Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

دحر الإحتلال.. الآن إمكانية واقعية.. راسم عبيدات

دحر الإحتلال.. الآن إمكانية واقعية.. راسم عبيدات

  كنا في إنتفاضة الحجر.. الإنتفاضة الأولى كانون أول (1987) قد اقتربنا من إمكانية تحقيق شعارنا بنقل الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية إلى الإمكانية الواقعية.. ولكن أخفقنا بذلك لعوامل ذاتية وموضوعية، منها الإستثمار السياسي المتسرع من قبل البعض للإنتفاضة الشعبية ومفاعيلها،

وكذلك موضوعياً تدمير العراق وإحتلاله، وانهيار النظام الرسمي العربي المستدخل للهزائم وثقافة الخنوع والإستسلام، ثقافة (99%) من أوراق الحل بيد أمريكا وسقوط الحاضنة الأممية، إنهيار الاتحاد السوفياتي السابق والكتلة الشيوعية.. وكانت النتيجة الدخول في نفق أوسلو المظلم.. الذي شكل النصر الثاني بعد النكبة "لإسرائيل" بلغة ثعلب السياسة الإسرائيلية شمعون بيرس.. هذا الإتفاق الظالم ما زال شعبنا يدفع ثمنه حتى اللحظة الراهنة، حيث قسم الشعب والأرض وهتك النسيج المجتمعي وفككه، وأدخلنا في دهاليز مفاوضات عبثية، حولها البعض إلى ثابت في سياسته ورؤيته وإستراتيجيته، ونظّر لها عبر كتب ومحاضرات وندوات، بأنها الطريق الوحيد لإنعتاق شعبنا من الإحتلال.

الثابت في السياسة والفكر الصهيوني، ضرب وتصفية عوامل القوة العربية والفلسطينية، لخدمة هدف إستراتيجي صهيوني ثابت، ألا وهو تصفية القضية الفلسطينية، ولعل الحرب الأخيرة التي شنها الإحتلال على شعبنا الفلسطيني بدءً من الخليل تحت يافطة وذريعة خطف الصهاينة الثلاثة ومن ثم قتلهم لاحقاً، والتي تدحرجت إلى عدوان شامل على قطاع غزة، لم يكن جوهرها وهدفها الأول امني، بل كانت الأهداف الأساسية لها سياسة بإمتياز، في أولها الإستمرار في تكريس الإحتلال وتحسين شروط إحتلاله، من خلال إسقاط خيار المقاومة لعشرات السنين القادمة، عبر تصفية قوى المقاومة في قطاع غزة وتدمير كل بناها التحتية الأنفاق والورش والمصانع، وتدمير ترسانتها من الأسلحة وتحديداً الصواريخ التي تهدد جبهة الإحتلال الداخلية، وأيضاً تصفية كل الأجنحة العسكرية للمقاومة، وبما يمهد لتكريس فصل الضفة عن القطاع وسلخ أجزاء كبيرة منها وضمها للإحتلال والسيطرة الكاملة على مدينة القدس، وإغلاق أي إمكانية لإعادة الوحدة واللحمة للبيت الفلسطيني (حكومة الوفاق الوطني).

وضمن هذه السياسة والأهداف شن الإحتلال حربه وعدوانه الهمجي على شعبنا في قطاع غزة، هذا العدوان الذي أدركت فصائلنا وجماهير شعبنا، بأن هدفه ليس هذا الفصيل أو ذاك، بل هو إستهداف للشعب الفلسطيني بأكمله، ولذلك التفت الجماهير والتحمت مع المقاومة في صمودها وتصديها للعدوان، الذي عندما فشل في تحقيق أهدافه بكسر إرادة المقاومة وتدميرها وتصفيتها بنية وثقافة ونهجاً وخياراً وإرادة، عمد جيشه المهزوم عندما شعر بأنها قد أحدثت تطوراً نوعياً على مستوى التجربة والخبرة القتالية لأفرادها، وكذلك بالنسبة لتطوير قدراتها العسكرية كماً وكيفاً، وقدراتها على تنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط العدو، وما أوقعته من خسائر كبيرة في قواته العسكرية، تحديداً للواء النخبة، لواء "جولاني" جعلته يفقد صوابه، ويعوض عن ذلك بإرتكاب مجازر جماعية وجرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي من خلال إستهداف المدنيين ودور العبادة ومقرات الأمم المتحدة والمدارس والمشافي، متوهماً بأن ذلك قد يساعده في خلخلة الجبهة الداخلية الفلسطينية، وفك العلاقة ما بين الجماهير الفلسطينية وقوى المقاومة، ولكن الجماهير الشعبية رغم بشاعة الجرائم والمجازر، قالت بشكل واضح بأنها تقف خلف المقاومة في مطالبها، وخيارها هو خيار المقاومة.

دولة الإحتلال وجيشها الذي "لا يقهر" والذي خلق حوله هذه الهالة الكبيرة حكام العرب المهزومين، والذي تعود على شن حروب خاطفة على الدول العربية معتمداً على تفوقه العسكري وترسانته العسكرية التقليدية والنووية، ودعم لا محدود عسكري وسياسي ولوجستي وأمني ومالي من قبل أمريكا والغرب الإستعماري، هذه القوة بدأت بالتآكل، وبشكل واضح بعد هروب جيش الإحتلال من الجنوب اللبناني، وتحرير الجنوب في 25 أيار 2000، ومن ثم إزدادت عملية تآكل قوة الردع والهيبة للجيش الإسرائيلي، بعد أن شنت حربها العدوانية الأولى بالوكالة عن امريكا على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز 2006، من اجل خلق ما يسمى بالشرق الوسط الجديد بتعبيرات وزير الخارجية الأمريكية أنذاك "كونداليزا رايس"، هذه الحرب التي مني بها الجيش الإسرائيلي بهزيمة مدوية.

حاول العدو الصهيوني بعد ذلك ترميم قوة ردعه وإستعادة هيبة جيشه من خلال حروب عدوانية شنها على شعبنا ومقاومتنا في قطاع غزة في أعوام (2008–2009) و(2012)، ولكنه لم يستطع أن يكسر إرادة المقاومة، أو ينزع أسلحتها، بل هذه المقاومة صمدت، وأستعدت للجولات القادمة، وكانت أكثر بأساً وقوة وصموداً، واستطاعت أن تدمي جيش الإحتلال وتلحق الخسائر الكبيرة به، وكذلك بـ"الجبهة الداخلية الإسرائيلية".

هزائم وإخفاقات جيش الإحتلال المتلاحقة، والتي كانت آخرها في ما يسمى بحرب "الجرف الصامد" ورغم أنها لم تتحول حتى الآن، لأسباب سياسية لها علاقة بحجم الخذلان والتآمر العربي والإنحياز الأمريكي والغربي الإستعماري لجانب دولة الإحتلال، حيث رأينا أمين عام الأمم المتحدة، الديكور الأمريكي "بان كي مون"، يصطف لجانب مناصرة الضحية على الجلاد، إلى هزائم تجبر قادة الإحتلال على التخلي عن نظامهم السياسي العنصري العدواني التوسعي الرافض للتسويات السياسية للصراع، إلا أنها كشفت مواطن ضعف نظامهم الأمني وتآكل قدرة جيشهم على الردع وحسم جولات المواجهة.

الجيش الصهيوني له سجل حافل منذ نشأة دولة الإحتلال بإرتكاب الجرائم والمجازر بحق شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية، ومارس كل أشكال الإضطهاد والتطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني، ورغم كل ذلك فشل في ردعه وتطويع إرادته وكسر معنوياته، وإستمراره في إرتكاب مثل المجازر والجرائم نزع عنه ما تبقى له من صفات الجيش المقاتل، وتحول إلى جيش قاتل للمدنيين حيث تجاوزت مجازره ومذابحه كل حدود المعقول، ما يوجب الإصرار على تقديم قادته السياسيين والعسكريين إلى محكمة الجنايات الدولية، لينالوا عقابهم كمجرمي حرب. وبالموازاة مع ذلك يجب أن يكون هناك عمل سياسي ودبلوماسي وقانوني وإعلامي فلسطيني موحد جاد ومثابر لتطوير وتعميم الخطوة الشجاعة للرئيس البوليفي، موراليس، الذي أصاب كبد الحقيقة حين وضع "إسرائيل" على لائحة الدول الإرهابية، ومثلها الولايات المتحدة الراعية لكل جرائم الإحتلال.

 

* كاتب ومحلل فلسطيني يقيم في مدينة القدس