منذ بدأ الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية في الرابع من حزيران/ يونيو 1967، والقدس الشرقية عموماً والمسجد الأقصى خصوصاً يحتل موقعاً مركزياً في مخطط التهويد والتدمير، ولم يكن حريق 21 آب/ أغسطس 1968 إلآ البداية لعملية طويلة ومتعددة المراحل للوصول إلى ما يجري إعداده في اللحظة السياسية الراهنة،
حيث تعمل حكومة بنيامين نتنياهو والكنيست التاسع عشر والمنظمات الصهيونية التهويدية وقطعان المستوطنين بشكل منهجي ليس على الفصل الزماني والمكاني داخل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتضليل الرأي العام العالمي بأن لـ"اليهود" أحقية في المسجد الأقصى، وأن ما يسمى الهيكل الثالث "موجود" في ذات الموقع، المقام عليه واحد من أهم الأماكن الإسلامية المقدسة، بل تعمل لتمهيد الرأي العام للتدمير الكلي للمسجد الأقصى، وضم القدس الشرقية كلياً لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية، والدفع بخيار الترانسفير للفلسطينيين، ونسف خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67.
لم تكن زيارات فايغلين، نائب رئيس الكنيست، وعضو حزب "الليكود"، مع مجموعات من قطعان المستعمرين يوماً تلو الآخر، ولا تصريحات يعلون اليوم، التي أكد فيها: بأن القدس باقية موحدة، ولن يتم تقسيمها، ودخول اليهود للمسجد "حق" لهم .. إلخ من التفوهات المارقة المتنافية مع "خيار السلام"، وغيرها من التصريحات والاقتحامات المتواصلة للحرم القدسي الشريف من قبل أركان الحكومة وباقي جوقة المتطرفين من الأحزاب الصهيونية ورجالات الحريديم الموتورين، وما جرى ويجري من حفريات تحته، وما يتم بناءه حوله من كنس ورموز يهودية إلآ عناوين للمخطط الصهيوني الأشمل والأعمق لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهو التدمير الكلي.
إسباغ "إسرائيل" على الصراع الطابع الديني، ليس جديداً. لأنها مذ تأسست عام النكبة 1948 على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه الوطنية، قامت على الأساس الديني، وحملت ذات الدلالة والبعد، كونها نشأت على ركيزة دينية محضة، وإن أعطتها الطابع "القومي" الوهمي. وبالتالي الحديث عن نقل الصراع من الطابع السياسي إلى الديني ليس جديداً، بل قديم قدم وجود حملات الهجرة الصهيونية لفلسطين في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين الماضي ومع وجود "إسرائيل" نفسها. والذي أعطى الصراع بعده السياسي، هم العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، ومازالوا يتمسكون بطابع الصراع السياسي، لأن الشعب العربي الفلسطيني يرفض أي طابع ديني لصراعه مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية.
رغم أن المسجد الأقصى يخص أتباع الديانة الإسلامية في أصقاع الأرض، إلآ أنه يهم ويخص كل الفلسطينيين والعرب والمسلمين و"أنصار السلام" في العالم، لأن أي تهديد له ولقدسيته أسوة بكل أماكن العبادة المسيحية والإسلامية يمس بالعملية السياسية، ويشكل خطراً على مسيرة "السلام" في المنطقة. وبالتالي على كل القوى المحبة "للسلام" وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 التحرك بقوة وقبل فوات الأوان لقطع الطريق على خيار حكومة نتنياهو الاستعماري والمعادي "للسلام"، وإلزامه بدفع استحقاقات حل الدولتين، لأن الصمت على ما يجري في المسجد الأقصى، لن يكون في صالح دول وشعوب المنطقة ودولة الإرهاب المنظم الإسرائيلية منها، ولا في مصلحة دول العالم، لأنها بصمتها تدفع الأمور نحو فوهة البركان، الذي أخذت شرارات اللهب تتصاعد منه تدريجياً. وفي حال لم تخمد نيرانه، فإن نيرانه ستحرق مصالح الغرب عموماً وأميركا خصوصاً في المنطقة والعالم.
* كاتب فلسطيني يقيم في مدينة رام الله