"كي الوعي" هو مصطلح تم "اختراعه" من قبل الجنرال الفاشي موشيه يعلون وزير الجيش الصهيوني الحالي، وقد بدأ تداول هذا المصطلح بعيد انطلاق الانتفاضة الثانية – الأقصى - والذي كان يعني توجيه ضربات تتسم بالقسوة الشديدة والمؤلمة أشد الإيلام للمقاومين بشكل خاص وغير المقاومين بشك عام من أبناء الشعب الفلسطيني.
كان هذا المصطلح تعبيراً عن الفاشية الصهيونية في التعامل مع كل فعل مقاوم، يهدف إلى بث الهلع في العقل الفلسطيني، ويخلق حالة من "ثقافة" الرعب والخوف في صفوف الفلسطينيين، بحيث يصبح "بحسب الفهم الصهيوني لهذا المصطلح" على الفلسطيني، أن يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على التفكير بمقاومة الاحتلال أو التصدي له، كما أنه سوف يبث حالة من العجز وفقدان الإرادة، والشعور بتفوق العدو مما يبث روحاً من الإحباط والوصول إلى قناعة تامة، والإقرار بدون تردد بأن هذا العدو غير قابل للهزيمة أو التراجع.
وإذا كان هذا المصطلح قد تم تداوله بهذا الشكل، وتم الإعلان عن إتباعه علانية، فهو في الحقيقة كان قد تم إتباعه منذ نشأة دولة العدوان في فلسطين، ولم يكن الإفراط في استخدام القوة، وارتكاب مختلف أنواع المجازر والتدمير والقتل ضد أبناء فلسطين عند قيام دولة العدوان سوى أحد أشكال هذا النمط من التفكير الصهيوني الفاشي، الذي يعبّر عن ذهنية مليئة بالحقد، وشهوة للقتل والدماء، غير مسبوقة. وكل ذلك تمت ممارسته من أجل إجبار الشعب الفلسطيني على مغادرة أرضه، وقد نجحت العصابات الصهيونية في ذلك الوقت، بشكل كبير، في بث حالة من الرعب في صفوف الفلسطينيين، وكانت النتيجة أن تحوّل مئات الآلاف منهم إلى لاجئين سواء داخل فلسطين "الضفة والقطاع" أو خارجها في الشتات.
هذا المصطلح، وإذا ما غاب ترديده بشكل كبير، إلا أنه تم وما زال استخدامه في كل الممارسات الصهيونية، على جميع الصعد، وفي كل الميادين، كما وفي كل المواجهات، التي سبقت تلك الانتفاضة وتلك التي تلتها، وما حدث من تدمير كبير في ضاحية بيروت الجنوبية، ليس سوى ممارسة عملية لذلك المصطلح أو تلك السياسة.
كما أنه يستخدم على نطاق واسع في الممارسة السياسية، وما محاولات الإذلال التي تمارسها دولة العدوان ضد بعض الوزراء على الحواجز، وكذلك الاعتداءات المتكررة ومحاولات الإذلال لبعض رؤساء الوزراء والاعتقالات للعديد من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، ومنع بطاقات أل في آي بي وغيرها من الممارسات، كل ذلك هو جزء من هذه السياسة العامة لدولة الاحتلال ضد الفلسطينيين.
وهو مصطلح يمارس في الدعاية والإعلام، "برغم صحة تلك الادعاءات" حيث يردد ما قاله شمعون بيريز عندما يقول أنه لم يعد من بين الدول العربية من هو معاد لدولة الكيان، وأن دولاً عربية عديدة تريد أن ترى قوة حماس وقد قضي عليها.
في العدوان الحالي على قطاع غزة، وكل ما تقوم به دولة العدوان من تطهير وجرائم ضد الإنسانية، وذبح وإبادة العشرات من العائلات بشكل كامل، وتدمير البيوت على ساكنيها، ومسح أحياء بالكامل عن وجه الأرض، ليس سوى ممارسة لتلك السياسة.
التغير الذي حدث في هذا العدوان كان على الجانب الآخر من الصورة، حيث أن المقاومة الفلسطينية لم تستكين ولم تتراجع أمام كل هذا الإجرام الصهيوني، كما أن الأهم هو نقل المعركة إلى الداخل الصهيوني، هذا الداخل الذي لم يذق طعم المعاناة أو المرارة أو الهزيمة أو الخوف والهلع الذي طالما تذوقه الشعب الفلسطيني.
وبعيداً عما قد يبدو فارقاً شاسعاً في الويلات والأهوال، وبعيداً عما قد يجريه البعض من مقارنات، قد تبدو في الواقع صحيحة، ولها أسبابها، إلا أنه في ما يتعلق بالرعب والهلع، فإن الفارق ليس بالضرورة كما يبدو المشهد فيما يتعلق بالأدوات القتالية، والتفوق العسكري الصهيوني.
إن حالة الرعب التي بثتها صواريخ المقاومة في المدن الصهيونية، تكاد لا تختلف عما هو موجود في غزة، لا بل إن حالة الصمود في القطاع تشير بدون مواربة أنه وبرغم كل الدمار، إن المعنويات ما تزال في مرتفعة، كما أن رفض أكثر من 80% من المستعمرين الصهاينة الساكنين في المغتصبات الموجودة في غلاف قطاع غزة، عندما يرفضون العودة إلى منازلهم، يؤكد على أن كي الوعي انقلب هذه المرة على الساحر، وأن هؤلاء وبمجرد سماعهم لأي حركة مهما كانت فإنهم يعتقدون بأن ثمة مقاتل يحاول اقتحام البيت أو المستوطنة، أو أن ثمة نفق تحت بيتهم، وهذا ما انتقل إلى شمال فلسطين وقد شاهدنا حال الرعب التي ألمت بالمستعمرين في مستوطنات الشمال وحالة الهلع خوفاً من أنفاق يقوم بحفرها حزب الله.
سياسة كي الوعي التي أرادها يعالون ضدنا، تحولت هذه المرة، إلى كي وعي في الجانب الصهيوني، وبعيداً عن المبالغة في توصيف الواقع، فإن المستوطن الذي قطن تل أبيب أو حيفا، لم يركض إلى الملاجئ منذ نشأة دولة العدوان، وهو لم يسمع صفارة إنذار تنبهه إلى ضرورة إيقاف سيارته والتوجه إلى أقرب ملجأ، واضطر لبناء "غرف آمنة محصنة" لم يكن يعرف عنها شيئاً من قبل، وهو يعلم تماماً أنها لن تكون كذلك في حالة وقوع صواريخ ذات قوة تفجيرية كبيرة على بناياتهم.
إن العدوان على غزة، أيقظ في الجانب الصهيوني حالة من الرعب لم تكن معروفة، ولا شك أنهم يفكرون في الكيفية التي ستكون عليها المواجهة القادمة منذ الآن وقبل أن تسكت المدافع في المواجهة الحالية، وكما قال العديد من المحللين، فإن عيونهم على الشمال حيث يتواجد حزب الله الذي يملك من المقومات ما لا تملكه المقاومة الفلسطينية في القطاع الصامد.
إذن هو كي الوعي الصهيوني هذه المرة، وهو النذير الذي يبعث الرعب في قلوب المستعمرين الذين جاؤوا من أصقاع الدنيا للاستيطان في الأرض الفلسطينية، وما يميز الفلسطيني عن مغتصبيه، أن هذا الأخير لن يتردد في ركوب أول طائرة هرباً بجلده عن أرض الصراع، وأن الأول لن يرحل مجدداً، حيث ذاق عذابات التشتت واللجوء، وسيبقى على هذه الأرض صامداً مقاوماً مهما كان الأمر، حتى تحريرها واستعادة حقوقه التي فرّط بها العرب وسلموها بدون أدنى مقاومة أو تأنيب ضمير، هذا إن وجد.
* كاتب فلسطيني يقيم في مدينة بيت لحم