مرت الذكرى الأربعين لسقوط الشهيد الطفل محمد أبو خضير الذي خطف يوم 2-7-2014 على يد مجموعة من المستوطنين المتطرفين من مكان سكنه في حي شعفاط بالقدس، وعذب وأحرق وهو على قيد الحياة، وألقي القبض على المجرمين الذين يقودهم حاخام يهودي واثنين من أبنائه وثلاثة آخرين.
المستوطنون القتلة ألقوا بجثة الطفل أبو خضير في أحراش قرية دير ياسين، حيث كانت المذبحة عام 1948، وفصول النكبة مستمرة من النقب حتى غزة، ألقى محمد السلام على الشهداء هناك، ومشى في ماء أحلامه، متذكراً تفاصيل العودة في الطريق.
الجريمة بحق الطفل أبو خضير والاعتداء على ابن عمه طارق بشكل دموي هزت العالم، واستدعت في الوعي التاريخي صورة المحرقة النازية، وأن الروح المحرقية لازالت تسري في عروق من تقمصوا شخصية الضحية، وتحولوا إلى جلادين وحارقين وحاقدين، وأزمة تعاني منها الإنسانية جمعاء ولا زالت.
الحرب الإجرامية التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة بعد عدة أيام من مقتل الطفل ابو خضير بدأت أولاً في القدس، واستطيع أن اسميها (حرب شهيد الفجر محمد أبو خضير)، حيث غبار ونذر الحرب ودوافعه والاستعداد والتجنيد والتحشيد كان شاملاً في "إسرائيل"، ومن مختلف الجهات الرسمية والشعبية والدينية تحت شعار (الموت للعرب).
الفضيحة الأخلاقية والسياسية بقتل الطفل البريء محمد ابو خضير وفي شهر رمضان المبارك، والتي صدمت الشرق الأوسط والمجتمع الدولي، كشفت "إسرائيل" كدولة دينية فاسدة وكاذبة ومتدنية ثقافياً وأخلاقياً، تقودها غلاة المستوطنين، وخشية من الأضرار المتسارعة على مكانتها وسمعتها الدولية، أدت إلى سرعة اتخاذ قرار إعلان الحرب على غزة، وتوجيه انتباه العالم إلى هناك، وتوليف خطاب مضلل تحت شعار الدفاع عن النفس، وحماية اسرائيل من خطر صواريخ المقاومة.
لقد هربت "إسرائيل" من جريمة في القدس إلى جرائم متتالية في قطاع غزة، حفرت بطائراتها ودباباتها ومدافعها قبوراً عديدة في شوارع وأحياء وبيوت وأزقة غزة، زرعت الموت في كل مكان لطمس الحقيقة الفلسطينية، لكن غزة ردت لعنة الاحتلال إلى تل أبيب قائلة: غزة ليست جرفاً ولا هاوية، وأن الحياة حرية.
قبل الحرب على غزة، اندلع طوفان جارف من الكراهية العنصرية بل الفاشية في "إسرائيل" ضد الفلسطينيين أينما كانوا، ولم يكن اختطاف المستوطنين الثلاثة ومن ثم العثور على جثثهم مقتولين سوى البطاقة الرسمية التي أتاحت صعود كل هذا الحقد إلى ما فوق السطح، وهيأت الأجواء لقتل الطفل ابو خضير، وترجمة شعارات التطرف والتحريض إلى قنابل وصواريخ، وارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد شعبنا في قطاع غزة.
لقد اندلعت المواجهات الواسعة في الأراضي المحتلة في أعقاب جريمة مقتل الطفل محمد أبو خضير، وسقط 12 شهيداً فلسطينياً خلال هذه المواجهات معظمهم من الأطفال، وشنت دولة الاحتلال عدوان شامل واجتياحات واسعة في الضفة الغربية والقدس، شملت حملات اعتقال طالت النواب والأسرى المحررين في صفقة شاليط، إضافة إلى حصار مدينة الخليل، ومداهمات وحشودات في كافة أنحاء الضفة وهدم منازل، والإعلان عن بناء مستوطنات جديدة، كانت حالة حرب أعلنتها "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني وسلطته ووحدته الوطنية.
أحرقوا الطفل المقدسي أبو خضير واشتعلوا في غزة، وقتلوا وجرحوا وشردوا الآلاف من السكان، وأبادوا عائلات بأكملها، وحولوا المنازل إلى مقابر جماعية، مجازر فوق مجازر، وموت يجرف موتاً، مشاهد كارثية، تحولت غزة إلى فرن كبير صهر فيه البشر هناك، خرجوا منه كغيم من الرماد، أعمدة من الدخان والدم والأسئلة والأسماء الضائعة.
أحرقوا الطفل أبو خضير واشتعلوا في غزة، هؤلاء عصابات الإجرام من المستوطنين "شبان التلال"، وعصابات "دفع الثمن" و"جيش الرب" وعصابة "شعب إسرائيل يطلب الانتقام" وغيرها، المحصنون والمدعومون من حكومة "إسرائيل"، أنسال وبناة ثقافة الكراهية والفاشية التي ينميها مرشدو وحاخاميو دولة "إسرائيل"، ورئيس وزرائها الذي أعلن أنه ارتدى قبعة الشيطان، طالباً الثأر والانتقام.
أحرقوا الطفل أبو خضير واشتعلوا في غزة، هؤلاء الحاقدون الكارثيون، أصحاب العقول المحمولة على السيف والدبابة والمستوطنة والمتفجرات الحارقة، الفالتون من العقاب الدولي والمحاسبة، قاتلو الأطفال والنساء، والذين أخذوا من هتلر ثقافته وتراثه وإيمانه أكثر بكثير مما أخذ منهم من الجثث والأرواح.
أحرقوا الطفل محمد أبو خضير واشتعلوا في غزة، هؤلاء الذين معظمهم من الجنود، وقد رفعوا شعار "كره العرب ليس عنصرية بل قيمة"، ونشروا على شبكات الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي صور وشعارات ورموز الوحدات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، مصحوبة بيافطات تدعو إلى الحرب والانتقام، والى قتل الفلسطينيين دون محاكمة، والدعوة إلى تنظيم اعتداءات فردية وجماعية ضد الفلسطينيين.
قتلوا الطفل محمد أبو خضير واشتعلوا في غزة، وادعوا أمام محاكمهم أن القتلة مجانين، فاقدي الأهلية العقلية، وأنه ما دام رب البيت قد جن، فلتحترق غزة أرضاً وسماءً، وليتسع جنون دولة تدخل عصر العصابات كاملة مكتملة، حكومة وجيشاً ومؤسسات وقضاة ومحاكم، وحوشاً منفلتة في الغابات والثكنات.
قتلوا الطفل محمد أبو خضير واشتعلوا في غزة، وعادوا خائبين مدفونين في الأنفاق والرمل والطين والعصف المأكول وحجارة من سجيل، يبحثون الآن عن رواية، خذلتهم الأسطورة والصحراء وبحر غزة ولاهوت الحرب وأناشيد الجنرال.
حبيبي الشهيد محمد:
قتلوك وأحرقوك حياً
لا بأس...
روحك بيضاء متوثبة عالية
بينما "إسرائيل" المحتلة سوداء هرمة
في غزة بلغت سن الفاشية والعنصرية
سن اليأس...
* وزير شؤون الأسرى والمحررين - رام الله