Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

مؤتمر وطني بأسرع وقت... هاني المصري

مؤتمر وطني بأسرع وقت...  هاني المصري

  لم يتسع المقال السابق الذي انتهى بالدعوة إلى عقد مؤتمر وطني بأسرع وقت ممكن تشارك فيه مختلف الأطياف ومكونات الحركة الوطنيّة؛ لشرح مضمون المؤتمر وأهدافه، وما يمكن أن ينتهي إليه، ما دفع العديد من القرّاء إلى التساؤل حول هذه الفكرة وجديّتها وإمكانيّة تحقيقها عمليًّا.

 

تقديرًا لصعوبة عقد المؤتمر وتعذر مشاركة كل المعنيين دعوت في ذلك المقال إلى الاستعداد لعقد المؤتمر بمن حضر، بهدف الضغط على القيادة الفلسطينيّة وطرفي الانقسام لإعلاء المصلحة الوطنيّة العليا على المصالح الفرديّة والفصائليّة، من خلال التوصل إلى وحدة وطنيّة قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضيّة الفلسطينيّة بالتصفية.

مع اقتراب انتهاء مهلة الأشهر التسعة، تتضح أكثر وأكثر معالم "اتفاق الإطار" الذي يسعى جون كيري للتوصل إليه، فهو سينتقص من الحقوق الوطنيّة، مهما كان الشكل الذي سيأخذه ويظهر فيه. فبعد تصريحات مساعده مارتن أنديك، تحدث كيري بنفسه لصحيفة "الواشنطن بوست" مؤكدًا على أن لحظة اتخاذ القرار تقترب، وأن الاتفاق سيطبق على مراحل، ويمكن حل الخلاف حول الطرف الذي سيكون مسؤولًا عن الأمن على الحدود والأغوار بالاستعانة بطرف ثالث، مضيفًا: أن بمقدور كل طرف أن يسجل تحفظاته على الاتفاق حتى يتمكن الطرفان من مواصلة المفاوضات.

بالرغم من أن الاتفاق لا يحظى بموافقة الطرفين على كل نقاطه، إلا أن خطورته تكمن في أنه يضمن أولًا استئناف المفاوضات إلى ما بعد نهاية نيسان القادم، وما يعنيه ذلك من إضاعة المزيد من الوقت التي تستغله إسرائيل لتعميق الاحتلال وتوسيع الاستيطان، ولكون تمديد المفاوضات يقطع الطريق على بلورة خيارات وبدائل أخرى؛ ويحتوي تداعيات الفشل الذي يخشاه جميع الأطراف. وثانيًا يقدم "اتفاق الإطار" مرجعيّة جديدة بعيدًا عن القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ولا يتضمن اتفاقًا فوريًّا على كل القضايا، ولكنه يشمل نتائج المفاوضات والتنازلات التي قدمها الطرفان، وخصوصًا الجانب الفلسطيني منذ عقد مؤتمر "كامب ديفيد" في العام 2000، مرورًا بـمباحثات "طابا" و"خارطة الطريق" و"مؤتمر أنابوليس" والمفاوضات في فترة رئاسة أيهود أولمرت، وانتهاء بمفاوضات واشنطن والمباحثات التقريبيّة والاستكشافيّة. فقد تضمنت المفاوضات سلسلة لا تنتهي من التنازلات، لا تبدأ بالموافقة على مبدأ "تبادل الأراضي" وتقسيم الضفة الغربيّة، بما فيها القدس، وضم الكتل الاستيطانيّة، والدولة منزوعة السلاح والترتيبات الأمنيّة، ولا تنتهي بالحل المتفق عليه لقضيّة اللاجئين، الذي يجعلها قضيّة تفاوضيّة تتحكم بها إسرائيل، وليست حقًا من المفترض التفاوض من أجل تطبيقه لا تصفيته.

لا يعني انهيار هذه المفاوضات وعدم توصلها إلى اتفاق أنها لم تحرز أي تقدم. ففي الحقيقة قطعت المفاوضات شوطًا واسعًا، ويحاول كيري أن يوثقه حتى يمكن البناء عليه، وصولًا إلى اتفاق يصفي القضيّة الفلسطينيّة من جميع جوانبها وأبعادها.

هناك خطر متزايد بفرض الحل الأميركي الإسرائيلي، الذي هو حصيلة القواسم المشتركة بين الإدارة الأميركيّة والحكومة الإسرائيليّة، إن لم يكن ممكنًا مرة واحدة فعلى دفعات. وهنا لا يجب أن نغرق في شبر ماء الخلافات الإسرائيليّة - الإسرائيليّة أو الخلافات الأميركيّة - الإسرائيليّة؛ ليس لأن هذه الخلافات غير موجودة أو لا يمكن توسيعها، بل لأن شرط الاستفادة منها وتوسيعها هو وجود رؤية وإستراتيجيّات فلسطينيّة فاعلة مستندة إلى المصالح والحقوق والأهداف القادرة على جذب الشعب الفلسطيني بمختلف قواه وتجمعاته، لا رسم السياسة الفلسطينيّة على هوامش الخلافات الإسرائيليّة - الإسرائيليّة أو الأميركيّة - الإسرائيليّة، بحيث يصبح سقفها موقف ليبرمان الذي أصبح بقدرة قادر "حمامة سلام"، والمدافع عن كيري و"اتفاق الإطار" الذي يسعى للتوصل إليه.

إن محصلة الموقف الإسرائيلي، وما يمكن أن تنتهي إليه الخلافات الأميركيّة الإسرائيليّة، كما تدل التصريحات المعلنة والمواقف الأصليّة والثابتة والتسريبات المتواترة عما يجري التفاوض عليه؛ لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة، بل لا تلبي أحد هذه الحقوق، وهو حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، حتى وإن كان يشمل إقامة دولة فلسطينيّة ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقيّة، فأفضل ما يمكن أن يتوصل إليه كيري هو تقاسم الضفة الغربيّة، بما فيها القدس، بين إسرائيل التي قامت على 78% من أرض فلسطين وبين الدولة التي أقصى ما ستحصل عليه "حكم ذاتي" مع السماح لها بأن تسمي نفسها "دولة".

لا يمكن أن تقود المفاوضات في ظل الانقسام والضعف الفلسطيني والعربي والانحياز الأميركي لإسرائيل والنفاق الدولي إلى حل عادل أو متوازن أو مقبول، والحل الذي سيتم تطبيقه في ظل الاختلال الفادح في موازين القوى سيكون أسوأ بكثير من الحل الذي سيتم التوقيع عليه. لذا على الفلسطينيين، خصوصًا قيادتهم، أن تكف عن الأوهام بأن طريق المفاوضات الثنائيّة برعاية أميركيّة ستؤدي إلى حل يلبي حتى الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة.

تأسيسًا على ما سبق، لا بديل - سواء كانت هناك مفاوضات أم لم تكن - سوى الكفاح لبناء بديل عملي من المفاوضات المعتمدة حتى الآن، يعتمد على عدة إستراتيجيّات سياسيّة وكفاحيّة.

ومن أجل بلورة معالم هذا البديل والتوصل إلى إجماع أو شبه إجماع حوله؛ لا بد من حوار وطني شامل يشارك فيه من هم داخل المنظمة والسلطة ومن هم خارجهما، لأنه لا تستطيع أي مؤسسة أن تدعي أنها تملك الحق الموافق عليه وطنيًّا بتمثيل الجميع عمليًا وليس رسميًا، لأنه من الناحيّة الرسميّة لا تزال المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد، وهذا مكسب تاريخي لا يجب التفريط فيه.

إن المنظمة بحاجة إلى استعادة الدعم الشعبي لها في ظل المأزق الوطني العام الشامل الذي نعيشه جميعًا، وخصوصًا مع عدم تحقيق الأهداف الوطنيّة، ووصول المفاوضات والمقاومة إلى طريق مسدود، وبعد عدم إجراء انتخابات في المنظمة والسلطة ولا إجراء تجديد وإصلاح أو حتى توسيع في المشاركة من خلال التوافق الوطني.

يمكن أن يكون جدول أعمال المؤتمر البحث في كيفيّة بلورة إستراتيجيّات قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر، وإبقاء القضيّة حيّة، والحفاظ على الحقوق والمكاسب وتقليل الأضرار والخسائر، على اعتبار أن هذه المرحلة ضروريّة وإجباريّة قبل الانتقال إلى مرحلة التقدم إلى الأمام، والنضال من أجل الانتصار بدحر الاحتلال والعودة والحريّة والاستقلال والمساواة.

الخطوة الثانية بعد وضع الإستراتيجيّات هي إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة على أساس كفاحي ووطني وديمقراطي وشراكة حقيقيّة تضمن تمثيل ومشاركة كل القوى والتجمعات الفلسطينيّة في جميع أماكن تواجدها.

إن البقاء في مربع الدعوة إلى تطبيق اتفاقات المصالحة، وتحميل كل طرف للطرف الآخر مسؤوليّة عدم التطبيق، من دون معالجة الجذور والأسباب والعوامل التي أدت إلى وقوع الانقسام وتعمل على مدار الساعة لتعميقه أفقيًا وعموديًا؛ لا يسمن ولا يغني من جوع، ويؤدي إلى تآكل الشرعيّة والمكاسب وما تبقى من ثقة بين الشعب وقيادته وفصائله المختلفة.

لا تكفي الدعوات إلى عقد اجتماعات للمجلس المركزي ولا "الإطار القيادي المؤقت"، عفوًا .. "لجنة تفعيل المنظمة"، على أهميتها، ولا الاختباء وراء الدعوة إلى إجراء الانتخابات بعد ثلاثة أو ستة أشهر، أو عندما يرى الرئيس أن الوقت بات ملائمًا مع أو بعد تشكيل حكومة الوفاق برئاسة الرئيس أو رامي الحمد الله، أو غيره من الشخصيات المستقلة. فإذا لم نتفق على ما نريد وكيف سنعمل على تحقيقه لا ينفع أن نتفق على قواعد العمل والإجراءات والحصص وتشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات.

هناك إمكانيّة للاتفاق على قواسم مشتركة بالرغم من كل التباعد والعوامل الداعمة للانقسام، لأن الاحتلال والمخاطر المختلفة يهددان الجميع، ولا يوجد في الأفق القريب حل يمكن أن يحقق الحد الأدني من الحقوق الفلسطينيّة.