خلال متابعتي وأهلي أخبار الحرب على غزة نهار الثاني والعشرين من رمضان، سمعنا عن اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية وجيش العدو، وذُهلنا عندما رأينا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصف الاشتباكات بـ«المعارك الشرسة» في خطابه الذي ألقاه خلال الاجتماع الطارئ للكابينيت الصهيوني.
ولمن لا يعلم، فإن العدو الصهيوني يميل دائماً للاستخفاف بخصومه، لكنّ تصريحاً كهذا يعني شيئاً واحداً: أن المقاومة الفلسطينية فعلت المستحيل! زاد الشوق بنا إلى معرفة المزيد، وخاصة عند اعتراف إعلام العدو بمقتل أربعة عشر جندياً وإصابة أكثر من خمسين خلال المواجهات المباشرة على حدود قطاع غزة، بحسب القناة الثانية العبرية.
في ظل البهجة التي تنقلت داخل المنزل، قاطعنا أبي منبهاً «اسا الله يستر من رد فعل اليهود، مش رح يسكتو على كل هالانتصارات، يعني تدمير 10 دبابات بأسبوع واحد مش هينة، ويعترفوا بقتل 14 جندي بيوم واحد أبداً مش هينة يابا، الله يستر». وقفت لدقيقة أتخيل ماذا سيحدث الآن؟ بالطبع كان رد فعل العدو متوقعاً؛ فبعد الفشل الذريع الذي شلّ الجيش الإسرائيلي، كان لا بد من الضغط على المقاومة بأي طريقة، فبدأ القصف العشوائي المكثف على حي الشجاعية شرق غزة دون توقف.
هكذا، أخذ عدد الشهداء الأبرياء يرتفع على نحو سريع، أربعة، عشرة، ثلاثون، خمسون.. حتى تخطى عددهم السبعين شهيداً. إنه عدو جبان، لم يقدر منذ اليوم الأول لعدوانه على غزة أن يدمر أياً من مراكز المقاومة العسكرية، لم يستطع تكبيدهم خسائر عسكرية! فأخذ «يتعنتر» بأسلحته المحرمة دولياً على المدنيين.
أصبنا بحزن شديد، خيم صمتٌ مخيف على المنزل بأكمله، استثناه بكاء أمي على الشهداء، وخاصة عند رؤيتها صور الأطفال. لم تكن أمي الوحيدة التي تبكي المجزرة، بل إن مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح، لم يستطع إكمال تقريره المباشر بعد تغطيته لما حدث داخل الشجاعية، فبكى لهول ما شاهده هناك. يبدو أننا بكينا جميعاً! حالما مرت ساعات قليلة انتشرت رسالة من كتائب القسام، تعدنا جميعاً بالانتقام لشهداء الشجاعية، وبتفجير براكين الغضب والإعلان عن مفاجآت كبيرة في الليلة ذاتها.
خلعنا حزننا وانتظرنا، كنت أكره فكرة الانتظار بحد ذاتها، لكنني اليوم أصبحت أعشقها، أنتظر رسائل المقاومة الفلسطينية وبياناتها وخطاباتها المباشرة على الهواء. الساعة العاشرة وخمسون دقيقة كان الموعد؛ أعلن المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام أسر جنديٍ إسرائيليٍ يحمل الرقم 6092065 تابع لوحدة النخبة في لواء جولاني.
بدأت الاحتفالات في غزة، وأخذت المساجد تكبر تكبيرة العيد فيها، غزة التي شهدت مجزرة صباح ذلك اليوم، نسيت ألمها، نزعت ثياب العزاء عنها واحتفلت بعملية أسر «شاليط 2»، إشارة إلى الأسير الاسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته المقاومة عام 2006، وحررت مقابله حوالي ألف أسير فلسطيني في سجون العدو. امتدت الاحتفالات للضفة الغربية، وزُينت السماء بالمفرقعات النارية (الطُقيع، بحسب اللهجة الفلسطينية). وانتشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي أجرى بسببها أصحاب المحال التجارية في الخليل خفض أسعار ثياب العيد بنسبة ثلاثين في المئة «حلوان أسر الجندي الصهيوني». وفي رام الله والقدس اجتاحت الفرحة مئات الشبان الذين نزلوا إلى الشوارع معلنين فخرهم بالمقاومة وبإنجازاتها.
أطلّ العيد باكراً على الفلسطينيين هذه السنة، فلم تقتصر تكبيرات العيد على مساجد غزة والضفة، بل شهدت مساجد المخيمات الفلسطينية هذه التكبيرة، في ظل رشقات الرصاص التي أطلقت في الهواء من قبل الشبان المتحمسين والمتعطشين للانتفاضة والنصر. ففي مخيم عين الحلوة، جاء خبر الأسر بعد تنظيم شبابه تظاهرة تضامناً مع أهل الشجاعية، وسرعان ما تحوّل جمع الناس إلى عرس في زوايا المخيم فور ورود هذا النبأ. كما هو الحال في مخيم شاتيلا وبرج البراجنة والمخيمات الأخرى في لبنان والأردن.
لم ننم تلك الليلة من الفرح! شعورٌ لا يوصف بالكلام. أن تشعر بأن لك ظهراً قوياً تستطيع الاستناد إليه. أن تؤمن بوجود مقاومة فلسطينية تستطيع إلحاق الرعب والأذى والخسائر بالعدو. أن ترفع رأسك عالياً بغلبة شعبك على عدوك الأزلي. أن تثق كل الثقة بالمقاومة، التي إذا ما وعدت فإنها حتماً ستصدق!
نحن الآن نعيش مرحلة جديدة من الحرب، اذ إن المقاومة قلبت الموازين وغيرت المعادلات السائدة في المنطقة. لم نعد نطالب بحقوقنا من خلال إضرابات وبيانات نرفعها للهيئات الدولية وننتظر وقوفهم معنا وتنديدهم بالمجازر التي تلحق بنا، بل أصبحنا نطالب مقاومتنا بالرد، بإطلاق الصواريخ على العدو، بتدمير دباباته وأسر جنوده. الحق يؤخذ هكذا!