Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الشاعر توفيق زياد في ذكراه.. أناديكم..!!.. عيسى قراقع

الشاعر توفيق زياد في ذكراه.. أناديكم..!!.. عيسى قراقع

  في الخامس من تموز حلت ذكرى رحيل شاعر المقاومة والقائد الفلسطيني والمفكر السياسي ورئيس بلدية الناصرة سابقاً المرحوم توفيق زياد، لازال نداؤه التاريخي يتردد صداه عميقاً وواسعاً عبر الأزمنة والأجيال يعلن أنه لازال حياً مع شعبه الصامد كالمستحيل في اللد والرملة والجليل.

 

بعد عشرين عاماً من غيابه ظلت قصيدته المشهورة "أناديكم" مندفعة في القلوب والحناجر، تخاطب الأسرى والشهداء والمبعدين والشعب الفلسطيني الذي يكافح بعناد وصبر ظلم الاحتلال وجرائمه البشعة والمتواصلة.

 

أناديكم .. أناديكم

أشد على أياديكم

أبوس الأرض تحت نعالكم

وأقول أفديكم

 

أناديكم... يسمعها ستة آلاف أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال، ينشدونها في كل المناسبات والمواجهات، يضيئون بها جهات القلب على كل الجهات عندما يتصاعد القمع والحشر والليل ويضيق المكان، يستعينون بهذا الصوت القادم المتجدد في جوعهم الطويل وتعطشهم للماء والحرية والسماء الزرقاء.

إنه صوت توفيق زياد وهو يقفز عن حدود جدران السجن وأسلاكه وأبراجه، لا ينتظر ولا يتوقف، فهناك علاقة وطيدة بين اللغة والإنسان، بين الصوت والضوء وشكل الهوية عندما تسطر في زنازين معتمة بالدم والحلم وبصمات العين نوراً على ذاكرة مقاومة.

 

وأهديكم ضياء عيني

ودفء القلب أعطيكم

فمأساتي التي أحيا

نصيبي من مآسيكم

 

هي رسالته الكونية أخلاقياً وسياسياً وإنسانياً تجاه الصامدين والمعذبين من أبناء شعبه، وفاء حار، وتحية دائمة ودافئة من الشاعر ابن ناصرة البشارة والإشارة وهو يرسم المستقبل السياسي والصورة الجمعية لشعب مضرجاً بشقائق النعمان من الوريد إلى الوريد، لا يهدأ ولا يستقر وهو يدافع عن حقه في تقرير مصيره بالحرية والبقاء و"السلام".

رحل توفيق زياد يوم استقباله الرئيس الشهيد أبو عمار بعد عودته إلى فلسطين عام 1994، حيث سقط في طريق عودته في أريحا وقرب ذلك الجبل الذي اعتكف فيه السيد المسيح..، حمل زياد وردة نورانية من مدينة أريحا مرفوع الكتفين والجناحين والفكرة، حضنته بلد القمر وهي تقول له... ستبقى كلماتك فوق النخيل دانية.

 

أنا ما هنت في وطني

ولا صغرت أكتافي

وقفت في وجه ظلامي

يتيماً عارياً حافي

 

القصيدة تحولت إلى وخزات إبر في حلوق المحتلين، وإلى أغنية بصوت الفنان الكبير أحمد قعبور، وإلى درع روحي وثقافي وإنساني بيد أولاد فلسطين وطلابها وعمالها، رجالها ونسائها، فينهض الفقراء والمعذبون على هذا الذي يناديهم من قلب الجليل، فترى الناس انتفاضة، وترى الحجارة طيوراً في أيدي الأطفال، وترى المقلاع والقلم والشيخ والعكاز والبحر وحبة الملح، وترى الدم يقارع القناصة، وترى الشجرة تقارع الجرافة، وترى القدس ترد الغزاة بالآية والصلاة والقداسة.

يقول زياد: ترابي: كنزي المنهوب، تاريخي، عظام أبي وجدي، حرمت عليّ، فكيف أسامح، حتى لو أقاموا لي المشانق لست غافر، أسماؤنا هنا، واقفون على عتبات الحرية عالياً عالياً فيفرح الشهداء فوق الغمام، وعالياً عالياً يفرح الأسرى بإسقاط السلاسل، دمنا يضيء في الظلام، ودمنا يضيء في الكلام، ودمنا يرفرف مع الرياح شمالية أو جنوبية.

 

حملت دمي على كفي

وما نكست أعلامي

وصنت العشب فوق قبور أسلافي

أناديكم

أشد على أياديكم

 

أناديكم.. يتجدد النداء بل يشتعل الآن في القدس بعد أن قتل غلاة المستوطنين الطفل محمد أبو خضير، خطفوه وأحرقوا جسده، فانتصر هتلر عندما تحولت المحرقة إلى ثقافة شرعية لحرق الآخرين وقفزة في الزمان بعد أن توسعت حدود أوشفيتس وانتشرت الفاشية في قبعات ومزامير بني "إسرائيل".

أناديكم.. صرخة تبدد ادعاءات تلك الضحية المأزومة، ففي الوقت الذي بدأ فيه الإسرائيليون يبحثون عن خلاصهم الخرافي بالمحاكاة والمسدس، ابتلعوا بالكامل داخل هذا التشابه المخيف مع أولئك الذين هربوا منهم مبادين ومرعوبين.

أناديكم... صوت اللاجئين المنتشرين في أسمائهم المدفونة، وإتقان المخيم لرحلته شاهرا أسئلته المدهشة، متحرراً من شبح الإغاثة، مدافعاً عن شرعية العودة في الماضي والحاضر وذاكرة اللوز.

أناديكم... معراج الشهداء الصاعدين إلى سماء غزة المقصوفة والمذبوحة بكامل أرواحهم وغيومهم، يرتفعون وينزلون كالآيات المقنبلة بالماء والبرق والهواء، بينما تل أبيب في قاع ملاجئها وهواجسها وقد هبطت، لا تدرك أن للتاريخ مجرى، وللضحايا حياة أخرى هنا وفينا، قالها محمود درويش وهو يحفر اسم توفيق زياد بقرن من غزال على صدر هذه الأرض المعذبة.

توفيق زياد بائع الخبز والأرغفة ونصير الإنسانية يعود حياً ليؤكد لسلطات الاحتلال: هنا على صدوركم باقون كالجدار، وفي حلوقكم كقطعة الزجاج، كالصبار، وفي عيونكم زوبعة من نار.

أناديكم: قصيدة من شظايا تصيبنا جميعاً، أعاد توفيق زياد إطلاقها، عبأها صموداً وغضباً، ولم يهدأ النداء عنده حياً وغائباً، حرضنا على النهوض من الموت السياسي، وحرضنا على أن تبقى ذاكرتنا صاحية موصياً الناس قائلاً:

صموداً، صبراً على النوبِ، ضعوا بين العيون الشمس والفولاذ في العصبِ، سواعدكم تحقق أجمل الأحلام، تصنع أعجب العجبِ.

 

أناديكم.... أشد على أياديكم

 

* وزير شؤون الأسرى والمحررين- رام الله