يستمر الكيان الصهيوني للأسبوع الثالث على التوالي في عدوانه على قطاع غزة، وسط صمت عربي ودولي سافرَيْن، ويبقى الشعب الفلسطيني وحيداً يقاوم آلة القتل والحصار برجال أشداء وصواريخ عطّلت الكثير من مقوّمات قيام هذا الكيان الغاصب.
"الثبات" التقت ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان؛ أبو عماد الرفاعي، وكان الحوار الآتي:
• مضى أكثر من أسبوعين على بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وأسبوع على بدء الهجوم البري، بعد تردُّد المسؤولين الصهاينة، كيف تقيّمون رد الفعل الشعبي والرسمي العربي والفلسطيني، والدولي؟
- مع الأسف، لم ترقَ ردود الفعل إلى المستوى المطلوب لغاية الآن، لاسيما على ضوء المجازر المتواصلة التي يشهدها القطاع، حيث بات واضحاً أن العدو يستهدف العائلات في مساكنها ويقتل الأطفال بهدف الضغط على المقاومة لوقف إطلاق النار، دون أن يدفع ثمن عدوانه، والعودة إلى معادلة التهدئة مقابل التهدئة. صحيح أن تحركات ضخمة جرت في بعض العواصم العربية والأوروبية، لكن الشارع العربي الفاعل والمؤثر في مصر وغيرها من عواصم القرار العربي بقي غائباً، وبعض التحركات في بعض العواصم جاءت دون ما اعتادت هذه العواصم أن تقدمه لفلسطين. أما الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية ومخيمات لبنان، فهناك فعاليات يومية، وهي في تصاعد مستمر، وتتطور بحسب مجريات العدوان، لكن شعبنا الفلسطيني بحاجة اليوم إلى الجميع، سواء في الوطن العربي والإسلامي أو في الغرب، لأن من شأن أي تحرك أن يسهم في تقوية الموقف الفلسطيني المقاوم في مواجهة الضغوط التي تحاول ثني المقاومة عن المطالبة بحق شعبنا في قطاع غزة برفع الحصار. أما الموقف الرسمي العربي فيبدو في تخلٍّ كامل عن كل ما يمتّ لفلسطين بصلة، بل إن بعض النظام الرسمي العربي يحلم باليوم الذي يتم فيه القضاء على المقاومة.
وهنا أقول لكل الشعوب العربية: إن المقاومة في فلسطين هي خط الدفاع الأخير عن ثوراتكم.. ليس خفياً أن ما جرى خلال السنوات القليلة الماضية في العالم العربي كان هدفه سرقة ثورات الشعوب العربية، وحرف الحراك العربي من اتجاه النهضة والانعتاق من التبعية إلى اتجاه التقاتل الداخلي، وكل ذلك تم بالتوافق بين بعض النظام العربي المتخوّف على مصيره، والإدارة الأميركية التي تخشى أن تفقد نفوذها وهيمنتها في المنطقة، وتخشى كذلك على استمرار وجود الكيان الصهيوني، وبما أن فلسطين كانت على الدوام محركاً أساسياً للشارع العربي، فإن ما يجري اليوم هو محاولة للقضاء على المقاومة، سواء من خلال توجيه ضربات مباشرة لها عبر الذراع الصهيونية، كما يجري في غزة، أو عبر جرّها إلى صراعات داخلية تفقدها هيبتها ونقاوتها.
لذلك أقول للشعوب العربية: هذه غزة اليوم إذا قضي عليها، لا سمح الله، فلن ينعم شعب عربي بعدها بالحرية، وسيعاد إنتاج أنظمة أشد موالاة وتبعية للغرب، وأكثر ارتباطاً بالمشروع الصهيوني.
• ظهرت المقاومة اليوم بقدرات جديدة من حيث القوة والدقة والصمود، ما هو الجديد في أداء المقاومة الفلسطينية؟ وهل هناك من مفاجآت مقبلة؟
- التطور الأهم على هذا الصعيد هو أن كل مدن ومستوطنات العدو الصهيوني باتت تحت مرمى صواريخ المقاومة، ولم يعد هناك أمكنة عصيّة على توجيه الصواريخ نحوها. عاصمة الكيان الصهيوني باتت مرمى لصواريخ المقاومة يومياً، وجيش العدو عاجز عن مواجهة هذا الواقع، رغم كل ما يملكه من قدرات تقنية وهجومية. صحيح أن العدو الصهيوني يرتكب المجازر المروعة، ويوغل في دماء الأطفال والنساء، وأن صواريخ المقاومة بالكاد تسبب ضرراً، لكن العدو الصهيوني يألم مثلما تألم غزة، وأكثر، سواء عبر حالة الرعب الذي تسيطر على الكيان بأكمله، أو عبر خسائر اقتصادية تقدر بمليارات الدولارات، وتوقُّف حركة السياحة، وتعطُّل الملاحة الجوية، وتوقُّف البورصة، وشلل تام في كل المرافق الاقتصادية.. هذه خسائر حقيقية وليست مجرد خسائر معنوية. بالطبع، فإن دم فلسطيني واحد يعادل عندنا كل الكيان الصهيوني، لكن في المقابل ليس صحيحاً ما يصوّره البعض أن المقاومة لا جدوى منها.. يكفي المقاومة فخراً أنها جعلت الكيان الصهيوني كله ساحة حرب تألم مثلما تألم غزة وأكثر.
أما مفاجآت المقاومة الميدانية فهذا شأن عسكري يُكشف عنه في حينه، لكن العدو نفسه أقرّ بأن المقاومة فاجأته أكثر من مرة، سواء عبر المدى الذي تطاله الصواريخ، أو عبر قدرة المقاومة على المباغتة، ووجود أنفاق تصل إلى داخل معسكريات العدو، والأيام المقبلة ستكشف عن الكثير من المفاجآت التي ليست في حسبان العدو إذا استمر العدوان.
• يركّز الإعلام الصهيوني على موضوع الحل السياسي، ومن المعروف أن الإعلام لدى العدو يشكّل انعكاساً للحالة السياسية والرأي العام في الكيان الصهيوني، وقد ظهر ذلك في سرعة قبول اي مبادرة للتهدئة، كيف تقيّمون حالة التخبط هذه؟
- العدو يكذب عندما يقول إنه يريد الحل السياسي، وقبوله بالمبادرة المصرية هو لعبة علاقات عامة يريد من خلالها خداع العالم بأن المقاومة هي التي لا ترغب بوقف إطلاق النار، فهو يريد الخروج من المأزق العسكري والأمني دون دفع الثمن، ودون رفع الحصار عن غزة. الكل يعلم أن العدو الصهيوني هو الذي بدأ باستهداف غزة بعد جريمة حرق الطفل محمد خضير، وأراد أن يضبط ردود فعل أهلنا في الضفة الغربية عبر فتح النار في غزة. شعبنا في غزة سئم أن يكون حقل رماية للعدو الصهيوني بعد ثماني سنوات من الحصار الظالم يُحرم فيها من أبسط مكونات الحياة، وكأنه يستجدي العالم ليحصل على الغذاء والدواء والماء والكهرباء.. شعبنا الفلسطيني يريد لهذه الحرب أن تنتهي بطريقة واحدة: رفع الحصار نهائياً عن غزة، وبشكل كامل ونهائي.
استجبنا في السابق لكل الاتصالات التي كانت تطلب منا فيها التهدئة، وفي كل مرة كان العدو ينتهك التهدئة، ولم نكن نسمع ولو كلمة احتجاج واحدة على انتهاك التهدئة، فلماذا يُطلب منا في كل مرة أن نكون هدفاً للقتل المجاني؟! هذه المرة لن نقبل أن تنتهي الحرب من دون رفع الحصار.. فلا فرق لدى شعبنا أن نُقتل دفعة واحدة أو على دفعات.. أن نقتل بالصواريخ أو بالحصار!
• انتفض الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات نصرة لغزة.. ما هي رسالتكم إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين ينظرون اليوم إلى غزة من نافذة الأمل بالعودة إلى فلسطين؟
- شعبنا الفلسطيني في مخيمات اللجوء بات على قناعة تامة بأن المقاومة هي ضمانته الوحيدة للعودة، وأن أي رهان على أي شيء آخر هو رهان على سراب، وتفريط بحقه في العودة.
نقول لشعبنا إن المقاومة في غزة هي أنتم.. هي أبناء المخيمات وأبناء شهداء المخيمات الذين قدموا حياتهم ثمناً للعودة. يدرك أهلنا في المخيمات أن المقاومة هي التي لا تزال تتشبث بحق العودة، لأنه لو رضيت المقاومة بما يسمى بالتسوية على حساب اللاجئين لفتحت أمامها كل العواصم.. لذلك فإن أهلنا في المخيمات مطالَبون بحماية المقاومة وحماية ظهرها، لأنها مقاومتهم ومستقبلهم.
لقد تحرك أهلنا في مخيمات لبنان منذ اللحظة الأولى للعدوان، وامتلأت المخيمات بالمسيرات والاعتصامات، وكل ذلك يعبر عن حقيقة واحدة، وهي تمسك شعبنا الفلسطيني بحقه في العودة، رغم كل المعاناة التي يعيشها في المخيمات، وهنا نقول إن شعبنا أثبت في كل المراحل والمحطات أنه متمسك بالعودة الى أرضه ووطنه، وإن من واجب كل الدول المضيفة، بل وكل الوطن العربي والإسلامي، دعم صمود أهلنا في المخيمات، لأنهم الضمانة الوحيدة لتحقيق العودة وإفشال كل مشاريع التوطين. إن إقرار الحقوق الإنسانية والاجتماعية لأهلنا في المخيمات يقوي تمسكهم بحقهم بالعودة، على عكس ما يدعي البعض، ومن يريد عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه فعليه واجب حماية مقاومته ودعم صمود أهلنا في المخيمات عبر إقرار حقوقنا المشروعة.
أجرى الحوار: سامر السيلاوي
جريدة الثبات