ربما كان التاريخ ماكرا في اندفاعه ومفارقا في وقائعة ففي مثل هذا اليوم انتصر المسلمون بقيادة خالد بن الوليد على الروم بقيادة ماهان في معركة اليرموك بين العرب المسلمين والإمبراطورية البيزنطية،
يعتبرها بعض المؤرخين من أهم المعارك في تاريخ العالم لأنها كانت بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت لتقدم الإسلام السريع في بلاد الشام. المعركة حدثت بعد وفاة الرسول عام 632م بأربع سنوات. وقد قتل من الروم 50 ألفًا ومن المسلمين 3 آلاف، وتم في إثر هذه المعركة فتح باقي بلاد الشام وسقوط الإمبراطورية البيزنطية. لكن في التاريخ المعاصر بعد أن أعلنت العصابات الصهيونية قيام دولتها عام 1948 والشعب الفلسطيني يقدم التضحيات الجسام من أجل الدفاع عن هويته ووجوده ويعلن ثباته رغم المجازر المتكررة فالقاتل يدلي بسكينه والقتلى يدلون بالاسماء صبرا كفر قاسم دير ياسين شاتيلا كما قال محمود درويش في مثل هذا اليوم أيضا من عام ألف وتسعمائة وستة وسبعين ارتكبت القوات الانعزالية اللبنانية ـ بدعم من بعض الحلفاء ـ في لبنان مجزرة مروعة بحق سكان مخيم تل الزعتر راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين من النساء والأطفال والمسنين بعد أن صمد المخيم اكثر من 50 يوما . وتم تدمير المخيم تدميراً كاملاً، وكم هي شبيهة ذهنية القاتل بين اليوم والأمس فقد ارتكبت القوات الصهونية في العشرين من الشهر الماضي في حي الشجاعية في غزة مجزرة لا تختلف كثيراً عن المجازر التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني .لكن المقاومة طالما أثبتت أنها لا تنكسر وأن المعركة متواصلة حتى النصر والتحرير.
شهادات من تل الزعتر
سحر تل الزعتر، أو ربما سره
من ذكريات الأخت راوية مرة عن مخيم تل الزعتر
كثيرا ما قارنت في صغري المجتمع الذي عرفته في تل الزعتر بمجتمعات اخرى دون أن أوفق في الوصول إلى تحديد ما جعل الحياة هناك مختلفة عن كل ما عرفت من مجتمعات. كان في تل الزعتر روح لم اجدها في أي مكان آخر. سكان تل الزعتر كانوا من قرى الجليل في غالبيتهم ومن الخالصة والحولة لكن كان هناك اللبناني والكردي والسوري أيضاً. وحالما وطأت أقدامهم أرض المخيم انصهروا في الحياة فيه وصاروا أفراداً من عائلة واحدة.
هل يذكر أحدكم مثلا الجرحى الذين اتو بعد مجازر الأردن؟ تم نقلهم إلى أحد البيوت في نهاية شارعنا كان أصحابه قد هاجروا إلى المانيا. وهناك اعتنت نساء الحي بالجرحى منذ اللحظة الاولى حتى شفي كل منهم وغادر على ساقيه. أحدهم كان أبو ابراهيم الذي بقي في المخيم وحصن تلة المير حين بدأ المخيم يتعرض للهجمات والحصارات والحواجز الطيارة التي قتلت الكثيرين من ابناءه على الطرقات. وأتى أبو ابراهيم بالمدفع الصغير الوحيد الذي كان بحوزة المقاتلين في المخيم. لكن هناك منهم، من الجرحى القدامى من بحث عن بيت جدي ابو اسعد وزارهم في الفاكهاني حتى في منتصف التسعينات. والعمال السوريون كانوا يبحثون عنا ويسألون عن اهل تل الزعتر وهكذا يصلون من شخص إلى اخر وينتهي الامر بالعناق والبكاء والصمت والضحك والذكريات ثم البكاء والكلام والصمت وهكذا يعيدون الكرة إلى ما لا نهاية.
أخي عصمت مثلا كانت له ام اسمها ام علي السمراء. أظن انها كانت من الخالصة. (أرجو أن تعذروني هنا لأنني اذكر الناس والوجوه ولا اذكر دائما اصلهم وأسمائهم بشكل أكيد لصغر سني يومها ليس اكثر) كأنت ام علي إمرأة سمراء اللون جدا مكتنزة صاخبة مليئة بالحياة لا تختفي الابتسامة عن وجهها. كانت قد ارضعت اخي عصمت وهو صغير بسبب مرض امي . كان عصمت يشتاق اليها ويركض اليها ويرتمي في احضانها في اي وقت. وفي المدرسة كان هو وابنها عيسى صديقين حميمين. وحين استشهدت ام علي رأيت عصمت وعيسى يجلسان مستندان إلى الحائط المقابل للقبو الذي كنا نختبئ داخله ويبكيانها سوياً بحرقة متساوية كأن الحزن والفجيعة حولهما إلى توأم سيامي. توأم احد افراده اشقر وأبيض البشرة والثاني أسمر جداً.
وما زلت أذكر بكاء السيدة ام كروم وغيرها من النساء من فراضية، بصوت عال حين علمن بأن أبي استشهد. وانهيار أبي التام حين رأى جسد المختار والمختارة المصابين وأدرك انهما لن يعيشا بالرغم من انهما كانا لبنانيين من قرية عرسال. والعمال السوريون الذين تحولوا من عمال إلى مقاتلين على المحاور دفاعاً عن المخيم وصدوا هجمات القوات الانعزالية عن المخيم. منهم من رأيته بأم عيني وهما نايف وعبد الله في شارعنا والشيخ الذي كان يحرس مخزن الحديد المحاذي لمصنع كنيدر. علمنا فيما بعد ان الشيخ الذي كان يدعى عبد القادر والذي كان يرتدي ملابس ذكرتني بها ملابس العقيد في المسلسلات السورية، دافع إلى اخر طلقة وأنه استشهد بين اكوام الحديد في ساحة المخزن.
هذا، وأشياء أخرى يزيد من حرقتنا وفجيعتنا على تل الزعتر. كل تلك الأشياء التي تأبى أن تلخص وتوصف. من الممرضة السويدية إلى العامل السوري إلى الحاجة الكردية إلى البنت أو الشاب الفلسطيني... كلنا كنا تل الزعتر. اسطورة التعايش والتعاون التي لم تتكرر في مكان آخر في الشرق الأوسط. اسطورة الحداثة والأصالة، القهر والعنفوان، الفقر والأصل الشبعان، التعاضد والكوارث، الرحمة والغضب، القرية الصغيرة في قلب المدينة الكبرى، أناس سحقوا تماما وآخرون حققوا نجاحات عظيمة بعون من كانوا أقل حظاً.
البيوت كلها كانت بيوتنا. الآباء كلهم كانوا آباءنا. الأمهات كلهن كن امهاتنا. والاخوة كلهم اخوتنا بغض النظر عن لون بشرتهم أو أصلهم أو جنسهم. تل الزعتر لحظات جمدها الزمن، مثل دمعة من عيني رجل حوله المرض إلى حطام، أو مثل تلك اللحظة التي انفجر فيها جارنا ابو حسين الذي كان المخيم كله يخشاه، بالضحك، حين اطلت اختي شادية ابنة السنتين، من الباب صباحا وعلى وجهها شنب من بقايا البن في فنجان القهوة الذي تناوله ابي.
حكاية مخيم تل الزعتر
شهادة الأخت ميساء الخطيب
12-8-1976 الساعة تسعة الصبح، الكل جاهز لمغادرة المخيم، والكل ناطر توصل شاحنات الصليب الأحمر الدولي لتدخل المخيم. باقي من الزمن ساعة، ويمكن كانت أطول ساعة بأيام الحصار، كل أهل المخيم صدقوا أكبر كذبة مرّت عليهم، ويمكن كانت أصعب كذبة صدقها الشباب اللي كانوا يدافعوا عن المخيم، والنتيجة إنهم دفعوا ثمنها أرواحهم.
الكذبة بدت قبل هاد اليوم بليلة، يعني ليلة الأربعا، لما بلشت الإذاعات تطنطن عن موافقة م. ت. ف على تسليم المخيم مقابل خروج كل من بقي حيّا داخله لكن بدون سلاح، والضمانة طبعاً كانت من ممثل الجامعة العربية بهداك الوقت ومن والصليب الأحمر الدولي.
وقبل الموعد المتفق عليه لتدخل الشاحنات وتخلِي أهل المخيم والمقاتلين، كانوا الفاشيين اقتحموا المخيم من كل الجهات، وبدوا بإطلاق الرصاص والقذائف بشكل جنوني، على البشر وعلى اللي تبقى من المباني حوالين المخيم، حتى في الملاجئ اللي الناس رجعوا اتخبوا فيها، قتلوهم بالعشرات وما رحموا لا رضيع ولا ختيار.
خيار المقاتلين الوحيد كان يرجعوا يطلعّوا أسلحتهم اللي خبوها، وبلشت معركة الدفاع المستميت عن المخيم وجهاً لوجه مع الفاشيين، والدفاع عن المخيم ما كان بس من الشباب، كمان الصبايا شاركوا فيه، بس مع الأسف المعركة ما كانت متكافئة، الفاشست كان معهم مش بس ذخائر كتير، كمان كان معهم ضباط كتير ساندوا الفاشيين ليقضوا على كل مقاوم بالمخيم.
وللتاريخ راح أكتب هون، ووين مكان راح أقول: لولا التدخل الخارجي ومشاركته بالمجزرة بالمخيم، لكان مخيم تل الزعتر ولا أي قوة من الفاشست قدرت تهزمه ولا كانوا قدروا يقتحموا المخيم ويعملوا فيه إبادة جماعية ويستفردوا بشعب أغلبيته كان أعزلا من السلاح.
أهل المخيم ما كان قدامهم أي خيار غير إنهم يغادروا المخيم بدون ما يعرفوا شو راح يكون مصيرهم أو مصير أولادهم، ومين راح يموت قبل التاني، وقصص الموت بلحظة الخروج من المخيم لعند ما وصلنا لمدرسة الفندقية بمنطقة الدكوانة، المكان اللي جمعوا أهل المخيم فيه، ما ممكن تنكتب بكلمات بسيطة، فظاعتها وبشاعتها ما ممكن تنمحي من الذاكرة مهما مرّ عليها الزمن، والذاكرة مليانة بصور القتلة وهم بيعدموا الشباب والأطفال، حتى الرُضّع منهم، وكبار السنّ والنساء، بأساليب ولا أفظع من هيك. هاي الأساليب تعددت ما بين الإعدام بالرصاص بمشاركة جماعية من القتلة، وهم في غاية السعادة والضحك بشكل هستيري وهم يطلقون الرصاص على الضحية، وبين فصل جسد الضحية قسمين بربط كل رجل بسيارة، وكل سيارة تروح باتجاه، وبين ربط الضحية بمؤخرة السيارة وانطلاقها بسرعة جنونية وبشكل دائري على الشارع، وبين اختطاف طفل حديث الولادة من حضن أمه ورميه إلى ما فوق الشجر، وبين صف عدد من الممرضين والأطباء على الحائط وإعدامهم بشكل جماعي، وبين وبين وبين...
شهادة الأخ عبد الكريم الأحمد
في مثل هذا اليوم 12 اب 1976 هوى مخيم البطولة والصمود.. في مثل هذا اليوم سقط مخيم تل الزعتر بيد المغول والتتار وعملاء الكيان الصهيوني....
في مثل هذا اليوم ترجل الآف الشهداء في مخيم الشموخ والكرامة..
في مثل هذا اليوم ترجل معلمي الشهيد محمد عبد الكريم الخطيب "ابو أمل"...
شهداؤنا لكم ننحني وعلى طريقكم نستمر. وإننا حتماً لمنتصرون.
مخيم تل الزعتر هو مخيم لجوء فلسطيني، يقع شرقي بيروت، وأنشئ عام 1949م، بمساحة 56.65 دونما، وقد أُزيل عن الوجود خلال الحرب الأهلية.حيث وقعت اشتباكات عنيفة وشرسة بين (قوات اليمين اللبناني المسيحي ضد مسلحين الفصائل الفلسطينية المتمركزين في المخيم) حيث أحيط المخيم ب مسلحين اليمين اللبناني وتعرض المخيم لقصف شديد على يد قوات اليمين اللبناني المسيحي وحصار دام لـ52 يوماً واستطاع المسلحين الفلسطينيين الخروج من المخيم عن طريق الغابات، وعندما بدأ الناس يموتون عطشاً، استسلموا ووافقوا على الجلاء، ثم سوت البلدوزرات المخيم بالأرض. يقدر عدد القتلى بحوالي 2000 قتيل من المدنيين الفلسطينيين.
في أواخر حزيران عام 1976 بدأ حصار مخيم تل الزعتر الفلسطيني من القوات الانعزالية اللبنانية وحلفائها وحدثت مجزرة مروعة في حق سكان المخيم الذي يقطنه 20 ألف فلسطيني و15 الف لبناني مسلم لجؤوا إليه بعد أن تم قطع الماء والكهرباء والطعام عن المخيم قبل المذبحة و لمدة زادت عن 52 يومًا ، تعرض خلالها الأهالي لقصف عنيف (55000 قذيفة)، ومنع الصليب الأحمر من دخوله، مما أدى إلى القضاء على المقاتلين المتحصنين بالمخيم وأهاليهم بالكامل حيث طالب الأهالي الناجون من المذبحة فتوى تبيحُ أكلَ جثثِ الشهداء كي لا يموتوا جوعاً!
سقط مخيم تل الزعتر في 14-8-1976، بعد أن كان قلعةً حصينة أنهكها الحصار، فدخلته القوات الانعزالية اللبنانية، تحت غطاء عربي وارتكبت فيه أفظع الجرائم من هتكٍ للأعراض، وبقرٍ لبطون الحوامل، وذبحٍ للأطفال والنساء والشيوخ! يُحكى أنَّ مخيمًا كان اسمُهُ تل الزعتر، قتلوا فيه ثلاثة آلاف فلسطيني ثم سووه بالأرض بالجرافات!