نطوي القلب حزناً وافتخاراً باستشهاد أبطال الشجاعية البواسل، شرارة الانتفاضة وطلقتها الأولى في زمن الخيبة الذي انفجر ببركة دمهم حجارة ونشيد حرية.
اليوم تتم عامها الخامس وتمضي هذه المعذبة المغدورة، فتية حية لم تعرف التعب، كأنها لا تنزف كل يوم، كأنهم لم يعتقلوها آلاف المرات في صحراء النقب، كأنها لم تشهد حفلات التضليل والتمويه في المجالس والمؤتمرات.
كأنهم لم يجرجروها إلى سوق النخاسة في مدريد وواشنطن لتباع بأبخس الأثمان.
كأنها المعجزة، تكمل الانتفاضة اليوم عامها الخامس رغم المدججين بالسلاح ورغم المدججين بالذهب ورغم المدججين بالنفاق والكذب تكبر خارج المؤامرة، خارج اليأس والإحباط، خارج الفتنة، لتؤكد أنها البديل للذين عميت أعينهم عن البديل.
يا جماهير شعبنا العظيم
إننا لا نخوض معركة وهمية في مواجهة الجبابرة كما يحاول بعض من بني قومنا أن يوهمنا وأن يقنعنا إنه لم يعد في مواجهة موازين القوى القائمة من سبيل للجهاد والكفاح والمقاومة، وأن ليس من بديل سوى التفاوض واستمرار التفاوض حتى لو طلبنا نحن من العدو أن يضم الضفة والقطاع ثم نناضل لأجل حقوقنا السياسية في "الكنيست" العتيد كما قال أحدهم أو بعضهم قبل فجر الانتفاضة واليوم يأتون أنفسهم ليزرعوا اليأس والإحباط وليبشروا بالهزيمة على أنها القدر المحتوم وبالتالي علينا أن نرضخ للإملاءات الصهيونية وأن نقبل مشروع الحكم الإداري الذاتي، أن نقبل بما يقدمونه لنا على أمل القيام والنهوض من جديد في مستقبل قريب أو بعيد.
إننا نعي وندرك ونؤكد أن هذه التسوية ستجعل من شعبنا في الداخل مجرد أقلية في وطنه، سيأمل العدو بطردها في مستقبل قريب أو بعيد.
كما تعني توقيعاً فلسطينياً على مواثيق ومعاهدات ستصبح جزءاً من القانون الدولي مما سيحول بين الأجيال القادمة وبين الجهاد والكفاح لأجل إحقاق الحق الفلسطيني وفي نفس الوقت فهي تعني السماح بحالة تطبيع فلسطينية وعربية وإسلامية كاملة مع الكيان الصهيوني الذي يسعى لاختراق المنطقة والهيمنة عليها اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وثقافياً محققاً بذلك المضمون الحقيقي لفكرة "إسرائيل الكبرى".
في نفس الوقت علينا أن نعي أن هذه التسويات لا يمكن أن ترفع معاناة لأن المعاناة لا يمكن أن ترفع إلا بزوال الاحتلال وبزوال المشروع الصهيوني من فوق أرضنا.
إن هذه التسوية ستكرّس المعاناة عندما تعطي الشرعية لحق الاحتلال في البقاء والاستمرار في حين لا شرعية لهذا الكيان بمجرد القهر والقوة مهما طال الزمن.
إننا نؤكد رفضنا القاطع والصريح لمشروع الحكم الذاتي لما يحمله من أخطار وآثار، وما يعنيه من تصفية لقضيتنا المقدسة وطمس لهوية شعبنا ونقول لهؤلاء الذين يتساءلون بسوء نية عن البديل، يقولون لنا ما هو بديلكم عن استمرار المفاوضات؟ نقول لهم لقد تبوأتم مكانكم الذي أنتم فيه على مدى ربع قرن كامل بحجة أنكم تملكون هذا البديل، وبدون ذلك ما كان لكم أن تتحكموا في مقدرات هذا الشعب وطاقاته ومساره.
واليوم وبعد أن صادرتم هذه المقدرات والطاقات بل وبددتموها، وبعد أن حرفتم مسار شعبنا ونضاله وزرعتم تلك الثقافة المسمومة عن ضعف شعبنا وأمتنا أمام طغيان المعادلة الدولية لتنبتوا اليأس والإحباط. وبعد كل هذا تتساءلون عن البديل.
تحاصروننا في كل مكان وتمنعونا من الحركة وتكمون أفواهنا لتمنعونا من الكلام ثم تتساءلون عن البديل؟
إننا نعذركم أو لنقل إننا نفهمكم وندرك بواعثكم وأسباب تباطئكم وتخاذلكم وتراجعكم، وقد صرتم المطبوعين الذين يسيرون إلى حتفهم، وصرتم الأمراء الذين يهون أمام ترفهم ونمط حياتهم مصير الأمة ولم يعد بعد ذلك من سبيل لكم إلا الانحناء للقدر الأمريكي الذي تتهمون، ولم يعد شعبنا الحي وانتفاضته العملاقة بالنسبة لكم سوى مادة للإعلان والمزايدة نعلم أين كنتم عند انفجار بركان الانتفاضة، ولكن ألم تلحظوا أن جيل الاحتلال الذي تربى في ظل قهره وقمعه هو الذي اجترح هذه الانتفاضة الثورة؟ فماذا هو صانع جيل الانتفاضة المتمرد. فلتعلموا أن الشعب الذي رد على أطروحات الذوبان في الكيان السياسي الصهيوني بالانتفاضة المعجزة قادر على إبداع المزيد في سبيل استمرار المعركة وحتى تحرير كامل الأرض. فهذا السيد الأمريكي وحليفه الصهيوني ليس قدراً نخشاه ونحن الذين نتلوا قوله تعالى ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل، لم يمسسهم سوء وابتغوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم﴾.
إن البديل هو الصمود والثبات واستمرار خط الجهاد، خيار أمتنا العقائدي والتاريخي. فهذا ليس صراعاً على جغرافيا صغيرة، إنه صراع على امتلاك التاريخ وصراع على كل الأرض لأن فلسطين هي مركز الصراع الكوني اليوم ولأن التطاحن من حولها سيبقى سمة العصر حتى تسقط أوهامهم، وأسماؤهم وأعلامهم، ولأن أمتنا تحمل أمانة المواجهة، مواجهة الغرب المستكبر والكيان الصهيوني ومواجهة النظام الدولي الجديد القادم لأجل قهرنا وتركيعنا. ولذا سيبقى جهادنا ومقاومتنا أمل كل الأمة وأمل البشرية كلها على ظهر الأرض في بزوغ فجر نموذج إنساني يعدل ولا يقهر، يجدد ولا ينهب، يتعارف ولا يستعمر أو يهيمن.
إن التغيير قادم باذن الله، فأيهما أفضل أن يجدنا في مواقعنا صامدين نساهم في تحديد مصيرنا ومستقبلنا، أم يجدنا أذلاء خانعين نحمل صك التسليم للطغيان الأطلسي العبري.
لا والله لا نهون ولا نستسلم، لا والله لا نفرط في نعمة الجهاد ولا نعمة الاستشهاد، لا والله لا نفرط بالوطن والهوية ودم الشهداء بحجة زائفة واهية اسمها رفع المعاناة، يعلم المتفاوضون قبل غيرهم وبعد عام من خيبات الأمل والإذلال على طاولات التفاوض يعلمون أنها لن ترفع بل ستُكرس.
يا جماهير شعبنا
يا طلائع الجهاد الإسلامي اليوم نطوي خمسة أعوام من النضال الصعب والمرير تكرّس خلالها خط الجهاد الإسلامي القاطع الواضح الصريح، خط مصباح ومحمد وسامي وأحمد وزهدي وكل الشهداء، خط خالد ونضال.. إلى آل اعبارية وإخوانهم الأبطال، خط خولة بنت الأزور وزينب الكبرى الذي تجسده اليوم زهرة الجهاد الإسلامي البطلة عطاف عليان أمدها الله وإخوانها وأخواتها بالقوة والعزيمة. هذا هو خطنا المتجاوز الباقي رغم المؤامرة، مؤامرة اليافطات مدفوعة الثمن التي كانت فاقدة لمبرر الوجود والحياة من أول يوم وقد سقطت ليبقى خطكم كحد السيف قاطعاً كشمس النهار.
أيها الأسرى البواسل
في ذكرى الانطلاقة انطلاقة الانتفاضة التي تواكب أيام جوعكم وجهادكم الصعب، ننحني أمام معنى جوعكم وروعة صمودكم وثباتكم. الكلمات أعجز ونحن أخجل وأخجل، يا للعار لقد تناولنا طعامنا هذا اليوم، أما أنتم فجعتم وصمتم فداء العقيدة وفداء الوطن.
لكم المجد أيها البواسل. وأنتم النجوم التي تضيء هذا الليل. اعلموا أن الأمة تنظر اليوم إليكم (فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
المجد لكم
المجد والخلود للشهداء
الموت للغزاة، تحيا فلسطين عربية مسلمة
المصدر: من أرشيف حركة الجهاد الإسلامي ـ بتاريخ 6/10/1992.
مداد الشهيد
مركزية قضية فلسطين
كانت جحافل الغرب الاستعماري تتقدّم باتجاه الوطن الإسلامي، فثورة الغرب الصناعية تحقق نتائج علمية ومادية باهرة تصعد إلى أوجها، والحقد الصليبي القديم لم يبرح صدر الغرب ولم يغادر دمه، وهكذا تقدّم الغرب في ظل العنف المسلح الذي كان ضرورياً وأساسياً لتحقيق أهدافه، ولكنه لم يكن كل شيء في عملية اقتحام الغرب للبيت الإسلامي، لم تكن السيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية بقادرة على حسم المعركة، فقد بقي للأبعاد الحضارية والثقافية الدور الحاسم والكلمة النهائية لأن خلاص هذه الأبعاد وتحرّرها من تأثير المستعمر يجعلنا قادرين على النهوض وإفشال كل أشكال السيطرة الأخرى، سواء العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية. ولذلك عمد الغرب إلى (شنّ حرب شاملة) ضد الوطن الإسلامي وتكريس (القابلية للاستعمار) في نفوسنا، وتدمير منابع القدرة الداخلية، وذلك بتحطيم المكوّنات العقدية والفكرية والحضارية للمجتمع الإسلامي وتغيير أنماط المعيشة والإنتاج فيه بما يخدم مصالحه ويحقق التبعية له.
لقد كانت حرباً شاملة، معركة شرسة تقدّمت فيها جيوشه على محورين:
المحور الأول:
وتضمّن ثلاث مراحل:
- إسقاط النظام السياسي الإسلامي: وإنهاء دولة الخلافة، فبعد أكثر من قرن من الوجود الاستعماري الغربي في المنطقة والذي شكلّت الحملة الفرنسية طليعته نجحت الهجمة الغربية في إسقاط الدولة العثمانية، آخر الدول الإسلامية ورمز الوحدة الإسلامية لقرون عديدة.
- تدمير المؤسسات الإسلامية القائمة: سواء كانت بقايا موروثة من أجهزة الدولة العثمانية أو جمعيات ومعاهد إسلامية تلك التي كانت من الممكن أن تشكل قوارب النجاة باتجاه التكتل من جديد لإعادة الخلافة، ولم يكتف الغرب وتلاميذه بهجمتهم تلك، فقد عملوا على خلق مؤسسات موازية ومعادية، كانت محاكاة مشوّهة وناقصة لمؤسسات الغرب.
- محاولة تدمير العقل المسلم: وحشوه بمفاهيم الغرب ليقطع كل طريق على عملية التفكير بإعادة الخلافة، فمجرّد تدمير المؤسسات الإسلامية وبقاء العقل الإسلامي في يقظة كفيل بمحاولة البدء من جديد وكفيل بنجاح المؤسسات الإسلامية والتنظيم الإسلامي من جديد.
المحور الثاني:
ويتضمّن ثلاث مراحل موازية للمراحل السابقة من جانب، ومتمّمة لها في نفس الوقت من جانب آخر:
- التجزئة: وتفتيت الوطن الإسلامي الواحد إلى عشرات الأقاليم والوطنيات حتى أصبحت حدود سايكس بيكو هي الحدود الشرعية التي يحافظ عليها كل إقليم وأعطي المبرّر لعلم جديد ونشيد وطني جديد في كل قُطر، ورغم أحلام الوحدة التي انتشرت بعد ذلك إلا أن الانتقال إلى الصراعات القومية والإقليمية والحدودية المدمّرة أصبح ظاهرة روتينية فقبل أن يمضي على تأسيس وقيام باكستان (بعد انفصالها عن الهند) ربع قرن كانت تنشطر إلى قسمين مستقلين بعد حرب طاحنة ومدمّرة، والجزائر منذ استقلالها في صراع حدودي مع المغرب، وتشاد مع ليبيا، وشمال السودان مع جنوبه، وشمال اليمن مع جنوبه، وفي عاصمة واحدة كبيروت، صراع دموي بين شرقيّها وغربيّها وفي كل شطر صراعات وطوائف متحاربة... الخ.
- التغريب: والذي بدأ منذ أول يوم للحملة الفرنسية وكان واضحاً في الرسالة الماكرة التي بعث بها نابليون بونابرت للمصريين وكان كاسحاً في إرسال المثقفين والسياسيين الذين تمّت سرقتهم لصالح الغرب وتمّت تربيتهم في حضاناته ليتم في النهاية تكريس التبعية للغرب.
- إقامة "دولة إسرائيل": التي تُعتبر أهم وأخطر وأعنف أشكال الحرب الشاملة، وبقيامها واستمرار وجودها في القلب من الوطن الإسلامي تكون الهجمة الغربية قد نفّذت أهم وأخطر مهماتها فنحن هنا لا نواجه مجرّد تحدٍ عسكري أو مجرّد تحدٍ فكري، وإنما تجمعاً استيطانياً عدوانياً في مكان هام وحسّاس من الوطن الإسلامي يعطي للصراع كل أبعاده التاريخية والحضارية والعقدية والفكرية إضافة إلى الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية. وبقيام "إسرائيل" لا تصبح ثقافة الأمة فقط هي المهددة بل وجودها برمّته، إن إقامة "إسرائيل" تعني أيضاً تأكيد تكريس كل المراحل السابقة: استمرار غياب النظام السياسي الإسلامي. وتدمير المؤسسات الإسلامية، واستمرار محاولة تدمير العقل المسلم، بالتجزئة والتغريب.
وكل هذا جميعه يعطي للصراع مع "إسرائيل" تلك الخصوصية في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة وفي ممارستها أو ما نطلق عليه (مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للحركة الإسلامية المعاصرة). وهذا ليس شعاراً مجانياً التقط من بين خيارات متعددة وليس رفعاً لأهداف آنيّة أو مرحلية ولكنه الشعار.. الاستراتيجية التي فرضها التقاء تاريخنا الحديث والمعاصر بالمطلق القرآني.
فإذا كانت مهمات الحركة الإسلامية المعاصرة قد حدّدتها تحوّلات تاريخنا نحو مواجهة نتائج التحدي الحديث في التغريب والتجزئة وإقامة الكيان الصهيوني، وإذا كان الكيان الصهيوني واستمراره قد أصبح يمثل مركز التحدي ومركز الهجمة الغربية وضمانة لاستمرار هيمنتها على واقع التقسيم والتبعية والتخلف، فإن على كل أجنحة الحركة الإسلامية وعلى ملايين جماهير الأمة في كل مكان أن تمدّ خطاً مستقيماً من قلب جبهتها المتقدمة في معركة النهضة وفي كل إقليم من أقاليم الوطن الإسلامي، نحو المركز.. نحو القدس.. إن جماهير الأمة تحمل في داخلها وجعاً خاصاً من أجل فلسطين، وذلك لأن حسّها التاريخي والعقائدي يخبرها بأن هناك.. على ذلك الشريط الصغير من شرق المتوسط، تقع نقطة الصدام المركزية.. وهناك ستُحسم معركة تاريخنا المعاصرة.. إن الوحدة على فلسطين هي وحدة الوعي بأن بقاء الكيان الصهيوني يعني إفشال كل مشاريع النهضة، ولهذا فإن الجدل حول من أولاً: مواجهة التبعية والتغريب والتجزئة أو مواجهة الكيان الصهيوني هو جدل نظري تحكمه حسابات الربح والخسارة الآنية أكثر من السعي الجاد لبناء استراتيجية متكاملة ومتماسكة لمشروع النهضة الإسلامية المعاصرة، إن الوحدة حول فلسطين هي وحدة التاريخ مع القرآن وهي إعادة الملايين المتقدّمة نحو قدرها.. هي مشروع النهضة كله. وفي القدس.. جوهر ومركز الصراع الكوني اليوم تتحدّد ملامح المعركة الفاصلة بين عباد الله حملة راية الوحي وقيم الوحدة من جهة، وحملة قيم فلسفة الصراع من الجهة الأخرى، بين المتطلعين إلى وجه الله.. الساعين إليه، والمتمردين على الله الذين أقاموا في الأرض أبشع نموذج حضاري في تاريخ الإنسانية.
وإن استمرّ الجَدَل حول من أولاً؟ فإننا نؤكد أن هذه الخصوصية وهذه المركزية للقضية الفلسطينية لن تعني بحال التقليل من أهمية وأهداف ومهمات أخرى للحركة الإسلامية المعاصرة كقيام الدولة الإسلامية ووحدة الحركة الإسلامية وانتصار الثورة الإسلامية العالمية، على العكس تماماً فالتعامل مع هذه القضية من هذا المنظور هو الذي سيدفعنا باتجاه تحقيق الأهداف، إنها علاقة تبادلية (جدلية) واضحة وأكيدة هي التي تربط بين القضية الفلسطينية وتلك الأهداف والمهمات.
إن الحركة الإسلامية مطالبة اليوم أن تعطي لفلسطين خصوصيتها (المنسية) وأن تؤكد على مركزيتها في النظرية والتطبيق (في فكرها وممارستها)، وهي في ذلك لا تنسى لحظة أنها إسلامية ربّانية تجعل من مرضاة الله (عزّ وجلّ) غايتها القصوى وتجعل من (إحداث البعث الإسلامي في كل الأرض) غايتها الدنيا. كما تجعل هدفها البعيد تجاوز أزمة التحدي الغربي الحديث وحلّ المشكلات التي يواجهها المسلمون حلاً يتفق مع عقيدة الإسلام وشريعته. أما هدفها القريب فيبقى إعادة النظام السياسي الإسلامي إلى الوجود بإقامة دولة الإسلام. والحركة الإسلامية في تأكيدها على هذه الخصوصية والمركزية ليست محكومة بمزاج إقليمي أو بمجرّد مصلحة اجتماعية أو وطنية وإنما هي محكومة بأسباب (قرآنية وتاريخية وواقعية شاملة) أوسع وأبعد من أي حدود جغرافية. أسباب تفرض على هذه الحركة أن تجعل من فلسطين محوراً لنشاطها السياسي اليومي باعتبارها ذروة التماس بين منهج الإسلام ومنهج الغرب، وباتجاه تحقيق الغايات والأهداف السالفة.
عن كتاب «المنهج» الذي أرسى فيه الشهيد القائد فكر حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
في ذكرى استشهاد القائد المعلم فتحي الشقاقي:
النصر يصنعه المجاهدون
يتجدد حضورك أبا إبراهيم مع كل صبح، مع كل شروق شمس، مع كل رياح عشق تهبّ من أرض الكنانة، من فلسطين الحبيبة، تُقرؤنا السلام، وتخبرنا بأن نصر الله حان، وأن غزة هاشم لا احتلال فيها، وأن رفح الشقاقي بالحرية تنعم، وأن الأقصى ينتظر المجاهدين القابضين على جمر السلاح..
ظنّوا أنهم قد غيبوك، وما غيبوك، فنحن نراك تنطلق كسهم ناري يخترق صدور الحاقدين، نراك تثب كنسر يعشق الشهادة، مع كل طلقة وصاروخ، مع صرخة طفل، وعزيمة مجاهد تلفّع بالصبر وبخيار النصر أو الشهادة طريقاً وحيداً نحو وجه الله الكريم.
في ذكرى رحيلك، يتجدد اليقين ويزداد رسوخاً، فالزمن لم يطو أوراقه ويلملم بقاياه ويرحل. وصمدت آخر حبات الليمون، ونضجت الثمرة وأول القطاف في غزة بدأ، وموسم القطاف المكتمل سيجيء قريباً بإذن الله، وهذا اليقين. تأتينا فارساً في وقتٍ عزّ فيه من يجرؤ على الكلام، في زمن لم يعد زمن الانفجار، بل زمن الطلقة المخبأة بعباءة «الإرهاب» في عرف أمريكا.
رغم كثرة الجروح تنهض القدس وتتقدم، تحتضن الدم المسفوح هناك ظلماً وتقبّله وتلملم شظايا الروح لمقاوم آخر تكون معه رصاصة ضد القتلة. تنهض لتحتضن دم أبا إبراهيم لترسم وتسيّج بدمه حدود فلسطين كل فلسطين. تنادي وتصرخ بأعلى الصوت:
أبا إبراهيم أيها القائد الذي لم يترجل عن صهوة الجواد رغم رصاصات الغدر، بل حافظ على اليقين، وسلّم الأمانة لأمين على العهد قائم، ومضى لتصنع حركة الجهاد الإسلامي ومعها كل المجاهدين والمقاومين المستقبل، وتحفظ التاريخ، وتحمي الجغرافيا.
أبا إبراهيم: لم تعد فلسطين ومضة حلم كما أراد البعض وتمنّى؟ والتراب أمسى والدم يرويه. وأفق الأمل بات يزداد أن النصر تصنعه سواعد المجاهدين القابضين على جمر القضية، الحارسين لمسيرة الإسلام، المنافحين عن كرامة القدس.
لن يسكت بركان الغضب العارم، ولن يُخمدوا صوته الصادح بالحق مع دوي نداء الفجر عند ندى الصباح يجدّد القسم للوطن والشهداء.
في زمن الانتفاضة/ المعجزة، زمن محمد الدرة، وفارس عودة ومقلد حميد، وصلاح شاكر، ومحمد الشيخ خليل... يبقى فتحي الشقاقي شعاع أمل يكسر صخر جبال الغاصبين بيديه الناعمتين. يأتيهم مع الشهداء في «نتساريم» و«تل أبيب» و«حيفا» و«الخليل» وحي الزيتون.. ليعلن أن الأعداء لن يستطيعوا سرقة الروح المتوثّبة، وأن غضب المظلوم سيحصد رقابهم.
فتحي الشقاقي دوي الانفجار آتٍ، فالدم ـ كما قلت ـ عنوان المرحلة، وفلسطين تبقى القضية المركزية بها نعرف أولوياتنا، وعلى صخر جبالها نقهر الأعداء.
قالوا في الشهيد..
«كان أصلب من الفولاذ، وأمضى من السيف، وأرقّ من النسمة. كان بسيطاً إلى حد الذهول، مركباً إلى حد المعجزة! كان ممتلئاً إيماناً، ووعياً، وعشقاً، وثورة من قمة رأسه حتى أخمص قدميه. عاش بيننا لكنه لم يكن لنا، لم نلتقط السّر المنسكب إليه من النبع الصافي (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)، (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، لكنّ روحه المشتعلة التقطت الإشارة فغادرنا مسرعاً ملبياً (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)».
الدكتور رمضان عبد الله شلح، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي
كان كل فكره الإسلام وكان كل همه فلسطين.. وهكذا سقط شهيد الإسلام في معنى فلسطين وشربت فلسطين من دمه لتبقى في حيوية الجهاد من أجل التحرير واحتضن الإسلام الشهيد في المسيرة الكبرى المنطلقة نحو النصر والفتح القريب.
لقد ارتفع شهيداً ولم يسقط.. أعطى القضية كله وصنع للإسلام تاريخاً جديداً وأعطى الأمة في شهادته بطلاً جديداً.
ومازالت ذاكرة تعيش قلق البحث من مرحلة جديدة لحركته، وخطة جديدة لثورته، وتدفع كل إخوانه في داخل الحركة وخارجها إلى متابعة المسيرة فكراً وروحاً وحركة ونصراً أو شهادة من أجل الإسلام في فلسطين، ومن أجل فلسطين في خط الإسلام ومن أجل الإسلام كله والإنسان كله والأرض كلها ويبقى (فتحي) يفتح من فكره درباً جديداً ويمنح المسيرة في ذكراه روحاً جديدة.
ويبقى معنا ويحيى معنا ونحيا جميعا في امتداد القضية في حركة الإسلام في الواقع كله الذي تختصره كلمه فلسطين وستعود فلسطين ولو امتد الزمن.
السيد محمد حسين فضل الله ـ (مرجع وعالم إسلامي كبير ـ لبنان)
«..في مدرسة الشهيد القائد الدكتور فتحي الشقاقي كما في مدرسة الشهيد القائد عباس الموسوي نقف هنا لنقرأ الفكرة التي تجسدت في شخص الشهيد تقرؤها في عينيه في صوته وحنجرته في حركة حياته في كل تفاصيل هذه الحياة يصبح للفكرة وضوح من نوع آخر مع الشهادة أولاً إذا لا بد من موت وهي مشيئة الله الحاسمة في كل الخلائق حتى في الخطاب لحبيب الله إنك ميت وإنهم ميتون. إن كان لا بد من موت وهو الأجل المكتوب على جبين كل بشري فأفضل الموت القتل في سبيل الله وكما كان يقول علي بن أبي طالب: لألف ضربة بالسيف أحب إلي من ميتةً على فراش، الشهادة هي هذا القتل في سبيل الله، ليس كل مقتول شهيداً، أو يمكن أن نسميه شهيداً. إن ذلك الذي يقتل في سبيل الله هو الشهيد».
سماحة السيد حسن نصر الله أمين عام «حزب الله»
«سيظلّ يُحسب للشقاقي ورفاقه أنهم أعادوا للجهاد اعتباره في فلسطين. فقد تملكوا تلك البصيرة التي هدتهم إلى أن مسرح النضال الحقيقي للتحرير هو أرض فلسطين، وتملكوا الشجاعة التي مكَّنتهم من تمزيق الهالة التي أحاط بها العدو جيشه ورجاله وقدراته التي «لا تُقهر»، حتى أصبح الجميع يتندرون بقصف الجنود الإسرائيليين الذين دبَّ فيهم الرعب، وأصبحوا يفرّون في مواجهة المجاهدين الفلسطينيين».
ويضيف: «سيظلّ يُحسب أيضاً للشقاقي توريثه الأرض لتلاميذ لا يعرفون طعماً للهزيمة، وأنّى لهم بالهزيمة وقد تتلمذوا على يد الشقاقي..»!.
الكاتب المصري المعروف فهمي هويدي
«عرفته صُلباً، عنيداً، متواضعاً، مثقفاً، متعمقاً في الأدب والفلسفة، أشدّ ما أعجبني فيه هذا المزيج من التكوين الذي جَمَع إلى شخصه المجاهد الذي يقضُّ مضاجع جنرالات الجيش الذي لا يُقهر، وشخصية المخَطِّط الرّصين الذي يغوص كما يؤكد عارفوه في كل جزئيات عمله بحثاً وتمحيصاً يتحمّل مسؤولية كاملة.. جَمَع إلى ذلك شخصية المثقف الإسلامي المعاصر الواقعي المعتدل.. وهو مزيج نادر بين النماذج الجهادية التي حملت راية الجهاد في عصرنا؛ إذ حملته على خلفية ثقافية بدوية تتجافى وكل ما في العصر من منتج حضاري كالقبول بالاختلاف، والتعددية، والحوار مع الآخر، بدل تكفيره واعتزاله».
الشيخ راشد الغنوشي ـ تونس
«لم يكن له صوت صاخب ولا جُمَل رنانة، وكان هادئاً في الحديث، وتميّز بالمرح الجيَّاش الذي يولِّد طاقة الاستمرار حتى لا تكلّ النفس، أعجبته كلمة علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عندما نصحوه باتخاذ احتياطات ضد المتربّصين به، فتحرّر منذ البداية من كل خوف؛ ليتحرّك خفيفاً طائراً بجناحين: الشِّعر والأمل في الشهادة».
الكاتبة والمفكرة «صافيناز كاظم»
«فدائي ومجاهد من نوع متميّز فدائي داخل الانتماء الذي طاله، وفدائي في النمط الذي انتهجه. في الأولى استطاع بعد أن كان درعاً لتلقي السهام أن يُحوّل السهام؛ لترمى حيث يجب أن ترمى، وفي الثانية استطاع أن يؤسّس لما بعد الفرد».
الصحفي «فضل شرورو»
عرفته من خلال عكوفه الدائب على صنع الجهاد.. من خلال كؤوسه المترعة بخمر الشهادة. عرفته من خلال انتصاره للإنسانية التي حولها الذئاب إلى أشلاء!.. عرفته وهو يمزق أقنعة الدجل التي تحتضن الإرهاب وتعشقه سراً، وتصطنع التنديد جهراً.
كانت أيام حياته سلسلة بطولات أشرق بها جهاد الشبيبة التي من حوله، والتي تستفتح أبواب الجنة بمفاتيح الشهادة.. لقد علّم رجاله، من خلال يقينه الراسخ أن الشهادة في سبيل الله أسمى متعة يمكن أن يتذوقها إنسان، وأطرب نشوة يمكن أن تطوف بالرؤوس، غير أنها مخبوءة داخل لفافة من وهم الآلام واختراق الأخطار.
ولقد علم أعداءه، أعداء الإنسانية والحق، أن الموقنين بأحد الحسنيين، ما كانوا يوماً ما ليقيموا وزناً لتهديدات الدنيا كلها، وماذا عسى أن تعني هذه التهديدات أمام السلطان الرباني القائل:
«أقض ما أنت قاض… إنما نقضي هذه الحياة الدنيا».
علّمهم كيف يفقهون أن الحياة الشخصية لا قيمة لها، عندما تكون هي الثمن لتأديب الطغاة وبتر أيدي العابثين بإنسانية الإنسان، والمستهترين بحقوقها.
د.محمد سعيد رمضان البوطي (مفكر إسلامي ـ سوريا)
العزاء في فتحي الشقاقي، المجاهد في زمن الهرولة، أنه قد استشهد في يوم القدس ومعها، وأن قاتلها هو قاتله، وأن المؤتمرين شركاء في الجريمة التي يستحيل «تسويقها»، أو توظيفها كرصيد لبنك التنمية الذي لا يجد من يدفع رأس ماله وإن وجد آلاف طلبات الاستدانة، بينما مقره معلق مثل مهمته (…).
فرأس القدس على المنصة، ومعها رأس فتحي الشقاقي يرسم إطار المهمة الحقيقية للمؤتمر ورعاته والدعاة.
طلال سلمان
من عرف أبا إبراهيم عرف صدق القيادة، وعرف نزاهة النفس، كان، رحمه الله، جريئاً لا يخشى في الحق لومة لائم.. حمل هموم شعبه وأمته على أكتافه في حله وترحاله، متنقلاً من مكان لآخر من أجل نشر رسالة الدفاع عن قضية شعبه، رغم مخاطر السفر، مؤمناً بالله والقدر، مرحباً بالشهادة، مطمئناً على أسرته وإخوانه، بأن النهج الذي أقامه والبنيان الذي أشاده مستمر بعونه تعالي، كان رحمه الله على يقين المؤمن واثقاً من أن إخوانه في الجهاد ماضون على هذا النهج الميمون الذي اختطه المغفور له أبو إبراهيم.
الدكتور طلال ناجي
قالوا: القضيّةُ فاندفعتَ تجودُ بالدَّمِ للقضية
لا تَرْهَبُ الأعداءَ في الهيجا، ولا تخشى المنيّةْ
يا منْ إذا ذُكِر الوفاءُ أْو المروءَةُ والحميَّةْ
كنتَ الأثيرَ بهنَّ ليس سواكَ فردٌ في البريّةْ
أما فلسطينُ الحبيبةُ، والرّوابي السندسيَّةْ
والمسجد الأقصى المبارك والديارُ المقدسيّة
فلها الدماءُ الغالياتُ هديَّةُ أزكى هديَّةْ
أما التفاوُضُ فهو ذُلٌّ، وهوَ محوٌ للهويّةْ
ولذا فلا حَلٌ هناكَ بغيرِ حلّ البندقيَّةْ
محمد صيام أحد قادة حماس
«عن رجل عبر حياتنا مثل برق»
نافذ أبو حسنة
ثمة من سأل مرة: هل قدر أولئك الذين نحبهم أن يعبروا سريعاً؟ أم أننا نحبهم أكثر لأنهم مضوا مسرعين؟ هذه حال البرق. يضيء. ونظل ننتظر إطلالة أخرى.
كتب الشاعر معين بسيسو مرة عن رجل «ينبت البرق من بين أصابعه». حينما تقرأ، تحاول تخيل الصورة: كيف لبرق أن يضيء من بين الأصابع؟ لا شك أنه يقصد الاستثناء.. يقصد رجلاً مضيئاً، رجلاً يحطم العتمة كي يشق طريقاً يفتح على مدى شاسع.. من الصعب أن تدرك نهايته. أليس هذا هو حال البرق؟
هو حال شهيد عبر في الحياة مثل برق، لكنه ظل يضيء، ظل يفتح أبواباً نحو رؤى نحو آفاق رحبة، بالضبط، عندما خال للآخرين، فقالوا: إن الطرق مسدودة.
رحمك الله ـ يا أبا إبراهيم ـ ها هي ثمان من السنين مضت، لكن الغياب امتداد حضور. ويحار المرء في كيف يحل لغز معادلة تنبئه أن شهيداً ما زال حاضراً.. ويطل حتى لكأن غيابه يعادل الحضور؟ لا يحتاج الأمر إلى الاستغراق في لغز، أو البحث في معادلة: لقد حملت ضوء البرق وخواصه. لكنك حفرت مساراً على الأرض.. مساراً يستطيع من سمعوا كلامك أن يخطوا عليه وهم ممتلئون بالثقة بأنهم يعرفون إلى أين يتجهون.
سمعوا الكلام. أنت قلت «.. دوروا مع فلسطين حيث تدور». كان هذا الرد على من حاول وضع فلسطين في يده أو جيبه، ومن ثم يدعي النطق باسمها ليل نهار، حتى ليخال سامعه أن التمييز بين الشعب ومن يقول إنه الناطق باسمه أو الحامل لفلسطين في جيبه، أمر مستحيل.
قلت: إن فلسطين أكبر من الجميع. لم يكن هذا شعاراً لغوياً. كان تقرير حقيقة آمنت بها وعملت بمقتضاها. وإيمانك بهذه الحقيقة، ارتبط بمركزية فلسطين في القرآن الكريم على نحو ما اكتشفته، وسعيت إلى شرحه، وتبيان معناه، لتفتتح أفقاً كان هناك من يجهد كي يوصده.
رحمك الله ـ يا أبا إبراهيم ـ. لقد حسب القتلة أنهم باغتيالك، سوف يقتلعون الفكرة والمسار والدرب.. لكن البرق ظل يضيء. بقيت الحاضر في كل خطوة وكلمة.. كل منها ترفع منارة تظل تعلو.. تظل تقول: «دوروا مع فلسطين حيث تدور»..
مشاركات..
في رحيل العاشق الأجمل د.فتحي الشقاقي
ـ حسبك أن تكون كما كنت حقيقياً كجرح عميق...
نم جميلاً واثقاً من حلمك العالي، فهذه الأرض أرضك، والطريق إلى النهار يمر من ضوء رأيته في وقوفك حازماً كالسيف في عطش الليالي الحالكات... لا تبتعد في غيابك من غد لا يغيب وقد سكنته فلسطين بكل صمتها وصوتها حتى آخر الأنفاس. لا لست وحدك وقد تركت على أجفانها شغف الحنين وسطوة الوجد الذي يهيمن كالسحر على الحواس ويجتاح أرق عشبها كما الانتحار..
نم صديقي واثقاً.. فالفجر هو الفجر وقد ازداد اندفاع القلوب على حافة الوله الطويل، وازدادت معه السيوف التي تتربص بدمه المتلفت بين الفوهات.. لا لست وحدك في اليقين بالوصول إلى بزوغ الحب في صدأ الصحراء العربية.
فالدم الفلسطيني مفتوحاً على جهات النار المشرئبة كما عهدته.. وحسبك أن تكون كما كنت حقيقياً كجرح عميق وصلباً كجذع زيتونة سامقة، وممتلئاً كنبع أنقى من البياض الصاعد في الغمام. نم في صهيلك المتيقظ وسط انقسامنا واقتسامنا أمام الريح.. فقد طالت الغربة واعترى أحلامنا ما اعتراها من نبالة وحزن ربما فاق التوقع يا أبا ابراهيم..
وماذا الآن..؟ لا عودة عن هذا الحب الطاعن في التضحيات حتى يكون ما يجب أن يكون... نم صديقي ..نم.
محمود السرساوي
فتحي الشقاقي.. المجاهد المتواضع
قبل تسعة عشر عاماً (26/10/1995) استشهد د.فتحي الشقاقي؛ الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي وحيداً برصاص الغدر الصهيوني أمام فندق "ديبلوماتيك" في جزيرة مالطا، حيث الممر الإجباري لعودته من ليبيا إلى سورية.
عند الساعة الواحدة ورد خبر عاجل عبر الوكالة الفرنسية، لمكتب التحرير في إذاعة "النور"، حيث كنا نُعدّ لنشرة الظهيرة: "قُتل رجل أعمال ليبي يدعى إبراهيم الشاويش في أحد شوارع مالطا أمام فندق ديبلوماتيك"، وما هي إلا لحظات حتى دخل السيد حسن فضل الله؛ رئيس التحرير وقتها، وطلب مني متابعة الخبر والاستفسار عن مدى صحة علاقة الرجل بالمقاومة الفلسطينية، أو إذا كان فلسطينياً.. وبالفعل، بادرتُ مسرعاً مع عدم اقتناعي بالربط الشخصي أو الجغرافي، طبقاً لخبر الوكالة، واتصلتُ أولاً بالمكتب الإعلامي لحركة الجهاد، فإذا بالمجيب الأخ أبو طارق (زياد نخالة)؛ نائب الأمين العام للحركة، فبادرني فوراً وقبل طرح السؤال: "استشهد الأخ أبو ابراهيم"، نزل الخبر كالصاعقة؛ فلم أعد أقوى على السؤال.. لم أستطع الرد، والجميع حولي ينظرون إليّ وقد قُرأ الجواب من عيوني الدامعة.
أُعلنت حقيقة الحدث، وتبيّن أن عميلاً للموساد الصهيوني كان يتابع الدكتور الشقاقي في مالطا، ومن دراجة نارية أطلق على رأسه ثلاث رصاصات قاتلة، بينما كان يتمشى دون مرافقة قرب الفندق الذي كان يقيم فيه عائداً من ليبيا، التي ذهب إليها للبحث عن حلول لعشرات آلاف الفلسطينيين الذين يعانون فيها من الاضطهاد والضغوط الأمنية والسياسية في تلك الفترة.. فقدّر الله له أن يستشهد وهو يسعى للتخفيف عن أهله وحل مشاكل شعبه ومساعدة المطرودين من أبناء وطنه من داخل ليبيا إلى الصحراء على الحدود المصرية.
لا أذكر أني نسيته يوماً أو أنه غاب عن ذاكرتي، ولم يعد ماثلاً أمامي، فقد عرفتُه لمدة ثلاث سنوات على مدى ثماني عشرة ساعة يومياً بعد الإبعاد. كانت آراؤه وستبقى ذخراً لي في كثير من الحوادث في بيروت، قبل تشكيل حركة الجهاد وبعده، وكيف كان يقتطع جزءاً من وقته للجلوس مع والدتي والاستمتاع بلهجتها ومواقفها السياسية وحبها لياسر عرفات.
كان تواضع "أبو إبراهيم" من أبرز ميزاته، فلا أنسى جلوسه خلفي على دراجتي النارية دون إحساس بالمهانة، كما أنه كان يصل الليل بالنهار عاملاً بجد وإخلاص، ولا يغيب عن أي فعالية تتعلق بالقضية الفلسطينية، مشاركاً بالكلمة والرأي، ومقدّماً النصح والمشورة في الوقت الذي كان يستشعر الخطر الكبير على القضية الفلسطينية، ويُدرك ما ينتظرها من مؤامرات ومخططات.
كان الشهيد ذا ميول ناصرية، لكن هزيمة العام 1967 أثّرث تأثيراً بارزاً على توجهاته، حيث انخرط عام 1968 بالحركة الإسلامية، إلا أنه اختلف مع "الإخوان المسلمين"، خصوصاً بعد سفره لدراسة الطب في مصر عام 1974، وتحديداً بعد الجلسات الطويلة مع الدكتور أيمن الظواهري، الذي لم يقتنع أن فلسطين هي القضية المركزية للإسلام والمسلمين.
عام 1979 اعتُقل في مصر بسبب تأليفه كتاب "الخميني الحل الإسلامي والبديل"، ثم أعيد اعتقاله في العام نفسه في سجن القلعة، على خلفية نشاطه السياسي والإسلامي لمدة أربعة أشهر، غادر بعدها إلى فلسطين في العام 1981 سراً، بعد أن كان مطلوباً للأجهزة الأمنية المصرية، وفي الأول من آب/ أغسطس 1988 أُبعد إلى لبنان بعد اندلاع الانتفاضة - الثورة.
الدكتور.. الإنسان
لم يكن الشقاقي الدكتور الجراح مجرد قائد، بل تعدى حدود القيادة ليكون أخاً وصديقاً لكل أبناء قوى المقاومة، فقد عُرف عنه نزاهة النفس وصدق القيادة، وأحب فلسطين كما يجب أن تُحَب.. كان عاشقاً للأدب والفلسفة، وله قصيدة "الاستشهاد"، والتي قال فيها:
تلفظني الفاء.. تلفظني اللام.. تلفظني السين.. تلفظني الطاء.. تلفظني الياء.. تلفظني النون.. تلفظني كل حروفك يا فلسطين.. تلفظني كل حروفك يا وطني المغبون..
أحب الشقاقي أشعار محمود درويش ونزار قباني، وكتابات صافيناز كاظم، بل وكان له ذوق خاص في الفن، فقد أُعجب بالشيخ إمام (يستمع إليه ليلاً فقط) وأحمد فؤاد نجم.. كان شاعراً ومفكراً وأديباً، حتى أنه كان ينظم الشعر لوالدته المتوفاة منذ صباه، ويهديها القصائد في كل عيد أم، ويبكيها وكأنها توفيت بالأمس.
رحمك الله يا "أبا إبراهيم"، و"سالم"، و"عز الدين الفارس"، و"فتحي عبد العزيز" وفتحي الشقاقي.. رحمك الله يا شهيد فلسطين كل فلسطين؛ من النهر إلى البحر، وأنت في ثرى روضة شهداء فلسطين في سورية العروبة، وجعلك مع الأنبياء والصديقين والشهداء، وجمعك مع رسول الله وآله الأطهار وصحبه المنتجبين.
جعفر سليم
الشقاقي قلم المقاومة وسيفها
إيمان الخطيب
لم يكن السادس والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبرمن عام 1995 يوماً عادياً حيث حمل في ثناياه حدثاً مؤلماً في تاريخ القضية الفلسطينية فقدت فيه أحد أهم قيادات الشعب الفلسطيني وأهم مفكريها فتحي الشقاقي الذي استشهد في مالطا لإثر عملية اغتيال طالته هناك عقب عودته من ليبيا.
الشهيد الشقاقي قضى حياته مناضلاً مقاوماً حمل أدوات الجراحة لاستئصال "إسرائيل" الغدة السرطانية المزروعة في جسد الوطن العربي. فخاض كفاحاً مريراً ضد الاحتلال.
اعتقل في فلسطين أكثر من مرة عامي 1983 و1986 ثم أبعد في آب/أغسطس 1988 إلى لبنان بعد اندلاع الانتفاضة في فلسطين واتهامه بدورٍ رئيس فيها. وفي مصر تأثر بفكر الإخوان المسلمين، ثم تأثر بالثورة الإيرانية منذ بدايتها.
وكان المسؤول عن تنفيذ عملية بيت ليد التي نفذت في 22/1/1995 وأسفرت عن مقتل 22 عسكرياً إسرائيلياً وسقوط أكثر من 108 جريح.
لم تقتصر المقاومة لدى الشهيد الشقاقي على العمل المسلح بل امتدت إلى الفكر والأدب فكان مفكراً يؤمن بمركزية القضية الفلسطينية لدى الأمة العربية والإسلامية، كما طالب بتلاحم الوطن العربي بكل اتجاهاته، ومقاومة المحتل باعتبار فلسطين مدخلاً للهيمنة الغربية.
وجد الشقاقي الشعب الفلسطيني متعطشاً للكفاح بالسلاح فأخذ على عاتقه تلبية رغباته، حاملًاً شعار "القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة"، ليتحول خلال شهور قليلة إلى تيار جهادي متجسد في الشارع الفلسطيني.
أطلق الشقاقي حركه الجهاد الإسلامي ليكون حلقة من حلقات الكفاح الوطني المسلح لعبد القادر الجزائري، وعزّ الدِّين القسَّام وآخرين كُثُر ممن وقفوا بوجه المحتل، واتخذ من اسم "عز الدين الفارس" اسماً حركياً له ليكون فارساً للوطن.
قال عن حركته: إننا لا نتحرك بأي عملية انتقامية إلا على أرضنا المغصوبة، وتحت سلطان حقوقنا المسلوبة. أما سدنة الإرهاب ومحترفو الإجرام، فإنما يلاحقون الأبرياء بالذبح عبر دورهم، ويبحثون عن الشطآن الراقدة في مهد السلام ليفجرونها بجحيم ويلاتهم.
قضى حياته مطارداً ففي مصر اعتقل مرتين الأولى عام 1979م؛ بسبب تأليفه كتاباً عن الثورة الإسلامية بإيران بعنوان "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل"، كما تم اعتقاله في العام نفسه مرة أخرى بسبب نشاطاته السياسية الإسلامية. وبعد الاعتقال الأخير عاد إلى فلسطين سراً عام 1981م، وهناك تم اعتقاله أكثر من مرة جراء نشاطه السياسي عامي 1983/ 1986م، وحينما أدركوا أن السجن لا يحدّ من نشاط الشقاقي، قرروا إبعاده عن فلسطين عام 1988م إلى لبنان هو وبعض رفاقه، ومنها تنقل في العواصم العربية مواصلاً مسيرته الجهادية.
يوم الخميس في السادس والعشرين من تشرين أول عام 1995 وفي مدينة "سليما" بمالطا اغتيل الشقاقي وهو عائد إلى فندقه بعد أن أطلق عليه أحد عناصر "الموساد" خمس رصاصات ولاذى بالفرار بدراجة نارية ليرتقي أبو إبراهيم شهيداً.
يوم حزين مرّ به أكتوبر برحيل الشقاقي فقدت فلسطين فيه أحد أبرز قياديها، لكن فكره ظل حاضراً وكذلك مقاومته ظلت تؤرق الاحتلال وباتت قوة لا يستهان بها فحققت انتصارات عظيمة في السنوات الأخيرة لاسيما خلال العدوان الأخير على قطاع غزة 2014، والذي لقنت فيه سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد وكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى، لقنت الاحتلال درساً لن ينساه وكبدته خسائر كبيرة لاسيما من خلال الالتحام البري مع رجال المقاومة، بالإضافة إلى استهداف المقاومة لمدن ومناطق حساسة من بينها "تل أبيب" بالصواريخ. لتثبت حركة الجهاد من جديد بأنها سائرة على نهج الشهيد الشقاقي في طريق المقاومة ومقارعة المحتل حتى تحرير كل فلسطين.
تعريف بحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين هي حركة إسلامية مجاهدة تبلورت تنظيمياً مع مطلع الثمانينات داخل فلسطين المحتلة. وقد كانت نشأة الحركة ثمرة حوار فكري ومخاض سياسي شهدته الحركة الإسلامية الفلسطينية منذ منتصف السبعينات، قاده مجموعة من الشباب الفلسطيني أثناء وجودهم للدراسة الجامعية في مصر؛ كان على رأسهم مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي الذي اغتيل على يد الموساد الإسرائيلي بمالطا في (26/10/1995).
كان الشهيد المعلم فتحي الشقاقي عضواً في حركة الإخوان المسلمين (في فلسطين) التي كانت تعاني آنذاك من أزمة حقيقية، انعكست بشكل أساسي في إهمال المسألة الوطنية وطرح أولويات بديلة. وكذلك غياب القضية السياسية والاجتماعية من مبحث واهتمام الحركة الإسلامية التقليدية، وغياب المنهج في تناول وفهم الإسلام والواقع والعالم، مما أوقع الحركة الإسلامية في مأزق التعارض الوهمي بين العروبة والإسلام، أو بين الوطنية والإسلام وترك المسألة الفلسطينية بين الإهمال والتأجيل.
وعلى صعيد الحركة الوطنية الفلسطينية، أخذ الشهيد الشقاقي ورفاقه على بعض القوى الوطنية الفلسطينية استبعادها الإسلام كثقافة وهوية وأيديولوجيا عن إدارة الصراع، وتغييبه، كأداة تعبئة واستنهاض، عن برامجها النضالية وحياتها اليومية.
من هنا، كانت حركة الجهاد الإسلامي كفكرة وكمشروع حلاً لهذه الإشكالية في الساحة الفلسطينية، إشكالية الدين والوطن، أو العروبة والإسلام، حيث وطنيون بلا إسلام، وإسلاميون بلا فلسطين. فجاءت حركة الجهاد الإسلامي كإجابة إسلامية ثورية عن السؤال الفلسطيني ورفعت شعارات: الإسلام، والجهاد، وفلسطين. الإسلام كمنطلق، والجهاد كوسيلة، وفلسطين كهدف للتحرير.
وفيما اتخذت حركة التحرر العربي من «فلسطين قضية مركزية»، وشعاراً للمشروع القومي العربي، إلا أن الحركة الإسلامية التقليدية، رأت في فلسطين مجرد قضية من بين سائر قضايا المسلمين، بل إن قضايا مثل أفغانستان وكشمير والمسلمين في الفلبين، في مرحلة من المراحل، قد تفوقت على فلسطين في اهتمامات الحركة الإسلامية. وعليه، فقد كان الشهيد الشقاقي هو أول من طرح شعار فلسطين هي «القضية المركزية للحركة الإسلامية» والذي قوبل برفض من قبل الحركة الإسلامية التقليدية، وأحدث سجالاً كبيراً في أوساطها امتد لسنوات طويلة.
المبادئ العامة للحركة
ـ تلتزم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بالإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، وكأداة لتحليل وفهم طبيعة الصراع الذي تخوضه الأمة الإسلامية ضد أعدائها، وكمرجع أساسي في صياغة برنامج العمل الإسلامي للتعبئة والمواجهة.
ـ فلسطين ـ من النهر إلى البحر ـ أرض إسلامية عربية يحرم شرعاً التفريط في أي شبر منها، والكيان الصهيوني وجوده باطل، ويُحرّم شرعاً الاعتراف به على أي جزء منها.
ـ يمثل الكيان الصهيوني رأس الحربة للمشروع الاستعماري الغربي المعاصر في معركته الحضارية الشاملة ضد الأمة الإسلامية، واستمرار وجود هذا الكيان على أرض فلسطين وفي القلب من الوطن الإسلامي، يعني استمرار وهيمنة واقع التجزئة والتبعية والتخلف الذي فرضته قوى التحدي الغربي الحديث على الأمة الإسلامية.
ـ لفلسطين من الخصوصية المؤيدة بالبراهين القرآنية والتاريخية والواقعية ما يجعلها القضية المركزية للأمة الإسلامية التي بإجماعها على تحرير فلسطين، ومواجهتها للكيان الصهيوني، تؤكد وحدتها وانطلاقها نحو النهضة.
ـ الجماهير الإسلامية والعربية هي العمق الحقيقي لشعبنا في جهاده ضد الكيان الصهيوني، ومعركة تحرير فلسطين وتطهير كامل ترابها ومقدساتها هي معركة الأمة الإسلامية بأسرها، ويجب أن تسهم فيها بكامل إمكاناتها وطاقاتها المادية والمعنوية، والشعب الفلسطيني والمجاهدون على طريق فلسطين هم طليعة الأمة فـي معركة التحرير، وعليهم يقع العبء الأكبر في الإبقاء على الصراع مستمراً حتى تنهض الأمة كلها للقيام بدورها التاريخي فـي خوض المعركة الشاملة والفاصلة على أرض فلسطين.
ـ وحدة القوى الإسلامية والوطنية على الساحة الفلسطينية، واللقاء فـي ساحة المعركة، شرطان أساسيان لاستمرار وصلابة مشروع الأمة الجهادي ضد العدو الصهيوني.
ـ كافة مشاريع التسوية التي تقر الاعتراف بالوجود الصهيوني فـي فلسطين أو التنازل عن أي حق من حقوق الأمة فيها، باطلة ومرفوضة.
أهداف الحركة:
تسعى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إلى تحقيق الأهداف التالية:
ـ تحرير كامل فلسطين، وتصفية الكيان الصهيوني، وإقامة حكم الإسلام على أرضها، والذي يكفل تحقيق العدل والحرية والمساواة والشورى.
ـ تعبئة الجماهير الفلسطينية وإعدادها إعداداً جهادياً، عسكرياً وسياسياً، بكل الوسائل التربوية والتثقيفية والتنظيمية الممكنة، لتأهيلها للقيام بواجبها الجهادي تجاه فلسطين.
ـ استنهاض وحشد جماهير الأمة الإسلامية في كل مكان، وحثها على القيام بدورها التاريخي لخوض المعركة الفاصلة مع الكيان الصهيوني.
ـ العمل على توحيد الجهود الإسلامية الملتزمة باتجاه فلسطين، وتوطيد العلاقة مع الحركات الإسلامية والتحررية الصديقة في كافة أنحاء العالم.
ـ الدعوة إلى الإسلام بعقيدته وشريعته وآدابه، وإبلاغ تعاليمه نقية شاملة لقطاعات الشعب المختلفة، وإحياء رسالته الحضارية للأمة والإنسانية.
وسائل الحركة لتحقيق أهدافها:
تعتمد حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين لتحقيق أهدافها الوسائل التالية:
ـ ممارسة الجهاد المسلح ضد الوجود الصهيوني.
ـ إعداد وتنظيم الجماهير، واستقطابها لصفوف الحركة، وتأهيلها تأهيلاً شاملاً وفق منهج مستمد من القرآن والسنّة، وتراث الأمة الصالح.
ـ مد أسباب الاتصال والتعاون مع الحركات والمنظمات الإسلامية والشعبية، والقوى التحررية في العالم لدعم الجهاد ضد الكيان الصهيوني، ومناهضة النفوذ الصهيوني العالمي.
ـ السعي للقاء قوى شعبنا الإسلامية والوطنية العاملة على أرض المعركة ضد الكيان الصهيوني، على أرضية عدم الاعتراف بهذا الكيان، وبناء التشكيلات والمنظمات والمؤسسات الشعبية اللازمة لنهوض العمل الإسلامي والثوري.
ـ اتخاذ كافة الوسائل التعليمية والتنظيمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية والسياسية والعسكرية، مما يبيحه الشرع، وتنضجه التجربة من أجل تحقيق أهداف الحركة.
ـ استخدام كل طرائق التأثير والتبليغ المتاحة والمناسبة من وسائل الاتصال المعروفة والمستجدة.
ـ إنتهاج مؤسسات الحركة وتنظيماتها من أساليب الدراسة والتخطيط والبرمجة والتقويم والمراقبة بما يكفل استقرار الحركة وتقدمها.