Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

حكومة التوافق الفلسطينية في اختبار التحديات.. نبيل السهلي

حكومة التوافق الفلسطينية في اختبار التحديات.. نبيل السهلي

  مع انعقاد أول اجتماع لحكومة التوافق الفلسطيني في غزة تبرز إلى الأمام وبقوة أسئلة عديدة حول التحديات التي تواجهها، خاصة إثر العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع الذي نال من البشر والحجر. ويؤكد محللون سياسيون أن التحدي الأهم يكمن بداية في ضرورة العمل من أجل ترسيخ المصالحة الفلسطينية في الميدان وتوحيد المؤسسات وتنشيطها للبدء في إعادة ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية.

 

ثمة رزمة تحديات ستواجهها حكومة التوافق الفلسطينية، في المقدمة منها محاولة المؤسسة الإسرائيلية - بكافة أذرعها السياسية والعسكرية - ترسيخ مصطلح «يهودية إسرائيل»، الذي بات يمثل في الآونة الأخيرة جوهر ومضمون الغايات الأسمى والأهداف الكبرى "لإسرائيل"، حيث تحولت مقولة "الدولة اليهودية" بصورة غير مسبوقة ولا معهودة إلى القاسم المشترك بين مختلف التيارات والكتل والأحزاب والاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية في "إسرائيل" على حد سواء. من التحديات الأخرى التي تواجه الفلسطينيين النشاط الاستيطاني، الذي ازدادت وتيرته في ظل حكومة نتانياهو الحالية.

التحديات المشار إليها وخاصة مخططات تهويد القدس، تتطلب نبذ المصالح الفلسطينية الضيقة للأطياف السياسية كافة بعد المصالحة، وتوحيد الخطاب السياسي والإعلامي لجهة حشد الطاقات العربية والفلسطينية والإسلامية للحد من عاصفة التهويد التي تجتاح المدينة المقدسة، فضلاً عن التحديات المذكورة، تواجه حكومة التوافق الوطني الفلسطينية تحديات سياسية خطيرة من نوع آخر، في المقدمة منها اعتراف حكومة الحمد الله بكافة الاتفاقيات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية، وهو ما يعني بصورة غير مباشرة الاعتراف بـ"إسرائيل" من جانب حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، التي وافقت على تشكيلة الحكومة الفلسطينية.

اللافت أيضاً، أن هناك تحدّياً جوهرياً ستواجهه حكومة التوافق، يتعلق بالضغوط المستمرة على الفلسطينيين، وذلك بالرغم من مباركة الإدارة الأميركية إلى تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية قبل نحو أربعة أشهر، ويكمن ذلك في عدة أسباب، في المقدمة منها انزعاج الإدارة الأميركية من عقد المصالحة الفلسطينية وإمكان ترسيخها في ما بعد، ناهيك عن الانحياز الأميركي إلى المواقف والرؤى الإسرائيلية أصلاً. وستكون البوابة الاقتصادية معبراً للضغوط الأميركية والإسرائيلية المستمرة منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في ربيع عام 1994. وفي هذا السياق، يؤكد اقتصاديون أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية أدت إلى عملية ربط قسري للاقتصاد الفلسطيني بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، ومن ثم اعتماده على المساعدات الدولية بعد اتفاقيات أوسلو، الأمر الذي أخضع السلطة الوطنية الفلسطينية لابتزاز أميركي وغربي واضح المعالم.

تبعاً لذلك، ستواجه الحكومة الفلسطينية القادمة تحديات اقتصادية مختلفة، خاصة في ظل عدم استقلالية الاقتصاد الفلسطيني، وسيطرة "إسرائيل" على أهم مفاتيحه، وتالياً على دينامية واتجاهات التجارة الخارجية وقوة العمل الفلسطينية. وما يزيد الضغوط الخارجية -وفي مقدمها الأميركية- حاجة السلطة الفلسطينية لمساعدات مالية شهرية تقدر بنحو 150 مليون دولار، جلها يتم صرفه كرواتب لعاملين في الوظائف المختلفة.

وهناك تحديات اقتصادية ضاغطة أيضاً، مثل معدلات البطالة المرتفعة بعد احتلال مديد، حيث وصلت إلى أكثر من 20% في الضفة الغربية، ونحو 60% في قطاع غزة بفعل الحصار المستمر منذ صيف عام 2007، فضلاً عن معدلات الفقر المرتفعة، التي انتشرت بين ثلثي المجتمع الفلسطيني في كلتا المنطقتين.

التحديات المشار إليها تتطلب من حكومة التوافق الفلسطينية العمل على تهيئة الظروف للقيام باستثمارات جديدة للحد من معدلات البطالة والفقر، ولهذا تحتم الضرورة موقفاً وبرنامجاً موحداً من الأطياف السياسية الفلسطينية المختلفة إزاء التحديات التي تفرضها سياسات "إسرائيل". وقد يكون من باب أولى رسم استراتيجية وطنية شاملة بعد القيام بمراجعة دقيقة لفترة المفاوضات البائسة مع "إسرائيل"، بحيث يتم التركيز على مرجعيات دولية في حال تمت عملية تفاوضية في المستقبل، تتمثل بالقرارات الدولية التي أكدت على أن الضفة الغربية، بما فيها القدس، أراض محتلة.

في جانب المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، يقع على كاهل منظمة التحرير الفلسطينية ضرورة العمل على تحسين شروط التفاوض مع الطرف الإسرائيلي، عبر تجميع أوراق القوة التفاوضية الذاتية والموضوعية، وذلك بغية الوصول إلى الأهداف الفلسطينية المختلفة، وفي المقدمة منها محاولة فتح المعابر الجوية والبحرية في وجه حركة الفلسطينيين ومنتجاتهم. هذا إضافة إلى المطالبة اليومية وفق خطاب فلسطيني مشترك بتفكيك أهم معالم الاحتلال المتمثلة بالمستوطنات الجاثمة على أراضي الضفة الفلسطينية وكذلك الجدار العازل الذي يعتبر أكبر وأخطر مشروع استيطاني منذ عام 1948، لأن تحقيق أي هدف فلسطيني يعتبر بمثابة نصر فلسطيني جزئي في إطار تحقيق أهداف فلسطينية متقدمة.

كما تتطلب التحديات السياسية أيضاً إثبات القدرة الحقيقية على المحافظة على الثوابت الفلسطينية التي كانت على الدوام الرابط المشترك لكافة شرائح المجتمع الفلسطيني وقواه السياسية، ويستدعي ذلك قدرة المفاوض الفلسطيني على إعطاء بعد عربي ودولي للقضايا الجوهرية المؤجلة إلى مفاوضات الوضع النهائي، مثل قضية القدس، اللاجئين، المستوطنات والحدود، والارتكاز في الوقت ذاته على الإجماع الفلسطيني إزاء تلك القضايا.

ويرى متابعون أن انطلاقة حكومة التوافق الفلسطينية قبل أربعة اشهر، وكذلك انعقادها لأول مرة في غزة، تعتبر بحد ذاتها إنجازاً هاماً للحد من التوترات التي شهدتها الساحة الفلسطينية منذ صيف عام 2007، لكن الأهم من ذلك يبقى ضرورة التأسيس لخطاب مشترك يحرّم عودة الاقتتال الفلسطيني، وطي صفحة الانقسام البغيض من دون رجعة، وقد يكون ذلك مقدمة هامة لرسم استراتيجية فلسطينية جامعة، لتعبئة القدرات في مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية وبالمشروع الوطني بشكل عام.

ويمكن القول إن حكومة التوافق الفلسطينية، وكذلك المصالحة الفلسطينية، ستكون أمام اختبار حقيقي خلال الأشهر القادمة، فإما أن يكون عقد المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» مجرد إدارة للأزمة، أو خطوة حقيقية وصادقة لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية في ظل التحولات الخطيرة في المشهد العربي.