قلنا إننا ندفع من دمنا ثمن جبنهم في الميدان، وثمن جبن وخسة غيرهم ممن يتفرجون على المذبحة، ولا يتحسسون ثقل أوطانهم ولا تاريخ أمتهم، ولا واجبات أدوارهم كقوى عظمى أو إقليمية. والمحتلون المجرمون يكثفون الآن، نيرانهم التي سماها نتنياهو ليلة أمس "قوة نارية كبيرة".
يرشقونها عشوائية في اتجاه الأماكن التي يتوقعون أن المقاومين ينتظرونهم فيها، ليسقط الشهداء الضحايا من الأبرياء. ما حدث في حي الشجاعية أمس، يندى له جبين الإنسانية التي استنكفت حتى الآن، عن طرد هؤلاء الأوغاد من حظيرتها. فمن خلال حصيلة كل يوم من الشهداء المدنيين صغاراً وكباراً؛ تتشكل مجزرة تجعلنا على قناعة بأن هذا الصراع سيظل يحكم هذه المنطقة، حتى تنهض هذه الأمة، لتعطي للغاشم المحتل، الدرس الآخير، من الفصل الأخير، من تاريخ استعماري تسلط في سياقه البشر على البشر، وانتهك فيه الظالمون، الأرواح والكرامات والأوطان والطفولة والشيخوخة ومهاجع نوم الآمنين!
نُطمئن الاميركيين الذين يؤيدون العدوان، ويتفرجون على أشلاء الأطفال، إننا عازمون على تأسيس ثقافة صارمة وطاردة، لدوركم وهيبتكم وثقافتكم يا أسلاف رعاة البقر الذين أسسوا امبراطوريتهم على فعل إبادة سكان البلاد الأصليين. وستتوارث الأجيال كراهتكم ككراهة الصهيونية الظلامية المتطفلة على بلادنا. لن تذهب دماء شهدائنا الأبرياء سُدى. وستظل الشعوب، على خصامها لكل حاكم يوفر للاميركيين موطئ قدم في بلادنا.
حي الشجاعية في غزة، الذي يزهو الجبناء بتسليط "قوة النيران الكبيرة" على سكانه أمس؛ له في التاريخ ما يجعله راسخاً أكثر من رسوخ واشنطن وتل أبيب المفتعلتين. هو سَميِّ القائد الإسلامي الأيوبي الكردي شُجاع الدين عثمان. لقد حافظ أهل الحي، منذ أن قاتلوا الصليبيين في القرن الثالث عشر الميلادي، على تراث الرجل الشجاع، وأنجب المقاومين جيلاً بعد جيل. ومجزرة أمس، لن تمحو الذاكرة ولن تفلح في كبح جماح الفلسطينيين أصحاب الحق الأصيل في وطنهم.
إن كل قطرة دم، سفكها المجرمون، تحمل لعنة على كل قاتل وكل متواطئ وعلى كل من اختار العجز والهوان.
الفلسطينيون يخوضون الآن، معركة الحق بكل صدقيته، مع الباطل بكل جبروته. إنها الحرب والمنازلة بين كلمة السماء، وقلم الباطل الذي هو قلم الأحبار الذين كتبوا توراتهم مروقاً على كلام الله. هؤلاء الأقدمون، خاصموا غزة منذ الأزل. كانت غزة وظلت شوكة في حلوقهم. كتبوا في توراة الأساطير: "وستكونين يا غزة متروكة من وجه الرب". لكن غزة لم تنم على بؤسها. لم تيأس ولم تكفر بقوة الله الحق الصمد. لعلها الآن، بدمها المراق ومن خلال مكوثها في المحرقة؛ تدق الأجراس، لكي يصحو النائم ويتحسس المتخاذل رأسه، ولكي ينام الظالم على وسادة القلق الوجودي والذعر الأبدي والعار المقيم!
لك المجد يا مدن غزة وقراها ومخيماتها الصابرة. لك المجد يا جنين والقدس والخليل. لك المجد والأمل الأقصى يا عكا، ويا يافا عروس البحر. إننا باقون هنا، على هذه الأرض. لم ينته التاريخ، ولن ينتهي الصراع. لا سلام سوى سلام القدس، وللقدس سلام آتٍ!